Thursday 25th February, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 10 ذو القعدة



عن الثواب والعقاب في التربية
صواب الطريق,, في المنهج الإسلامي

لاشك ان العملية التربوية التعليمية وضعت (الثواب والعقاب) من ثوابت شروط التعلم واساسياته،
وتحدث في قيمة هذين الأثرين المهمين كثير من رجال التربية والتعليم وافاضوا في سلبياتهما
وايجابياتهما، والبعض منهم رجح كفة احدهما على الآخر,وفي الآونة الأخيرة كثر الحديث عن
العقاب (الضرب) بوصفه اسلوبا تربويا خاطئا وان الدراسات التربوية الحديثة اكدت عدم جدواه في
العملية التعليمية وسواء كان الثواب هو الاسلوب (الناجح) او كان العقاب، فانه يحسن بالمربي
ان ينطلق في فهم هذين الاسلوبين من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونظرة الشريعة لهما،
فالإسلام بيّن العلاقة بين العالم والمتعلم وحددها ونقدها بأصول ومناهج افاض في الحديث عنها
كثير من العلماء الاوائل كابن سحنون وابن خلدون وغيرهما من رجال الفكر والتربية, ان ارشاد
الطالب الى الخطأ بالعقوبة من الاساليب التي تحدث عنها التربويون القدماء واكدوا فاعليته
ونجاحه، ولكن ضمن ضوابط ومعايير تحفظ التوازن في علاقة الطالب والمعلم وتصل بهما في النهاية
الى الهدف الاسمى من العمل التربوي التعليمي وهذا ما اقره الإسلام في علاقة أمر الولد مع
مربيه ومثال ذلك الولد بالصلاة لسبع وضربه عليها لعشر كما روى أبو داود والحاكم عن عمر بن
شعيب عن ابيه عن جده ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع
سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر),,الحديث,
فالمربي يستوعب قيمة التدرج وضرورته في حال التعليم والتأديب، فالأمر: اولا ثم الضرب:
ثانيا، ولكن لكل منهما زمن خاص به حتى يدرك الولد قيمة الصلاة في سن (السابعة) ويعاقب على
تجاهله لهذه (القيمة) ان فرط بها في سن العاشرة, ثم ان المربي قد يختار ما يلائم تأديب
المتعلم من خطئه بأمور عدة فقد تكفي الموعظة البليغة، او النظرة الخاطفة او الاشارة العابرة
او الكلمة الزاجرة وإذا عرف المربي ان الارشاد إلى الخطأ بواحد من هذه الاساليب لا تجدي
فتيلا في إصلاح الولد واستقامة امره فعندئذ يتدرج معه الى الاشد، فيأتي دور التوبيخ فإذا لم
يجد، فيأتي دور الضرب - غير المبرح - ومن الأفضل ان تكون العقوبة الاخيرة امام طائفة من
زملائه عسى ان تكون لهم زاجرة وواعظة, واذا رأى المربي أن المتعلم - بعد إنزال العقوبة - قد
صلح امره واستقام خلقه,, فعليه ان ينبسط له ويتطلف معه ويشعره انه ما قصد من العقوبة إلا
خيره وسعادته والولد او المتعلم حين يستشعر ان المربي - بعد اجراء العقوبة - يحن اليه، ويعطف
عليه، ويتلطف معه، ويشعره انه ما قصد من العقوبة إلا تربيته وإصلاحه، فلا يمكنه، - ان يتعقد
نفسيا - وان ينحرف خلقيا، وان يتخبط في ردود الفعل، بل يقدر هذه المعاملة الرحيمة قدرها
وجوهرها,
وعودا على ماذكرت آنفا من ان الإسلام أقرَّ عقوبة الضرب فإنه احاط هذه العقوبة بدائرة من
الحدود وبسياج من الشروط,, حتى لا يخرج الضرب من الزجر والإصلاح الى التشفي والانتقام، فمن
هذه الشروط:
،1- ألا يلجأ المربي الى الضرب الا بعد استنفاد جميع الوسائل التأديبية والزجرية والتي اشرنا
الى شيء منها آنفا,
،2- ألا يضرب وهو في حالة غضبية شديدة مخافة الحاق الضرر,
،3- ان يتجنب الاماكن المؤذية كالرأس، والوجه، والصدر، والبطن,
،4- ان يكون الضرب في المرات الاولى من العقوبة غير شديد وغير مؤلم وان يكون على اليدين بعصا
غير غليظة,
،5- إذا كانت الهفوة من المتعلم لاول مرة فيعطى الفرصة لعله يتوب عما اقترف مع اخذ العهد
عليه حتى لا يعود للخطأ مرة ثانية, من هذا يتضح أن التربية الإسلامية قد عنيت بموضوع العقوبة
عناية فائقة سواء كانت عقوبة معنوية او مادية,, وقد احاطت هذه العقوبة بسياج من الشروط
والقيود فعلى المربين الا يتجاوزها ولا يتغاضوا عنها ان ارادوا لاولادهم التربية المثلى, وكم
يكون المربى موفقا وحكيما حينما يضع العقوبة في موضعها المناسب، كما يضع الملاطفة واللين في
المكان الملائم، وكم يكون المربي جاهلا حينما يحلم في موضع الشدة والحزم، ويقسو في مواطن
الرحمة والعفو, ورحم الله من قال
إذ أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فوضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى
ويقول الآخر
إن المربي في شرع الهدى رحيم
بر بمرعته لاعتي الخلق
يرمي بسوط الاذى القطعان وهو يرى
في نفسه ضيضما قد صال في غسق
ابناؤنا يارعاة الجيل عندكم
وديعة لا دُمى حطم لدى (النزق)،
محمد بن علي المعاطي
backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
فروسية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة

الكاريكاتير