Al Jazirah NewsPaper Sunday  05/11/2006G Issue 12456مقـالاتالأحد 14 شوال 1427 هـ  05 نوفمبر2006 م   العدد  12456
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

فـن

الثقافية

دوليات

متابعة

ملحق جازان

ملحق المجمعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

الطبية

وطن ومواطن

وَرّاق الجزيرة

الأخيــرة

جَاء (العِيد)..فلم (يَجدهُم)..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي

* في مناسبة سعيدة.. كيوم العيد، حيث يتفقد الناس بعضهم بعضاً، ويبلغ التواصل بين الأهل والقرابة والأصدقاء ذروة سنامه.. هل جرب أحدكم العودة إلى مذكراته، ومحفوظاته، وأدلة هواتفه، وتلك الاضبارات التي تُجمع فيها عادة، الصور والعناوين والبطاقات، والتي في مجملها، كانت تحفظ أسماء وعناوين وهواتف وصور الأقارب، والزملاء والأصدقاء، طيلة سنوات خلت..؟
* أنا خضت هذه التجربة ليلة العيد. جلست إلى مكتبي، وأخذت أستعرض مجموعة من دفاتر الجيب التي تضم مئات من الأسماء والهواتف، وكذلك اضبارات كانت أمامي، فيها صور وبطاقات كثيرة، لعدد كبير ممن تربطني بهم صلة قرابة، أو زمالة عمل ودراسة، أو معرفة وصداقة.
* حاولت قدر استطاعتي، تجديد العهد بأولئك الذين انقطعت بيني وبينهم السبل منذ سنوات، فلم أعد أعرف أين هم..؟ وهل هواتفهم كما هي..؟ وأماكنهم كما هي..؟ فاكتشفت أن كثيراً منهم، لم يعد على ما عهدته من قبل، فهاتفه على الدوام، ساكت صامت، ومصيره بالنسبة لي، مجهول.. مجهول.
* إلا أن ما استوقفني أو استنزفني في هذه المراجعة التي دامت حتى الفجر، أن هذا العيد الذي جاء، لن يجد بعضاً ممن عرفنا فأحببنا وصادقنا، فهذا عدد غير قليل، من أهلنا، وأصدقائنا، وزملائنا، ومعارفنا، فارق الحياة، وغادر الدنيا، وبارحنا قبل مجيء العيد. رحم الله أمواتنا وأموات المسلمين كافة.
* كلما قلبت صفحة في دليل، رأيت رقم هاتف، كان وسيلة اتصال مع من كنا نحبه.. ذهب من نحب، وظل هاتفه شاهداً على الورق..! ألا ما أكثر من كانوا بيننا، فلم يعد لهم وجود. وما أكثر الذاهبين منا، وأقل الآتين. إنها الأحزان تبعث حية جذعة، مع كل بادرة للتذكر.. ألم يقل الشاعر: (ولا يبعث الأحزان مثل التذكر)..؟
* أقلب الصفحات تلو الصفحات، فأرسل زفرات تتلوها زفرات، وأبكي فراق أهل وأحبة وصحبة كانوا فبانوا:
ليس ذا الدمع.. دمع عيني ولكن
هي نفسي.. تذيبها أنفاسي
* مع كل صفحة أقلبها في دليل هاتف، كنت أذرف دمعة حرّى، على فقد أخ وقريب وحبيب وصديق وزميل.. فهذا هاتف المرحوم الذي كان ذات يوم من أهلي وقرابتي، أين هو ليلة العيد..؟! وهذه صورة المرحوم الذي عرفته ذات يوم على مقاعد الدراسة، فعشنا أجمل سني عمرنا، نتعلم معاً، ونلهو ونلعب ونمرح، فما كان يدور بخلد واحد منا ساعة فراق كهذه..!
* وهذه صورة تجمعني بعدد من أصدقائي وزملائي في العمل. وهذا زميلنا المحبوب، يتوسط الصورة، رحمه الله، فقد كان وفياً مع زملائه وأصدقائه، يتفقدنا باستمرار وكأنه مسؤول عنا، ويهاتفنا كلما أبطأنا عليه في السؤال، كأنه كان ينتظر ساعة وداعنا، ومرارة فراقنا.. أين هو اليوم..؟ بل أين هذا الزميل وهذا الصديق..، ومنهم المتحدث الفيلسوف، والشاعر والقاص، والمعلم والمتكلم، ومنهم الإنسان الفنان، والرسام والمغني، والواعظ الخطيب.. ومنهم.. ومنهم.. أين هذا الجمع الكبير الذي كان، في هذه الساعة يا ترى..؟ وقد أصبح التواصل معهم مستحيلاً، فهواتفهم تغيرت أو سكتت، أو هم الذين سكتوا عن الكلام، فما عدنا نسمع لأحدهم صوتاً، ولا حتى في ليلة عيد كهذه..؟!
* عشت مفاجأة حقيقية ليلة العيد، لم أكن أتوقعها، حتى وأنا أقلب أول صفحة في دليل هاتف قديم.. فها هي معظم صفحات أكثر من دليل هاتف وعناوين لدي، تعلن عن غياب أكثر من اسم عزيز على نفسي، من أولئك الذين جمعتني بهم أيام صبا، أو رفقة سفر، أو جوار، أو زمالة عمل، أو صداقة حرف وكلمة عن قرب أو بعد.. يا لهذه الأيام التي تدور وتدور، وهي في واقع الأمر، تنحت في أعمارنا، فتدمي جراحنا، وتفرق اجتماعنا، وتبعد أحبابنا، وتقرب أحزاننا..! فلولا نعمة النسيان، التي أنعم الله بها على بني الإنسان، لبلينا حرقة وتألماً، بسير الماضي، وبصوره وأحداثه وذكرياته. ولكن:
تتألف فقدان الذي قد فقدته
كإلفك وجدان الذي أنت واجد
* هي رحلة حزينة، في ليلة عيد سعيدة، أخذتني إلى عوالم بعيدة، فرأيت فيها وجوهاً عديدة، تعودت رؤيتها، وأصواتا حميمة، ألفت سماعها، فما عاد لتلك الوجوه مكان، وما عاد لتلك الأصوات زمان.
* من بين عشرات وعشرات الأحبة، من الأهل والأقارب والأصدقاء والصحبة، الذين أحتفظ بصورهم، أو أرقام هواتفهم وعناوينهم، وأحفظ لهم قبل كل ذلك، مشاعر الحب الذي لا يقدر بثمن، والذين قد جاء العيد مرة أخرى، فما وجدهم بيننا كالمعتاد.. على رأس هؤلاء جميعهم: (والدي الحبيب) - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - فقد اختطفه هادم اللذات ذات يوم في غفلة، قبيل شهر رمضان منذ سنوات خلت، فقلت بعد وفاته في حرقة:
.. أغمض عيني فأراه..
.. إنه أبي..
.. أبي.. في بيتنا الحجري..
.. في شجرة التين والتفاح والعنب..
.. في سنابل القمح والشعير والذرة
.. أبي.. في رائحة أرضنا
.. في تراب الحقل.. وساحات القرية
.. في مئذنة المسجد.. ومحراب المصلى
.. في بئرنا العذب.. والماجل
.. أبي.. هنا في كل مكان
.. في الخلجان..
.. في أشجار السدر والأثب
.. في خضرة الشار والريحان
.. أبي..
.. يجلس القرفصاء في المِشراق
.. وعند الغروب..
.. يمسح رأس الشمس في تحنان
.. أبي.. في دلَّة البن
.. وفي العسل والسمن والملّة
.. في الترحيب بالضيف والجيران
.. في الظل والطَّلّ والنسمة
.. أبي.. أنشودة الرعيان
.. أسطورة الوديان
.. أغنية الطفل والطفلة
.. أبي..
.. في الجدول الرقراق.. والفلجان
.. في زهرة الرُّمّان
.. أبي.. في البرق والرعد
.. في رشّ المطر
.. في الليل والبرد
.. في نور القمر
.. في الساقية والفجر
.. في الصدر والشريان
.. في عيني أبي..
.. أبي.. أبي.. أبي..

assahm@maktoob.com



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved