Tuesday 9th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الثلاثاء 21 ذو القعدة


بدون ضجيج
فوبيا ,,!!
جار الله الحميد

ما أكثر ما ألغيت من الرحلات بسبب التوجس من الطائرة! دائماً أبدأ الفكرة بحماس, أهوّن من المصاعب المنتظرة, أقطع بطاقة السفر رابط الجأش, وأزين الفكرة لنفسي, ساعة واحدة وانت في المكان المطلوب, لا عناء التكسيات وخطر الطريق البري والملل الذي يطحن العظام! وفي ليلة السفر يهرب النوم من عيوني كما يهرب من أعين العاشقين, وكلما اقترب موعد الرحلة بدأت الخيارات التي لم تكن في البال, أنت مرهق, وإذن فرحلة الصباح غير مناسبة, لماذا لا تبحث عن رحلة تكون في الظهيرة, دائماً: الصبح المبكر مدعاة للارتباك والاضطراب, انت لن تخسر شيئاً لو جعلت الرحلة في المساء.
بالعكس: ستجد الاصدقاء بانتظارك, وحركة الناس ستجعلك لا تحس كل هذا الاحساس العارم بالوحدة, وعندما تدخل مدينة ما في المساء سيكون ذلك مبهجاً, ومع مضي الوقت يزداد الارتباك وعدم القدرة على اتخاذ قرار حاسم, ويزداد المغص, واضطرابات الأمعاء, وتصيبك حالة من الذهول, وتبدأ تتخيل شكل المطار المبكر,
والناس (المكتمين) الذين يزيدون الشعور بالخوف, والصمت الفادح, والجلوس في الصالة بانتظار الطائرة وقتاً لا يعلم الا الله كم يدوس على قلبك, وكل (ميكروفون) تتخيل انه سيناديك انت بالذات.
وكل موظف يدخل متلفتاً تظن انه سمع اخباراً سيئة عن الطائرة وجاء ليخبر احدا ليس انت بالطبع, واي عامل يدخل من احد ابواب الطوارىء مسرعاً يجعل قلبك يرفرف كالطير, فهو لا بد نزل من الطائرة الرابضة تواً ووجد اموراً غير سارة, ويتراءى لك دخان كأنه ينطلق من جسم الطائرة الرابضة!!
وهكذا عندما يتبقى على موعد الحضور شيء يسير تكون قد قررت إلغاء الرحلة وانت تطفح بالندم! والخجل! والانكسار.
ستحاول ان تجد مبرراً للإلغاء, ولكنه لن يخرج عن كونه: تسفيهاً لسبب الرحلة ذاته, الذي كنت قبل ايام جعلت منه سبباً مهماً جداً ويستحق بجدارة التلبية.
وبالطبع فأنت من (زود) الخجل لن تسارع الى استرجاع التذكرة مهما كنت بحاجة لثمنها, وستكمن اياماً يجلدك الشعور بالذنب وكأنك انسحبت من ميدان المعركة, متجنباً اي سؤال عن سبب الغاء الرحلة التي ظللت اياماً لا حديث لك الا هي ,,!
فيما عدا تقبلك للحديث مع الأهل الساخرين الذين تقابل سخريتهم بدفاع (متشنج) غير حقيقي!
هذه مشكلتي مع الرحلات الجوية!
لأنني اذا قدر الله وركبت الطائرة فانه لا شغل لي الا ملاحظة وجود المضيفات والمضيفين بحثاً عن اي تعبير يشي بقرب وقوع حدث هام! والحدث الهام طبعا لا يتعدى حدوث مكروه للطائرة.
وحين اسمع اثنين او جماعة يمزحون ويضحكون بصوت مرتفع اتعجب من قلوب الناس التي قدت من حجر! وإلا,, فهل هذا وقت مزاح وضحك؟! وعندما اسمع حركة قوية (تكون صادرة عن غرفة الطعام),,!
ألتفت بقوة نحو مصدرها ولا اهدأ حتى ارى احد الملاحين حاملاً طبقاً او ما شابه, أما عندما يصدر ذلك الصوت الذي هو عبارة عن تنبيه او نداء فان تداخلات تصيب سمعي في الصميم فلا اسمع مما قيل شيئاً! وحين تصل الرحلة بسلام لا اكاد اصدق, حتى انني ابتسم في وجه كل من يقابلني, واتبادل مع صاحب التكسي على غير عادة عبارات المجاملة والسؤال عن الجو وأتباسط في الحديث حتى انني انتقد نفسي فيما بعد على هذا الاندلاق!
هذه (الفوبيا) مثل غيرها من انواع (الفوبيا) لا يفيد معها منطق علمي ولا نصائح ولا حقائق,
لا يفيد معها الا ان تركب الطائرة رغماً عنك, ووقتها ستجد آلاف الاسباب اما للاستمرار في جحيم هذه (الفوبيا) او الخلاص منها, والأخيرة يبدو لي انها اصعب من (حبة الكوع)! وان كان الأمل كبيراً في ان توجد في زمن لاحق وسيلة نقل بسرعة الطائرة وأمان القطار، وسهولة الحصول على التكسي، وبدون صالة سفر، ولا اعلانات قدوم ومغادرة، او باختصار: جمل يملك ميزات كل وسائل النقل الحديثة ويظل جملاً في لحظات الخطر ,,!
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
القوى العاملة
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved