Thursday 4th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 16 ذو القعدة


علاقة الملك عبدالعزيز بمنطقة عسير من خلال رسائله إلى مشايخ المنطقة وأعيانها ورسائلهم إليه (1)
د, محمد بن عبدالله آل زلفة*

الحمد لله الذي وحد البلاد والقلوب، الحمد لله الذي منَّ علينا بنعمة الأمن والاستقرار، الحمد لله الذي بدل خوف هذه البلاد أمنا وتشرذمها وحدة وفقرها غنى وجهلها علما ومرضها صحة,, وما كانت لتتم كل هذه النعم، إلا بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بهمة الرجل المؤسس القائد الموحد الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصين رحمهم الله جميعا,, وبعد,.
عندما تلقيت دعوة امير المنطقة للمشاركة في احتفال منطقة عسير بالمئوية على تأسيس المملكة بإلقاء محاضرة بهذه المناسبة الغالية فكرت مليا، وتساءلت مع نفسي في اي الجوانب تكون محاضرتي؟ وفي اي المواضيع اتحدث؟ فالمناسبة عظيمة تفوق كل القدرات على الالمام او الاحاطة بالحديث ولو بجزئية بسيطة منها، كيف لا ونحن نتحدث عن مناسبة هي الأهم في تاريخ هذه البلاد، وكل جزئية من هذه الجوانب تحتاج الى عقد مؤتمرات وندوات علمية متخصصة لالقاء الضوء عليها، لكي تبقى سجلا للتاريخ، ولتكون شاهدا على اهم نقلة تحول في تاريخ هذه البلاد، ولكي تعرف الاجيال القادمة من بعدنا عظمة انجاز هذه المرحلة الانتقالية في تاريخ هذه الامة.
وادراكا لجسامة ما يتحمله مؤرخو هذه المرحلة ، وما يقع على عاتقهم من مسؤولية كبيرة في تدوين وقائع تاريخ هذه الفترة ، اذ تقع عليهم مسؤولية عظيمة ازاء كتابة تاريخ مرحلة التأسيس فهم الاقرب لها، وهم نتاج الجيل الاول المؤسس، وهم الاقدر على اعطاء الصورة الواضحة لمتحول مهم شمل كل جوانب حياة هذه البلاد.
ولن تعفو الاجيال القادمة عن مؤرخي هذا الجيل، إذا هم قصروا في القيام بواجبهم في تدوين تاريخ فترة التأسيس، لأن الاجيال القادمة لن تستطيع القيام بهذه المسؤولية، وستلحق بنا لوما كبيرا لأنه ليس لنا عذر في القيام بمسؤولياتنا كاملة.
لا اريد ان ألقي بكل اللوم على المؤرخين فقط، فكل هذا الجيل يشارك في مسؤولية ما يقع من تقصير في كتابة تاريخ هذه المرحلة كل بقدر مكانته ومسؤوليته من موظف الارشيف الى صاحب القرار.
بعد كل هذا التفكير وهذه الحيرة استقر الرأي على الحديث عن جانب من جوانب العلاقة بين القائد المؤسس الملك عبدالعزيز يرحمه الله وبين مشايخ منطقة عسير واعيانها من خلال الرسائل المتبادلة بينه وبينهم، والمراسلات تعد اهم وسيلة من وسائل التواصل الحضاري واثبتها واكثرها دواما وادقها مصدرا من مصادر التاريخ,, والتواصل بين الملك عبدالعزيز وبين مشايخ منطقة عسير من خلال الرسائل منذ الفترة المبكرة للعلاقة بين الطرفين يعد ارقى انواع التواصل,, وتعد وسيلة التواصل وهي الرسائل، ادق المصادر واصدقها لكتابة تاريخ تلك الفترة، التي هي فترة التوحيد والتأسيس، وما احوجنا الى معرفة ادق تفاصيل تاريخ تلك المرحلة، ولن يساعدنا على تحقيق تلك الغاية الا البحث الجاد عن المصادر الوثائقية الأولى، وجعلها متاحة للباحثين، واستقراء ما ورد فيها بروح علمية وموضوعية، والخروج بنتائج للأمور كما حدثت، لا كما تريد الاهواء او تسوق إليه العاطفة.
ومن هذا المنطلق اردت ان اوظف - ولأول مرة - هذا المصدر المهم بوصفه طريقة جديدة، لمعرفة طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في ضوء مصدر كتبوه بخط ايديهم، او املوه وختموه بأختامهم، وهي وسيلة وطريقة رائدة في البحث العلمي اذ ظهر لي من خلال قراءة هذا الرسائل المتبادلة اسمى انواع العلاقة واصدقها واعمقها والتي تتجلى فيها الحميمية بين الطرفين في اغلب الاحيان، ويظهر فيها شيء من المصارحة والوضوح التي تظهر جلية في ثنايا لغة خطابات الملك عبدالعزيز، التي تصل الى درجة العتاب او حتى تصل الى درجة التهديد من قبل القائد، اذا رأى ان هناك امرا مخالفا يترتب عليه تهاون بالدين او ضرر بالأمن والاستقرار او إثارة للفتن، إذ تعد هذه الركائز: الدين، والامن والاستقرار، اهم الاسس ، بل المرتكزات الرئيسة لسياسة الملك عبدالعزيز يرحمه الله.
وكما تظهر واضحة في رسائله، وهي الدعوة الى الدين الصحيح والاهتداء به قولا وعملا، وتوفير الامن لكل الناس، والضرب بيد من حديد على يد كل من يعكر صفو الامن، او يسعى في الارض فسادا من تعد او قطع طريق او قتل او سلب او نهب، وقطع دابر مثيري الفتن او المارقين والخارجين عن اجماع المسلمين والمتهاونين في اداء ما فرضه الله على كل مسلم من واجبات تجاه دينه ودولته ووطنه، مثل دفع الزكاة والمشاركة في الجهاد في سبيل وحدة الوطن والدفاع عنه، والامتثال لأحكام الشريعة التي هي المصدر الأول والوحيد للأحكام، والطاعة لأُلي الامر فيما اوجبته الشريعة، وما تمليه مصلحة امن الوطن واستقراره.
في هذه الاطر تدور هذه المحاضرة، والتي هي بدورها العوامل المشتركة لما تضمنته رسائل الملك عبدالعزيز يرحمه الله الى زعماء منطقة عسير ومشايخها واعيانها المادة الرئيسة لهذه المحاضرة,, وهذه الرسائل تغطي فترة زمنية طويلة تعود الى عام 1336ه - 1916م، وهي السنة نفسها التي انضمت فيها بيشة الى حكم الملك عبدالعزيز بوصفها اول منطقة في الاقليم,, وكانت اول رسالة من الملك عبدالعزيز الى احد زعماء بيشة يتم العثور عليها حتى الآن، هي تلك الرسالة المؤرخة في 20 شوال سنة 1336ه، ولم ينقطع التواصل بين الزعيم المؤسس وبين ابناء شعبه في المنطقة من خلال رسائله اليهم طوال حياته يرحمه الله.
اما اولى الرسائل التي تم العثور عليها حتى الآن من قبل المحاضر، والمرسلة من قبل مشايخ المنطقة الى الملك عبدالعزيز بعد رسالة راعي بيشة فهي رسالة من الشيخ سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط، موجهة الى الملك عبدالعزيز بتاريخ 24 ذي الحجة 1337ه، وهي تعود الى حوالي السنة او اقل قليلا من دخول المنطقة كاملة في طاعة الملك عبدالعزيز.
كيف تم العثور على هذه الرسائل؟
من البديهي ان يتبادر الى ذهن كل منكم السؤال المتوقع وهو كيف تم العثور على هذه الرسائل؟
وباختصار للإجابة عن هذا السؤال، فلقد تم العثور عليها نتيجة لما يربو على العشرين سنة من البحث المتواصل عن مصادر تاريخ منطقة عسير، كان من نتائج هذه الرحلة الطويلة مع البحث، العثور على حصيلة جيدة من الرسائل التي كان يبعث بها القائد المؤسس الملك عبدالعزيز الى مشايخ هذه المنطقة واعيانها، منذ السنوات الاولى لتطلع جلالته يرحمه الله الى ضم هذه المنطقة الى الوحدة الوطنية الشاملة، ومن المؤكد ان ما تم العثور عليه من هذه الرسائل لا يشكل الا الجزء البسيط الذي حرصت بعض العوائل من المشايخ والاعيان على حفظه، بينما ذهب الكثير منها نتيجة الاهمال او عدم الاهتمام او تعرضها لظروف خارج ارادة اصحابها، مثل سقوط بعض البيوت القديمة على ما بها من اوراق ومخطوطات وغيرها,, او تعرضها لحريق او غرق او ما غير ذلك.
أحب ان اشير بهذه المناسبة وفي هذا السياق الى ان بعض الاسر كانت متحفظة في الكشف عن اوراقها، ثم ما لبثت ان تخلت عن تحفظها ومدت جسور التعاون مع الباحثين اما بعضها فما زالت تعتقد ان اوراقها من الامور الخاصة بها، ولا تسمح لأحد بالاطلاع عليها، وكيف ما كان الامر، فإنه لا يفوتني ان اتقدم بجزيل الشكر لكل الاسر التي لم تبخل علي ولا على غيري من الباحثين بالاطلاع على وثائقهم وتزويدهم بصور منها، وهم بهذا العمل الجليل ساهموا مساهمة فعالة في كتابة تاريخ منطقتهم وبلادهم إذ أزالت بعض هذه الرسائل النقاط الغامضة، او اكملت الحلقات المفقودة في تاريخ فترة معينة او حدث معين.
أما الذين لا يزالون يتحفظون - وهو تحفظ في اغلب الاحيان لا مبرر له - فإنني وباسم اخواني واخواتي من الباحثين والباحثات ادعوهم الى كسر سياج ذلك التحفظ، وتزويد هؤلاء الباحثين الذين يتحرقون شوقا الى معرفة معلومة جديدة تكشف عنها وثيقة محبوسة في سحارة قديمة اخشى ان يأتي من بعدهم من لا يعرف قيمتها فيرميها كما ترمى بقايا الاشياء.
وكم اتمنى لهذه الوثائق، وخاصة الاصول منها ان تجد طريقها الى الارشيف الرسمي للدولة، او مراكز البحوث المهتمة بحفظ الوثائق والمخطوطات حيث انها ستكون هناك في مأمن، وتصبح حقا مشروعا لكل باحث يريد الاطلاع عليها,, ولكن بكل اسف اخشى ان اقول، ان الوعي بأهمية الوثائق، وكذلك المخطوطات لدى الدوائر الرسمية، ليس بأحسن حال منه لدى الافراد، مع ان عمر دولتنا المديد ان شاء الله قد تجاوز المائة سنة، فمتى يا ترى سيكون لدينا ارشيف مركزي وارشيفات اقليمية لحفظ ذاكرة الامة وهي الوثائق؟ نأمل ان يكون هذا اليوم قريبا.
اما ما يتعلق بالرسائل المبعوثة من قبل المشايخ او الاعيان او الجماعات الى الملك عبدالعزيز، فقد تم العثور عليها من خلال طريقين: الأول احتفاظ بعض مشايخ القبائل بنسخة من الوثائق ذات الطابع الجماعي، او الوثائق المتعلقة بشأن عام يخص القبيلة كلها مثل اتفاق القبائل على رأي ينظم شؤون حياتهم مثل جمع الزكاة والجهاد، وعدد الغزو وغير ذلك من التنظيمات التي كان يتم الاتفاق عليها، وتصبح ملزمة لكل عشيرة او جماعة من خلال ممثليهم الموقعين على تلك الوثيقة، ويرفعون بما تم الاتفاق عليه في شكل رسالة الى الملك عبدالعزيز، والمثال على ذلك في عدد من وثائق قبيلة بني شهر.
اما الطريق الآخر فهو ما احتفظ به بعض الموظفين في ديوان جلالة الملك من اوراق او رسائل، كانت ترد الى جلالته من افراد وجهات مختلفة، وذلك قبل ان ينظم الديوان بشكل إداري حديث وشعب متخصصة منها قسم للمحفوظات، فتسربت بعض هذه الاوراق والرسائل، ربما بعد وفاة اولئك الموظفين الى الاسواق في العاصمة لبيعها ضمن تركات الموتى، ولقيت اشخاصا يهتمون بها، ولا أخال من كان يهتم بمثل هذه الاوراق كثيرين، ولكن القلة المهتمة منهم هي التي كانت فيما بعد تعرضها للبيع على هواة الاوراق القديمة، ومنهم من يحتفظ بالأصول ويبيع على الراغبين صورا لتلك الوثائق والرسائل او يهديها لهم، وقد اقتنت دارة الملك عبدالعزيز ومكتبة الملك فهد الوطنية كميات من هذه الوثائق.
من هذه الوثائق ايضا ما تم تركه مرميا في البيوت القديمة التي اصبحت مهجورة والتي كان البعض منها مكاتب رسمية وادارات حكومية وتم الانتقال منها الى اماكن او مكاتب اخرى وتركت الوثائق دون رعاية تذكر لأنها آخر ما يفكر الموظفون في نقله اذا نقلوا الى مكان جديد,, ومنها ما تخرجه بعض الدوائر الحكومية من وثائق بحجة انها اوراق قديمة عديمة القيمة، ويجب التخلص منا واتلافها ان لم يكن بالاحراق فبرميها في اماكن بعيدة على اطراف المدن في مهب الريح فيلتقط منها من شاء ما يلتقط, هذه ايها الاخوة جوانب الظروف المأساوية التي تعرضت لها الكثير من اوراق الدوائر الحكومية القديمة، ولا اظن الدوائر الحكومية القديمة في أبها استثناء.
تعود اقدم رسائل الملك عبدالعزيز الى زعماء المنطقة على حد علمنا الى عام 1336ه، وآخرها تلك البرقية التي وجهها جلالته يرحمه الله معممة على مشايخ المنطقة الخاصة بنقل الامير تركي السديري يرحمه الله من منطقة عسير، ليكون اميرا على منطقة جازان، وذلك في عام 1371ه.
وبين هذين التاريخين تتوزع الرسائل الى فترات تاريخية مختلفة كل فترة منها تحمل اهمية تاريخية خاصة بها، إما على مستوى البلاد بشكل عام او على مستوى حدث مرتبط بقضية محددة او محلية.
وفي كل فترة من هذه الفترات التاريخية تحمل الرسائل خطابا او توجها يعكس ظروف تلك المرحلة، ويمكن تقسيم هذه الفترات على النحو التالي:
1- فترة ما قبل ضم عسير في عام 1338/ 1919م.
2- فترة سنة ضم عسير والسنة التي بعدها 1338، 1339/ 1920، 1921م.
3- فترة قيام التمرد في ابها، وحملة الامير فيصل (الملك فيصل يرحمه الله) سنة 1340، 1341ه/ 1921، 1922م.
4- فترة ضم حائل والمناطق الشمالية 1340/ 1921م.
5- فترة ضم الحجاز 1343ه.
6- فترة تمرد الاخوان في عام 1347ه.
7- فترة حركة الادريسي والحرب السعودية اليمنية 1351/ 1931م، 1352، 1353ه/ 1932م.
8- فترة ما بعد الحروب (فترة الاستقرار).
واذا كان عام 1336/ 1916م، يعد عاما حاسما في تاريخ منطقة عسير إذ ضم الملك عبدالعزيز منطقة بيشة الى حكمه، وعين عليها اميرا من قبله وقاضيا شرعيا، ومعلمين يعلمون الناس امور الدين، فإن هذا لا يعني ان هذا الحدث يمثل اول علاقة للملك عبدالعزيز بالمنطقة ، وانما تطلعات الملك عبدالعزيز للمنطقة تعود الى الفترة المبكرة من استعادته للرياض عام 1319ه/ 1902م وهو أمر طبيعي فلم تكن استعادة الرياض الا مرحلة تتلوها مراحل اعادة توحيد البلاد كلها، الى ما كانت عليه في عهد الدولة السعودية الاولى، وربما ترجمت تلك التطلعات في تلك الفترة المبكرة الى واقع عملي من خلال قبائل قحطان البادية التي تعد تثليث وما حولها اهم مناطقهم في الجنوب,, والمعروف ان قبيلة قحطان الممتدة من اعالي تثليث الى الرين والى القويعية في وسط نجد هم اكثر القبائل موالاة لآل سعود، ولم يثبت التاريخ رغم تقلباته انهم انحازوا الى غيرهم لقد كانوا - قحطان البادية - اول الداخلين في طاعة الملك عبدالعزيز، واصبحوا يشكلون القاعدة المتقدمة له في المنطقة الجنوبية واصبحت لهم هجر يقيمون فيها، ويتلقون فيها مبادئ علوم الدين,, إلا اننا لم نجد لدى مشايخ تلك القبائل رسائل من الملك عبدالعزيز تثبت بداية علاقتهم به، وعلى عادة اهل البادية فانهم لا يولون الكتابة اهمية ولا يحتفظون بما يرد اليهم من مكاتبات.
تعكس الرسالة التي بعث بها الملك عبدالعزيز الى احد شيوخ بيشة (2) بتاريخ 20 شوال 1336ه، والتي من مضمونها اعتقد انها من اوائل الرسائل التي بعث بها الملك عبدالعزيز الى بيشة أول ما وصل الينا, هذه الرسالة تعكس الخطاب الرئيسي الموضح للأهداف التي يدعو اليها الملك عبدالعزيز، والتي تمثل القاعدة الرئيسية التي ينطلق منها ويقيم شرعية دعوته عليها وهي دعوة الناس الى دين الله الصحيح الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، والذي جاء الشيخ محمد بن عبدالوهاب يرحمه الله يدعو الناس الى العودة الى ذلك الدين الصحيح والابتعاد عن كل ما يتعارض معه,, ومما ورد في تلك الرسالة في هذا الخصوص قوله:
فلما رأينا ما منَّ الله به على المسلمين من تجديد هذه الدعوة ودخولهم في دين الله افواجا وبلغنا خبر محبتكم للخير فحمدنا الله على ذلك لأنكم من اعز طوارفنا واهلا لذلك لأنكم من قام في هذا وقت الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومساعدة اوائلنا نرجو الله ان يتغمدهم برحمته، فوجب علينا ان نبعث اليكم من يعلمكم امر دينه ودعت اليه الرسل ونزلت به الكتب وكان عليه السلف الصالح من أئمة هذا الدين .
ثم يأتي الى آخر مقطع في رسالته هذه حيث يقول:
فبموجب معرفتنا بكم وحرصكم على الخير وعلى تعلم دين الله عمدنا لكم عبدالرحمن بن داود وعثمان بن سليمان وإن شاء الله بهم بركة وقصدنا بإرسالهم شفقة عليكم واقامة الحجة من الله ثم منا على من خالف دين الله لأنا بحول الله جازمين على الجهاد في سبيل الله معادين من عادى دين الله نرو ان الله ينصر دينه ويعلي كلمته ويجعلنا واياكم من انصار دينه وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم20 شوال 1336ه
وبيشة بحكم موقعها تكون أهمية كبرى في استراتيجية الملك عبدالعزيز المستقبلية، فكان لبيشة الدور الكبير في انتصار الاخوان في معركة تربة 1337/ 1919م، ومنها انطلقت جحافل الاخوان 1338ه لضم عسير, وكانت القاعدة الاقتصادية المهمة لتموين كل هذه الحروب وما تلاها من حروب التوحيد, وبدخول بيشة في طاعة الملك عبدالعزيز وتشكيل ادارة سعودية بها دخلت تبعا لذلك كثير من قبائل البادية المحيطين بها في طاعة الملك عبدالعزيز، ومن ضمنهم قبيلة بني واهب واحدة من اهم القبائل وشيخها هيف بن ناصر الفويه، الذي كان من اوائل من اعلن ولاءه وطاعته للملك عبدالعزيز, وبعد ان امر الملك عبدالعزيز بوضع حد لنشاط بعض قبائل الأخوان كما سيظهر ذلك فيما بعد,, كتب الشيخ سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط شيخ شمل شهران وكود وناهس من شهران رسالة مؤثرة الى الملك عبدالعزيز، وهي اول رسالة اتحصل عليها يبعث بها ابن مشيط الى الملك عبدالعزيز مؤرخة في 24 ذي الحجة 1337ه يشتكي اليه القبائل المعتدية بحكم انهم اصبحوا داخلين في طاعته، ويستنكر فعلتهم ويطلب مقاضاتهم, ويذكر انهم لو لم يكونوا داخلين في طاعته لاقتص منهم بقوة قبيلته,, ويُذكّر ابن مشيط في رسالته الى الملك عبدالعزيز بما يربط بين آل سعود وآل مشيط من علاقات قديمة.
ومن الملاحظ ان ابن مشيط اشار في اول رسالته الى انه قد تلقى من الملك عبدالعزيز رسالة قبل وقوع هذه الحادثة، وهذا دليل على ان المراسلات بين الطرفين كانت قائمة الا اننا لا نستطيع ان نحدد بدايتها، لعدم وجود اشارة الى ذلك، وهذا يؤكد من ناحية اخرى ان الملك عبدالعزيز صاحب المشروع الوحدوي منذ البداية كان على اتصالات بالزعامات في منطقة عسير وغيرها, ومن الواضح ان الملك عبدالعزيز لم يكن راضيا عما قامت به بعض القبائل من غارات وسلب ونهب إذ كتب الى احد شيوخها بتاريخ 2 جمادى الاولى 1338ه ينصحه ويمنعه من التعدي على الاخرين تحت اي حجة، وانه سيبعث الى المنطقة بشيوخ علم على رأسهم الشيخ عبدالله بن راشد يفقهون الناس بامور دينهم ويوضحون للاخرين طبيعة ما يدعو اليه، ويشرفون على جباية الزكاة وهذه أمور لا دخل للشيخ الفوية ورؤساء بقية القبائل الداخلة في طاعة الملك عبدالعزيز بها.
وفي رسالة من الشيخ سعيد بن مشيط الى الامير عبدالرحمن بن ثنيان امير بيشة المعين من قبل الملك عبدالعزيز وهي غير مؤرخة، ولكن يبدو من مضمونها انها بتاريخ عام 1338ه يذكر فيها ابن مشيط انه تلقى الرسائل التي بعث بها الملك عبدالعزيز اليه والى امير عسير حسن بن عايض وهي رد على الرسالة التي كان قد بعث بها ابن مشيط الى الملك عبدالعزيز الخاصة بشكواه من تعدي القبائل على قبائل كود وناهس اذ ابدى الملك عبدالعزيز في تلك الرسالة عدم رضاه واستنكاره لما حدث، وانه نتيجة لذلك قد قرر (الملك عبدالعزيز) بعث الشيخ عبدالله بن راشد على رأس بعثة من العلماء الى منطقة عسير للتباحث معه، ومع الامير حسن بن عايض حول هذه القضية وغيرها من القضايا وقد اعلن ابن مشيط في رسالته الترحيب بقدوم الشيخ ابن راشد ومن معه.
ومن الجدير بالذكر ان بعثة الشيخ عبدالله بن راشد هي اول بعثة رسمية يبعث بها الملك عبدالعزيز الى منطقة عسير وقد حمل معه رسائل من الملك الى امير عسير والى مشائخ القبائل يوضح لهم ما يدعو اليه الملك عبدالعزيز، وقد وجد الشيخ ابن راشد استجابة وتفهما من لدن مشائخ المنطقة، وخاصة قبائل قحطان رفيدة وبني بشر وعبيدة وسنحان وشريف، اضافة الى الشيخ سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط، وقد شملت مهمة الشيخ ابن راشد بلاد غامد وزهران للغرض نفسه، وعلى اثر عودة ابن راشد الى الرياض وتقديم تقريره عن نتائج رحلته تم اتخاذ التدابير العملية بضم عسير الى كيان التوحيد في عام 1338ه، بعد ان اصبح واضحا وجليا استجابة اغلبية القيادات في منطقة عسير للدخول في مشروع الوحدة, وكذلك بلاد غامد وزهران الذين تقدموا باعلان رغبتهم الى الانضمام لدولة الملك عبدالعزيز ومبايعتهم له , وانضمام غامد يعود الى وقت مبكر، ربما متزامن مع انضمام منطقة بيشة في عام 1336ه حيث تمثل بيشة للكثير من الاسر الغامدية ذات النشاط التجاري اهمية كبيرة، وتفرض مصالحهم ان يدخلوا تحت حكم مَن آل حكم بيشة إليه, وتوضح رسالة بعث بها اعيان غامد الى الملك عبدالعزيز بتاريخ 20 ذي الحجة 1338ه يطلبون تثبيت احد امرائهم على امارته دليلا على ان دخولهم تحت حكم عبدالعزيز كان في وقت مبكر من هذا التاريخ.
في شوال عام 1338ه وصلت طلائع قوات الملك عبدالعزيز الى منطقة عسير بقيادة الامير عبدالعزيز بن مساعد الى مشارف بلاد شهران، ورافقه الشيخ عبدالله بن راشد صاحب المهمة الاستطلاعية في العام السابق ومن موقعهم في قاعة ناهس، بعثوا برسائل كانوا يحملونها من الملك عبدالعزيز الى امير عسير حسن بن عايض يدعونه فيها الى دخول منطقة عسير في اطار مشروع الوحدة الوطنية التي يدعو الملك عبدالعزيز الى اقامتها.
كما جددوا دعوة مشائخ القبائل الى الغرض نفسه، وهذه سياسة ثابتة اتبعها الملك عبدالعزيز في كل حروبه، فهو لا يقوم بحرب حتى يعطي الطرف الثاني فرصة الجنوح الى السلم رغبة في عدم سفك الدماء او ترويع الآمنين، فكان موقف المشائخ الذين سبق ان اوضحوه لابن راشد في رحلته الاستطلاعية فلم يزالوا على موقفهم من الترحيب رغم ان بعضهم نتيجة لمواقفهم هذه قد اتخذ منهم امير عسير موقفا، وقبض على بعضهم وارسلهم تحت الاقامة الجبرية في مدينة ابها.
وشهدت منطقة عسير منذ اواخر عام 1338ه وطوال عام 1339ه، وهي السنة الاولى من دخول منطقة عسير تحت حكم الملك عبدالعزيز مرحلة انتقالية مهمة في تاريخ المنطقة, والمراحل الانتقالية غالبا ما تكون الاكثر صعوبة ولو استعرضنا القضايا الاكثر صعوبة, خلال هذه المرحلة بالتفصيل لربما احتجنا الى وقت اطول ومساحة اكثر اتساعا ، ولذا فانني سألجأ الى الاختصار بقدر الامكان وفي ضوء ما تمدنا به مادتنا الوثايقية وهي الرسائل المتبادلة بين الزعماء والملك عبدالعزيز التي منذ البداية قلنا انها مادتنا الرئيسية.
ليس تحقيق الانتصار العسكري هو نهاية كل عمل، بل العمل الحقيقي يبدأ بعد مرحلة الانتصار، وخاصة ما يتعلق بادارة البلاد بعد ضمها, ولقد كان الملك عبدالعزيز بحس القائد وعقلية الاستراتيجي وروح رجل الادارة، وهي سمات تجتمع كلها في شخصية الملك عبدالعزيز العارف والمقدر لكل الامور، لانه رجل يؤسس دولة, ادرك منذ بداية ضم عسير صعوبة ادارة الاقليم في ظل الظروف الراهنة وفي هذا الخصوص كتب الى الامير عبدالعزيز بن مساعد والشيخ ابن راشد بتعليمات مفصلة يوضح فيها الكيفية التي تدار بها المنطقة نص في تعليماته هذه على الآتي: ان تترك ادارة المنطقة في ايدي المخلصين من ابنائها المتسمين بالدين والكفاءة لتحمل المسؤولية ويبقى الشيوخ كل على قبيلته وديرته ومرجعه الملك مباشرة ، والتشاور مع اهل الحل والعقد من اهل البلاد، وترتيب الناس على قدر احوالهم ودرجاتهم.
ولم يتفق القوم هنا في عسير على من يتولى امر الادارة في ظل النظام الجديد فقد اختلفت القيادات العسيرية فيما بينها، وخاصة مشائخ قبيلة عسير نفسها حول من يتولى الامر.
كما ان هناك قيادة محلية يمثلون المجتمع المدني الابهاوي لهم مطالبهم، ولكنها محصورة في طلب تعويضهم عما اصابهم من ضرر نتيجة لما تعرضت له مدينتهم من اضرار بالغة اثناء دخول الاخوان غير آبهين بمن سيتولى امر الادارة, ومما قالوا في خطابهم الى الملك عبدالعزيز المؤرخ في شهر المحرم 1339ه بعد الديباجة:
اما بعد فنعرض الى الامام العدل بانا يا اهل مركز ابها نسمع ونطيع لامر الامير من كان يكون ولا نقدر نمتنع من الامير اذا ظلمنا او تعدى حدود الله فينا الا بالدعاء الى الله والابتهال اليه فلا يظفر ولا ينتصر من ظلمنا وصار انه وقع على اهل ابها ما وقع وكل شيء من مقدرات الباري عز وجل وكما قال في الآية الجليلة ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين, الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون, فحلت بنا يا اهل ابها والحمد لله على كل حال، وتعلم طال عمرك انا مغدورون من كل الوجوه وكلنا الشايب والشباب والارامل والايتام محتاجون الى نفحات الله عز وجل ثم الى نفحاتكم الكريمة عوض ومعاون نكون نستعين بها على نوايب الدهر ولا معنا من ينظر لحالنا الا الله ثم جنابك بل وانت اليوم لنا والد شفيق ومرجع امورنا الى الله ثم اليك وقد شكينا حالنا الى الامير عبدالعزيز بن مساعد ابن جلوي فأوعدنا انه يعرف حضرتكم بحالنا .
والعريضة او الخطاب بتوقيع اعيان مركز ابها, منصور بن عزيز، خليل بن محمد، مبارك بن محمد، حسين بن مصطفى، خطيب الجامع، علي بن عبشان، عبدالله بن سعيد بن نمشة، سليمان بن حسن.
اما الشيخ عبدالعزيز بن مشيط الشخصية البارزة على مستوى المنطقة والذي اثبت في خضم هذه الاحداث قدراته على التفاعل معها، فكان له رأي في مستقبل الادارة والحكم في هذه المنطقة اوضحه في رسالة بعث بها الى الملك عبدالعزيز (3) برفقة الامير عبدالعزيز بن مساعد حين عودته الى نجد بعد الانتهاء من ضم عسير ورسالته هذه رد على رسالة وصلته من الملك عبدالعزيز يحملها شخص يدعى محمد بن سلطان، وكان الملك عبدالعزيز قد طلب من الشيخ ابن مشيط ان يتشاور مع الامير عبدالعزيز بن مساعد والشيخ عبدالله بن راشد في شأن مستقبل ادارة المنطقة ، وذكر ابن مشيط انه في الوقت الذي وصلت فيه الرسالة كان الشيخ عبدالله بن راشد قد انتقل الى رحمة الله, وقد أتى في رسالته على عدة نقاط منها:
1 - ان جميع سكان المنطقة الجنوبية قد اعطوا العهد للملك عبدالعزيز، ومجيبين للدعوة وممتثلين لامر ولي الامر.
2 - يرى ضرورة ابقاء طارفة (4) من قبل الملك، ويقترح ان تكون مقرها اما في ابها او في الخميس.
3 - تعيين شيخ علم وامير تساعدهما بعض القوة.
4 - تنظيم بيت للمال لكل المنطقة ، التي وصفها بانها كبيرة وواسعة، تمتد من بلاد غامد ومن تثليث الى محايل وجبل عسير، ومن بلاد وداعة الى بيشة النخل.
5 - حث في الاسراع بارسال شيوخ العلم، ووصف الارض بانها عمياء وهم سفرتها .
الان وقد اصبح لدينا موقف كل من قبيلة عسير ممثلة في مشائخها من الوضع في المنطقة تحت الظروف الجديدة، وكذلك موقف شيخ شمل شهران الشيخ سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط، فماذا عن موقف شيخ قحطان محمد بن دليم الذي له من النفوذ في المنطقة ما يتساوى مع نفوذ الشيخ ابن مشيط، وله زيادة درجة في الاهمية بحكم موقعه بالقرب من الحدود اليمنية، ومحمد بن دليم شخصية سياسية بارزة، ليس فقط مجرد زعيم قبيلة فكل كيان سياسي قام في المنطقة حرص على كسبه الى جانبه مثل الاتراك ثم الادريسي وكذلك آل سعود ولم يقطع علاقته بأئمة اليمن، وهي علاقة املتها ظروف موقعه حيث التداخلات بين قبائله والقبائل اليمنية المحادة، ولكنه لم يخضع لنفوذ اي من الائمة اطلاقا.
لم يكن ابن دليم في منأي عن التطورات السياسية في المنطقة، لانه كان احد صناعها ان لم يكن الابرز في هذا المجال.
وان لم تكن حصيلة اسرة آل دليم من الوثائق بكثيرة نتيجة لظروف مختلفة، فان حضور الشيخ محمد بن دليم ابو لعثة ماثل في معظم ما لدى المشائخ الاخرين من وثائق , تشير بعض المصادر (5) الى ان ابن دليم هو أول من سعى في اقامة علاقات بين الملك عبدالعزيز والسيد الادريسي ومعروف ان هذه العلاقات والتي اشارت اليها بعض المصادر وخاصة الوثائق العثمانية بانها بدأت قبل عام 1328ه/1908م وهذا امر لا نستبعده لسببين.
الاول علاقة ابن دليم القوية بالادريسي.
الاخر علاقته الدائمة بنجد وتطورات الاحداث فهيا.
وربما اذا ما اصبح بالامكان الاطلاع على وثائق الديوان الملكي في عهد الملك عبدالعزيز ان تتضح لنا الحقيقة اكثر، الا ان ما يتوافر بين ايدينا الآن هي رسالة من الامير محمد بن دليم الى الامام عبدالحمن بن فيصل والد الملك عبدالعزيز هذه الرسالة بتاريخ جمادى الاخرة 1339ه ومن مضمونها ما يشير الى ان هناك علاقة متينة وقديمة عن تاريخ رسالته هذه بكثير بينه وبين الملك عبدالعزيز.
ومن رسائل ابن دليم الى الملك عبدالعزيز رسالة مشتركة منه ومن رفيق دربه الشيخ سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط، وما امكن الحصول عليه هو ملحق لتلك الرسالة التي لم يتم العثور عليها وهذا الملحق غير مؤرخ ولكن يبدو انه في مطلع عام 1339ه، وقد تضمن انواع الهدايا التي بعث بها كل من الشيخين الى الملك عبدالعزيز ونصها كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
ملحق خير وعافية لايخفى جنابك طول الله عمرك ان معنا يا غلامين (6) لا انا يا محمد بن دليم ولا انا ياسعيد بن عبدالعزيز هدو (7) ما هو لك بقدر وقدرك عند الله يا طويل العمر، فمني يا محمد بن دليم راسين من الخيل فرس وحصان ورابع من الجيش ومني انا يا سعيد بن عبدالعزيز عبدين وفرس وحصان ومعنا يا غلامين اربعة حمول قهوة برية فحملين منها قد عقدناها لوالد الجميع الامام عبدالرحمن ابن فيصل وحملين لجنابك وحن على دبرت الله ثم دبرتك وتكون تعذرنا على قول (قل) هدونا (8) هذا والله يرعاك والسلام .
ختم كل منهما.
اما اول رسالة من الملك عبدالعزيز الى الشيخ محمد بن دليم فهي بتاريخ 1 ذو القعدة 1339ه يبشره فيها بان الامير سعود بن عبدالعزيز مشدد الخناق على حائل، ويذكر ايضا ان قبائل شمر وعنزة وبعض القبائل الشمالية قد دخلوا في طاعته.
وكان الملك عبدالعزيز يرحمه الله حريص على ابلاغ زعماء القبائل والمحسوبين عليه بكل تطورات واخبار مملكته من خلال رسائله حين لم يكن هناك من وسيلة اعلامية غير الرسائل.
وفي العام نفسه اي 1339ه تتابعت رسائل المبايعة واعلان الولاء من جيع زعماء قحطان، ومن تلك الرسائل التي تم الاطلاع عليها رسالة من عايض بن سعد بن ثقفان امير بني بشر من قحطان والمؤرخة في 25 جمادى الاخرة 1339ه ورسالة من الشيخ حسين بن هيف شيخ جارمة وخطاب من قحطان ايضا بتاريخ 29 شوال 1339ه.
وبعد ان استعرضنا علاقة القبائل الثلاث الكبرى في المنطقة قحطان وشهران وعسير بالملك عبدالعزيز، فان الامر لا يتم الا بالحديث عن الركن او القطب الرابع لهذه المنظمة السياسية، واعني بذلك قبائل رجال الحجر بني شهر وبللحمر وبللسمر هذا التحالف القبلي القوي الذي ادى دورا مهما وحاسما في تاريخ هذه المنطقة خلال هذه الفترة وغيرها من الفترات, ومن المعروف ان تحالف قبائل رجال الحجر يحتل موقعا هو في غاية الاهمية الاستراتيجية لمنطقة عسير، ولذا فانه لا يستقر الوضع في هذه المنطقة ورجال الحجر خارجه، وهذا امر ادركه كل مخطط استراتيجي تعامل مع الواقع السياسي والعسكري والاقتصادي لمنطقة عسير.
ما لدينا من الوثائق تشير الى اول اتصال بين رجال الحجر ممثلة في اكبر زعمائها الشيخ سعيد بن فايز العسبلي وبين امير سعودي هو الامير عبدالعزيز بن مساعد اثناء وجوده في ابها، هي تلك الرسالة الموجهة من الاخير الى الشيخ سعيد والتي نصها:
من عبدالعزيز بن مساعد آل سعو الى المكرم سعيد بن فايز سلمه الله وهداه آمين بعده خطكم وصل وما عرفتم صار معلوم ومعلومكم اننا ما ظهرنا وجاهدنا الناس وبذلنا الاموال والانفس الا لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر هذا المقصود وانتم ان كان لكم رغبة في الخير فاقبلوا علنيا في مركز ابها وحنا ما نغير من له رياسة عن رياسته اذا كان قائما بامور الشرع ملتزما به ومن أقبل الينا فهو آمن حتى يرجع الى اهله انتم وغيركم ومن اعرض عن الخير ولم يقبله اعان الله عليه كاين من كان وانتم ان شاء الله الرجاء منكم انكم ممن يقبل الخير هذا ما لزم ولدينا الشيخ والاخوان (يسلمون) والسلام .
10 ذي القعدة سنة 1338ه
لم نجد فيما تمكنا من الاطلاع عليه من وثائق رجال الحجر وخاصة بني شهر تبادل شيء من الرسائل بين الشيخ سعيد بن فايز والملك عبدالعزيز واول رسالة تم العثور عليها موجهة من الملك عبدالعزيز الى الشيخ فراج بن سعيد العسبلي يعود تاريخها الى 19 ذي الحجة 1339ه ومما ورد فيها:
من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل الى جناب الاخ المكرم فراج بن سعيد العسبلي سلمه الله تعالى ,.
,,, الخط المكرم وصل وما عرفته كان معلوم من مخصوصا من طرف احوال طرفكم وسكونها واجتهادكم في ذلك موفقين ان شاء الله للخير ولا يدخلنا شك في نصحك المسلمين ولو لا يتهم وتدري ان ما لنا قصد في احد لامن اهل طرفكم ولا من غيرهم ولا لنا مطلب في زيادة دنيا ولا شرف لانفسنا بل يعلم الله ان جل مقاصدنا ان تكون كلمة الله هلي العليا ودينه هو الظاهر ودورة راحة المسلمين وان يكونوا يدا واحدة متحابين في الله متعاضدين على طاعته واتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فاذا استقاموا لذلك فليثقوا بالله انهم ان شاء الله ما يشوفون الا ما يسرهم في امر دينهم ودنياهم ومن خالف ذلك وجنى (جناية) فاثمها وعقابها عليه هذا الذي لرعيتنا علينا والله على ما نقول وكيل .
ومن رسائل الملك عبدالعزيز المهمة الى بني شهر رسالة بتاريخ 23 ذي الحجة 1341ه ونصها:
من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل الى من يراه السلام وبعد من امنه فراج بن سعيد العسبلي فهو آمن من جميع الامور الذي قد مضت ما لها باعث ومدفونة عنه ومن طرف الامر المقبل ما نمضي فيه الا حكم المشرع وعلى هذا عهد الله وامانة يكون معلوم .
ختم الملك عبدالعزيز
الحديث ايها الاخوة حول هذا الموضوع طويل ومتشعب وشيق وشاق في آن، ولا أريد ان اطيل عليكم اكثر مما اطلت، واجد نفسي مضطرا للتوقف عند هذا القدر على امل ان اكمل هذا الموضوع الذي لم يكتمل حسب الخطة التي اشرت اليها في اول هذه المحاضرة.
ولعلي فيما قلت اكون قد اثرت في نفوس البعض الحماس ممن يملكون وثائق، خاصة الرسائل من الملك عبدالعزيز او اليه لاخراجها من اماكنها لكي نكمل هذا المشروع الذي لم اتناول منه الا الجزء القليل وهو ذلك الجزء الذي ينتهي باواخر سنة 1339ه.
وللحديث بقية في مناسبات وطنية غالية ان شاء الله.
* عضو مجلس الشورى
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر جامعة الملك سعود
* الهوامش:(1) القيت هذه المحاضرة في مدينة أبها بتاريخ 15/10/1419ه بمناسبة احتفال منطقة عسير بمئوية التأسيس.
(2) بكل أسف ان مكان اسم هذا الشيخ في الوثيقة (الرسالة) مخروم لسوء حفظ الوثيقة فلم يظهر الاسم كاملاً وما تبقى منه غير واضح.
(3) هذه الرسالة غير مؤرخة ويفهم من مضمونها انها كتبت في شهر محرم او صفر سنة 1339ه.
(4) الطارفة: تعني في المفهوم الاداري في المملكة ممثلي الحكومة، الأمير والقاضي والمسئول عن بيت المال.
(5) عبدالله بن مسفر في كتابه السراج المنير.
(6) الغلامين: الشخصين في لهجة جنوب المملكة.
(7) الهدو: الهدية.
(8) هدونا: هديتنا.

backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved