Al Jazirah NewsPaper Thursday  12/10/2006G Issue 12432مقـالاتالخميس 20 رمضان 1427 هـ  12 أكتوبر2006 م   العدد  12432
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

فـن

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

الرأي

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

سماء النجوم

زمان الجزيرة

الأخيــرة

التصدي لأزمة السجون
مضواح بن محمد آل مضواح

هناك حاجه ماسة للتصدي لأزمة السجون، ففي الوقت الذي ترمي فيه هذه العقوبة إلى معاقبة الأفراد لكفهم عن السلوك الإجرامي فإنها قد تحول أيضا دون عودتهم كأفراد نشطين وعاملين في المجتمع.
لقد أوضحت الإحصاءات العالمية أن حوالي 8.75 مليون نسمة محجوزون في مؤسسات جنائية في مختلف أنحاء العالم مابين موقوف على ذمة قضية ومدان محكوم بعقوبة السجن، وبمعنى آخر فإن عدد نزلاء السجون يبلغ زهاء (140) لكل (100000) مواطن في كل بلد، أو ما يعادل شخص واحد لكل (700) شخص في العالم.
ومع اختلاف الأساليب الإحصائية فإن أهم الدراسات العالمية قد خلصت إلى أن الأسلوب الصحيح لتقدير عدد السجناء في كل بلد هو معدل نزلاء السجون لكل (100000) فرد من السكان بسبب كون أعداد السكان متباينة بين بلد وآخر تباينا كبيرا. وإذا ما استخدم هذا الأسلوب فسيتضح أن هناك زيادة كبيرة في عدد نزلاء السجون في جميع دول العالم تقريبا.
ويعود السبب الأساسي في هذه الزيادة إلى الاعتقاد المتزايد بأن الحبس أفضل من الحلول البديلة، وعند البحث عن العوامل التي أدت إلى هذا الاعتقاد فسنجد أنها كثيرة لكن من أهمها: زيادة الخوف من الجريمة، وفقدان الثقة في نظام العدالة الجنائية، وخيبة الأمل في تدابير العلاج الإيجابية، وقوة الفلسفة التي تقف خلف عقوبة السجن ومكافحة الجريمة، فعلى سبيل المثال نجد أن فقدان الثقة في العدالة الجنائية قد يؤدي إلى سن قوانين أكثر شدة، واستخدام أحكام اشد قسوة كعلاج طارئ للمحافظة على أمن وتكامل المجتمع، ويعد البحث في مسألة ارتفاع عدد نزلاء السجون مسألة مهمة لأن هناك مبدأ يقول (كلما زاد عدد المجرمين المحبوسين قل عدد الجرائم التي يمكن أن يقترفوها)، وهذا المبدأ قد يؤدي إلى حرمان المجتمع من إنتاج كثير من العقول والأيدي العاملة وبخاصة من فئة الشباب بسبب احتجازهم خلف القضبان، إضافة إلى أن الاعتبار العلمي لا يدعم هذا المبدأ التصوري، فمن الناحية العلمية نجد أن ارتفاع معدلات نزلاء السجون يؤدي إلى اكتظاظ السجون وهذا الاكتظاظ مخالف لمعايير الأمم المتحدة والمعايير الدولية التي تقضي بمعاملة جميع السجناء باحترام كرامتهم الأصلية وقيمتهم كبشر بما في ذلك منحهم حيزا مكانيا معقولا.
إن ارتفاع معدلات نزلاء السجون لا يؤدي إلى اكتظاظ السجون فحسب، بل يكون مصحوبا أيضا بمجموعة مشاكل كبيرة في السجون، منها: انحصار الحيز المعيشي ففي كثير من البلدان لا يوجد عدد كاف من الأَسِرة والملابس للسجناء، ويكون الغذاء أقل جودة نوعا وكما، وتظهر صعوبة كبيرة في إدارة الرعاية الصحية بفعالة، ومن هنا يزداد التوتر والعنف بين السجناء، وكذلك العنف الموجة نحو العاملين في السجن، وتتزايد مخاطر الإيذاء الذاتي والانتحار. يضاف إلى كل ذلك أن زيادة أعداد النزلاء يؤدي إلى انخفاض معدل الموظفين بالنسبة إلى النزلاء الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض فعالية الإشراف من جانب الموظفين وقلة الوقت المتاح لهم لتنظيم الأنشطة الهادفة إلى إعادة اندماج النزلاء السابقين في المجتمع، كما أن هذا الانخفاض في أعداد الموظفين يؤثر سلبا على برامج المعالجة داخل السجون والمؤسسات الإصلاحية، ويلحق بالموظفين أنفسهم أضرار متنوعة كزيادة التوتر وشيوع الأمراض العضوية والنفسية بينهم. وهذه الأضرار لا تقتصر على السجناء والموظفين فحسب بل تتعداهم إلى الأسر والأصدقاء خارج السجون لأنهم سرعان ما يدركون مستويات التوتر والإجهاد التي يتعرض لها السجناء والموظفين.
لقد باتت أزمة السجون هذه تحظى باهتمام كبير في جميع المجالات ذات العلاقة، وقد أجريت من أجلها دراسات متعمقة من بين أهمها دراسة (روي ولمسلي Roy Walmasly) المستشار لدى الأمم المتحدة، والتي خلص فيها إلى اقتراح ثلاثة حلول كتدابير لخفض أعداد نزلاء السجون المرتفعة، هي:
أولا- تقليل الحبس الاحتياطي (الحبس على ذمة قضية).
ثانيا- عند حبس شخص ما على ذمة قضية ينبغي أن تكون فترة الحبس قصيرة.
ثالثا- توفير مزيد من البدائل للحكم بالسجن.
وبالفعل فإنه عند إمعان النظر في هذه الاقتراحات سنجد أن أي دولة لا تتخذ مثل هذه الخطوات لخفض معدلات نزلاء السجون ووقف زيادتها فإن أعداد السجناء فيها ستزداد سريعا، وستكون هناك أقلية كبيرة خلف القضبان تستنزف موارد بشرية ومالية باهظة في حين لا يتطلب تلافي كل ذلك سوى حبس عدد أقل بكثير.
ولم يعد هناك من شك أن عقوبة السجن قد تأتي بنتائج عكسية، فالمسجون قد يتعلم أنماطا جديدة من السلوك الإجرامي داخل السجن، وقد تتقلص علاقاته الاجتماعية، وقد يصاب بأمراض نفسية وجسمية خطيرة، هذا فضلا عن احتمال انحراف بعض أفراد أسرته بسبب غيابه عنهم، ومن هنا تزداد ظروفه الأسرية والنفسية والاقتصادية سواء، وكلها أمور قد تدفع به إلى مزيد من اقتراف الجرائم بعد الإفراج عنه.
ولتلافي مثل هذه النتائج العكسية ينبغي التركيز على برامج الإصلاح داخل السجون والمؤسسات الإصلاحية تجاه الجناة الذين لا توجد وسيلة لعقابهم سوى عقوبة السجن، وينبغي أيضا توجيه نوع من الرعاية الاجتماعية الخاصة إلى الأسرة التي سجن عائلها، وتقع على المجتمع مسؤلية عظيمة في التعامل الإنساني والأخلاقي مع أسر السجناء، فهم ضحايا بلا ذنب اقترفوه.
وفيما يتعلق بالسبب الأساسي لزيادة إعداد المسجونين على مستوى العالم والمتمثل في تزايد الاعتقاد بأن الحبس أفضل من الحلول البديلة وما يرتبط بهذا السبب من أسباب فرعية نجد أن هناك سبب آخر على جانب كبير من الأهمية غفل عنه كثير من الباحثين والمشرعين (المنظمين) والقضاة والمنفذين، إلا وهو تنامي حالة الانفصال بين البناء الاجتماعي والبناء الثقافي في كل المجتمعات الأمر الذي أدى إلى زيادة الهوة بين الأهداف والوسائل المشروعة لتحقيقها، وهو ما دفع بالشباب، بخاصة، إلى مزيد من الأفعال المخالفة للنظم السائدة في مجتمعاتهم، الأمر الذي أدى إلى كثرة أعداد الأفراد المقترفين للجرائم وبالتالي كثرة أعداد الأفراد المودعين في السجون، موقوفين كانوا أم محكومين، وهنا تتحمل التربية وبرامج التوجيه الثقافي مسؤلية توعية أفراد المجتمع بكيفية تقنين أهدافهم بحيث يختاروا الأهداف التي تتفق مع إمكانياتهم وقدراتهم وظروفهم الاجتماعية.
لقد كان (ولمسلي) محقا في الحلول التي طرحها لخفض أعداد نزلاء السجون، ففي ما يتعلق بتقليل الحبس الاحتياطي نجد أنه في كثير من البلدان يحتجز المشتبه فيهم في السجن بشكل شبه تلقائي بمجرد القبض عليهم، وللحد من هذا المزلق الخطير نجد أن المملكة العربية السعودية قد وضعت قيودا تشريعية على ملابسات استخدام إجراء الحبس على ذمة قضية بحيث ينحصر هذا الإجراء على الحالات الخطيرة بشكل خاص، فقد نصت المادة الثانية عشرة بعد المائة من نظام الإجراءات الجنائية الصادر عام 1422هـ على أن لا تزيد مدة التوقيف على ذمة قضية عن ستة أشهر من تاريخ القبض على المتهم، يتعين بعدها مباشرة إحالته إلى المحكمة المختصة أو الإفراج عنه، وقيَّد هذا النظام إجراء اللجوء إلى التوقيف على ذمة قضية بحيث يقتصر على جرائم يحددها وزير الداخلية بأنها من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف.
وإلى جانب ذلك نجد أن هناك ثلاث بدائل مهمة تستخدم على نطاق واسع في المملكة العربية السعودية لخفض أعداد السجناء المحكومين أيضا، هي:
- تخفيض مدة الحكم بالسجن عمن حفظ القرآن الكريم أو أجزاء منه.
- الإفراج تحت شرط أو ما يسمى (ربع المدة).
- العفو عن الجناة الأقل خطرا الذين يقتربون من نهاية مدة الحكم، وهذا الإجراء يكاد يتحول إلى تقليد في المناسبات الدينية والوطنية.
إن الحصول على بدائل للحبس على ذمة القضية ولعقوبة السجن برمتها في كثير من الحالات أمر ممكن جداً، وستكون هذه البدائل فعالة بشكل أكبر عندما تُستخدم من قبل القضاء، ولهذا ينبغي جعل هذه البدائل مقبولة لدى المشرعين (المنظمين) والقضاة، من خلال تضمين هذه البدائل في المقررات الدراسية أثناء إعدادهم للعمل في هذه المجالات، حتى يفهمون ما يمكن تحقيقه من خلال عقوبة السجن، وما هي حدود ذلك، وما هي المخاطر التي تنطوي عليها هذه العقوبة، ومقدار التكاليف المالية المترتبة على ارتفاع معدلات اللجوء إلى عقوبة السجن، هذا فضلا عما يمكن تقديمه من حجج ترتكز على الجانب الإنساني وإعادة الاندماج الاجتماعي.
ومن المؤكد أن للقضاء الدور الأكبر في التصدي لأزمة السجون، لذلك يجب أن يكون القضاة مدركين تماما لما يمكن للسجن أن يحققه وما لا يمكنه تحقيقه، وللضرر الذي يمكن أن يتسبب فيه. وأن يلموا بأوضاع السجون وأن يكونوا على علم تام بآراء خبراء السجون، وبخاصة الذين يعملون منهم في السجون ومع السجناء، كما ينبغي أن يتلقوا معلومات عن اثر الأحكام التي يصدرونها على مستويات عدد نزلاء السجون، وأن يتلقوا معلومات دقيقة عن احتراف من يحكمون عليهم للإجرام في المستقبل، وعلاوة على ذلك ينبغي أن يتجنبوا التفاوت في الأحكام على الرغم من أنهم قد ينظرون إلى التفاوت على أنه مجرد نتيجة لاختلاف القضايا واختلاف أحول الجناة في القضايا المتطابقة، فمن المعروف عن بعض القضاة أنهم يقاومون أي شيء يرون أنه يقيد سلطتهم التقديرية غير أنهم مع الزمن سيتقبلون ذلك وسيشعرون أنه كلما زاد اتساع الصورة التي يتلقونها بشأن الممارسات في الولايات القضائية قلت الخطورة التي يمكن أن تترتب على تقييد سلطتهم التقديرية، وكلما زادت قدرتهم على تقبل الملاحظات على الأحكام التي يصدرونها كلما زاد تقبلهم وفهمهم لمعطيات العلم في مجال تفسير السلوك الإجرامي والعقوبة والبدائل الممكنة لها، وفي كل الأحوال فإن العامل الحاسم في تقبلهم للملاحظات من عدمه هو التعليم والإعداد والتدريب الذي يتلقونه قبل وأثناء العمل في السلطة القضائية.
ويحتاج موظفو العدالة الجنائية كالشرطة وهيئة التحقيق والادعاء العام في كل بلدان العالم إلى مزيد من الوعي والاقتناع بوجود أزمة في السجون تفرض إعادة النظر في جميع الممارسات الإجرائية التي من شأنها أن تؤدي إلى اكتظاظ السجون بالموقوفين على ذمة القضايا.
ويأتي على القدر نفسه من الأهمية وعي وواقعية وسائل الإعلام والجمهور، فوسائل الإعلام هي مصدر جزء كبير من المعلومات الحقيقية والزائفة وهي تمارس ضغوطا على مقرري السياسات لاتخاذ قرارات لا تستند إلى المبادئ العلمية بقدر ما تستند إلى ما يتفق مع أهواء مراكز الضغط في الدولة، وهذا يقلل من أهمية الحوارات والمناقشات الوطنية للقضايا الأكثر أهمية في مجال السياسة الجنائية، ومن ثم فإن الصورة التي تقدمها بعض وسائل الإعلام تتدنى بالمناقشة إلى مستوى البيانات الدعائية التي يقبلها الجمهور تحت وطأة خوفه من الجريمة وعدائه للجناة بشكل عام فيطالب بتشديد العقوبات، في حين أن الجمهور لا يدرك بشكل تام المشاكل التي تواجه السجون، ولا يدرك مخاطر الاستخدام غير المراقب للحبس أو تكاليفه الإنسانية والمالية.
ولتلافي مثل هذا المأزق يمكن استدراج ممثلي وسائل الإعلام المهتمين بهذه القضايا للدخول في مناقشة عن كيف يمكن إبلاغ الجمهور عن العدالة الجنائية، ويهدف هذا الاستدراج إلى زيادة المسؤلية الإعلامية لهذه الوسائل، وكفالة التوازن في تغطية الجرائم والحوادث المثيرة والنادرة.
إنه ما لم تتم توعية المشرعين (المنظمين) والقضاة والمنفذين ووسائل الإعلام والجمهور بأهمية اتخاذ الإجراءات الضرورية الهادفة إلى التصدي لأزمة السجون وخفض معدلات السجناء فستكون هناك أقلية كبيرة خلف القضبان، بتكاليف باهظة من حيث الموارد البشرية والمالية والأخلاقية والإنسانية، وستزداد معدلات الجريمة.



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved