Thursday 4th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 16 ذو القعدة


مساقات
المساق 122
حجاب العادة/ عادة الحجاب - 9

بعيني أنا رأيت (سيبيلّا) في (كومي)
معلّقة في قارورة
وعندما كان يصيح بها الأولاد:
سيبيلّا,, ماذا تريدين ؛
كانت تجيبهم دوما:
اتمنّى أن أموت! ,.
و(سيبيلاّ) امرأة نوبية عرّافة تزعم الاسطورة أنها منحت حياة ابدية، لكنها نسيت ان تطلب الشباب الدائم، فبلغت أرذل العمر، حتى صارت من صغر الحجم أنها وضعت في قارورة تعلّق، وكانت العرّافة المعلّقة موضوع مضايقات الأولاد بأسئلتهم,.
(بترونيوس: ساتيريكون، عن: ت,س, إليوت, انظر: لؤلؤة، عبدالواحد: الأرض اليباب,, الشاعر والقصيدة).
وتشبه أسطورة سيبيلّا اسطورة لقمان عاد، الذي تزعم العرب أن عاداً بعثته في وفدها الى الحرم للاستسقاء من قحط اصابها، بتكذيب النبي هود عليه السلام، فألهت الوفد عما ذهبوا اليه جرادتا (معاوية بن بكر) أمير العماليق هناك، والجرادتان مغنيتان شهيرتان، حتى هلكوا وقومهم، إلا لقمان، الذي حُيّر بين بقاء سبع بعرات سُمر من أظب عُفر في جبل وَعر لا يمسّها قَطر، أو بقاء سبعة انسر، كلما أُهلك نسرٌ خلف بعده نسر، فاختار الانسر، فكان آخرها يسمى (لُبَد)، الذي يضرب به المثل بقولهم طال الأبد على لُبَد ، ويقول (النابغة الذبياني)، مشيراً الى لُبَد:
أضحت خلاءً وأضحى أهلها احتملوا،
أخنى عليها الذي أخنى على لُبدِ
(انظر: تاريخ الطبري: 1/217- 222، وابن منظور: لسان العرب: (لبد)).
ولئن كان استاذنا الدكتور محمد بن عبدالرحمن الهدلق في ورقته البحثية المثيرة عن اسطورة يونانية في مقامة لبديع الزمان الهَمَذاني ، التي ألقاها مؤخراً في ندوة النص بكلية الآداب، قد قارن بين قصة (بشر بن عوانة) في مقامة البديع البِشريّة واسطورة (هرقل) اليونانية، ليذهب الى تأثر الهَمَذاني في مقامته بالتراث اليوناني، فإن باحثا آخر سيأتينا غداً - بدعوى التأصيل - ليعيد اساطير العرب الى اليونان او يعيد كل التراث الانساني الى العرب، على ان العرب ما خلّوا شيئا على حد سخرية (عبدالرحمن رفيع), وذلك ما يفعله من جانب آخر جماعة التأصيل اللغوي، حينما يَعزون مفردات لغة ما الى لغة اخرى، وان كانت اللغتان شقيقتين من العائلة اللغوية نفسها، الأمر الذي يوقع البحث المقارن في أتون التخرص، مهما ظُن من الوثائق النصية والتاريخية؛ لأن الأمر فيما يتعلق باللغة والاساطير بصفة خاصة، يتعلق أخيراً بتراث بشري مشترك، مغرق في قدمه من تاريخ التجربة الإنسانية، ونماذج عليا من التصورات البدئية، لا دَين فيها لأحد على احد، إلا كما يمكن ان يدين شعب لشعب آخر بملامح تقويم خَلقِهِ البشري.
بيد أن البعد الرمزي يظل في واحديته هو الأهم، وطرائق التفكير والتعبير بين بني البشر هي الاكثر دلالة، بما فيها من قدر الاشتراك والتماثل، وان تحوّلت القيم وتكيّفت الرؤى بتباين المجتمعات والعصور، وذلك في ازدواج من عناصر الثبات والتغير، التي تحيلنا اليها اسطورتا لقمان وسيبيلّا، في بنيتهما المفردة والمقارنة معا، بما تنطويان عليه من دلالات الوحدة والتنوع,, الخلود والفناء,.
سنة كونية,, ولا يدوم على حال لها شانُ,, لا في الخَلق وفي قيم الخَلق,, (هكذا استهلّ صاحب الجرجاني مساقه).
على ان هذا السائد/ اللُبَد / المعلق في قارورة في حقبة متأخرة قد لا يكون هو ذلك السائد اللابد المعلق من قبل,, وهذا منطبق على شتى القيم, كقيمة الكرم، التي ما يزال حوارنا مع سعيد بن مصلح حولها وحول كتابه عنها, ولكن التحول في سيادة القيمة هنا لا بالمعنى الذي ذهب اليه هو، من ان التجربة الكرمية كانت ضرورة اجتماعية فحسب - كما وقفت رؤيته - ولكن ايضا لان قيمة الكرم قائمة اساسا على قاعدة انسانية من المصالح المتداولة والطقوس المرعية، لا على مثالية اخلاقية مطلقة.
ولمّا لم تكن علاقة الكرم مثالية اخلاقية صرفة، لم نكن في حاجة الى مثل ذلك البيت الصريح
وإنا لنجفو الضيف في غير عسرةٍ
مخافة أن يضرى بنا فيعودُ
لنكتشف البنية العميقة لعلاقة الكرم الاجتماعية - الاقتصادية، ذلك البيت الذي توهّم الشراح انه شذوذ يحتاج الى تقويم، ففعلوا ما عزاه اليهم (ابن مقبل) حين قال: اني لأرسل البيوت عوجا فتأتي الرواة بها قد اقامتها ، كما لم يكن سعيد بدوره في مظنة ان يتوقّع خطابا صريحا لكي يقرأ فيه القلق والتمرّد على سائد صريح.
- لا داعي لهذه المقدمات (قاطعه الناطق باسمنا في ذلك المساق من مجالسات صاحب الجرجاني، بامتعاض),, يبدو لي ان قد آن لك تفسير ما تعني,, لعلك تعود بنا من بعده الى ما كنا فيه من شأن قصر حيّان.
- لن تضيرنا مثل هذه الاستطرادات والمقدمات (ردّ) بل لعلها تفيدنا، إني اكره ان اعمل مدرسا هنا,, ولكن ألا تثقون بي؟,.
لقد قلنا ان مدح الكرم وفق خطاب الشعراء انفسهم دليل على القلق وعدم استقرار هذه العلاقة في المجتمع العربي، وان علينا ان نتخذ سبلا اخرى للقراءة لا تنتظر ان يقال لها كل شيء، على طبق من وضوح، لكي تعي مستكنات اللغة والخطاب.
وعليه، يمكن ان نرى في خطاب الكرم تصوير مبادلة منطقية عادلة، لا تمزّق فيها ولا تآمر قيميّا من الرواة والشراح، وفق ما زعم ابن مصلح, يمكن القول ان هناك طقوسية كرمية تأسست عليها هذه الممارسة، وما زالت، وان اختلفت الأدوات، وتحولت من بُعدها العقدي الى بعدها النفسي, وهنا نحيل الى: Marcel Mauss وكتiبة: frome archaique de 1 echange Essai sur le do, ، مقال عن الهدية، الاشكال القديمة للتبادل ، الذي تعتمد عليه (سوزان بينكني ستيتكيفيتش)، في كتابها المترجم ترجمة متميزة، بالاشتراك مع المؤلفة، من قِبَل الصديق الزميل الدكتور حسن البنا عز الدين، تحت عنوان ادب السياسة وسياسة الأدب: التفسير الطقوسي لقصيدة المدح في الشعر العربي القديم ، حيث تقرأ الباحثة قصيدة المدح بوصفها مقايضة طقوسية.
(ولهذا مساق تال),.
الدكتور/ عبدالله الفَيفي
آداب جامعة الملك سعود - قسم اللغة العربية
backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved