| |
آية من القرآن: تفتح قلب يهوديّ (1 - 2) د. محمد بن سعد الشويعر
|
|
إن نور الله إذا أراد سبحانه بحاسّة القلب أن تنفتح له تغيّر صاحبه من الانغلاق إلى التبصر، ومن الظلمة إلى النّور ليترسّخ هذا الإحساس وليدفع صاحبه إلى البحث عن الحقيقة التي يجدها في عمق ما قرأ من آية في كتاب الله، تربطه بمفهوم دقيق في نفسه أو فيما حوله أو في موازنة بما لديه من معتقد ليقارن ويتبصّر ومن ثم يبرز عنده الحقّ ويتضاءل الباطل بعلامات كل منهما. ويبرز هذا لدى أهل الكتاب - وهم اليهود والنصارى - أتباع موسى وعيسى عليهما السلام ليسترشد من أراد الله له الهداية والخير، ويعاند من تقوم عليه الحجة لأنهم يعرفون في كتبهم المنزّلة على أنبيائهم أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حق وأن القرآن المنزل عليه حقّ من عند الله مثبت لما عندهم وناسخ لما في أيديهم من أحكام. وحديث اليوم عن واحد من كبار أحبار اليهود والمرجع لهم في كل ما نزل من تشريعات في التوراة، علاوة على اطلاعه على أخبار الأمم السابقة وما جاء به الأنبياء من قَبل، إذ كان خبيراً بكتب اليهود، إنه: كعب الأحبار. قد أسلم في خلافة عمر بن الخطاب وأسلم على يديه كثير من اليهود، كما ذكر الذّهبي في كتابه سير أعلام النبلاء، وأورد رواية عن أبي الرباب قال: كنت أحد خمسة تولوا قبض السوس، فأتاني رجل بكتاب، فقال: بيعونيه فإنه كتاب الله أُحسن قراءته ولا تحسنون، فنزعنا دفتيه فأخذه بدرهمين، فلما خرجنا بعد ذلك إلى الشام اصطحبنا شيخ على حمار بين يديه كتاب يقرأ فيه ويبكي، فقلت: ما أشبه هذا المصحف بمصحف شأنه كذا وكذا. فقال: إنه هو، فقلت: أين تريد؟ قال: أرسل إليّ كعب الأحبار عام أول، فأتيته ثم أرسل إليّ فهذا وجهي إليه، قلت: فأنا معك فانطلقنا حتى قدمنا الشام، فقعدنا عند كعب فجاءه عشرون من اليهود فيهم شيخ كبير يرفع حاجبيه بحريرة، فقالوا: أوسعوا وسعوا، فأوسعوا وركبنا أعناقنا - يعني من الحرص والازدحام - فتكلموا فقال كعب: يا نعيم - وهو الذي اشترى الكتاب - أتجيب هؤلاء أو أجيبهم؟ قال: دعوني حتى أفقه هؤلاء ما قالوا، إن هؤلاء أثنوا على أهل ملّتنا خيراً، ثم قلبوا ألسنتهم فزعموا أننا بعنا الآخرة بالدنيا، هلمّ فلنواثقكم فإن جئتم بأهدى مما نحن عليه اتّبعناكم وإلا فاتبعونا إن جئنا بأهدى منه، قال: فتواثقوا، فقال كعب: أرسل إليّ الكتاب فجيء به، فقال: ألا ترضون أن يكون هذا بيننا؟ قالوا: نعم لا يحسن أحد أن يكتب مثله اليوم، فدُفع إلى شاب منهم، فقرأ كأسرع قارئ، فلما بلغ إلى مكان فيه، نظر إلى أصحابه كمن يؤذنهم بشيء ثم جمع يديه فقال: بَهْ.. فنبذه. فقال كعب: آه، وأخذه، فوضعه في حجره فقرأ فأتى إلى آية منه، فخرّوا سُجّداً، وبقي الشيخ يبكي، قيل: وما يبكيك؟ قال: وما لي لا أبكي رجل عمل في الصلاة كذا وكذا سنة، ولم أعرف الإسلام حتى كان اليوم والمسلمون في فتحهم للوسّوس، وجدوا النبي (دانيال) فيها في لَحْدٍ من صُفْرٍ، وكان أهل السوس إذا أمحلوا أخرجوه فاستسقوا به وأصابوا معه ربطتين من كتان، وستين جرة مختومة، ففتحوا واحدة فإذا فيها عشرة آلاف، وهذا الكتاب، فاشتراه منه أجير نصراني معهم اسمه: نُعيم بدرهمين، فأسلم فأخبروا عمر بن الخطاب عن النبي دانيال كما قال ابن كثير، فأمرهم: أن يغسّلوه بالسّدر وماء الريحان ويصلوا عليه.. ويعمّوا قبره عن الناس، قال الذهبي: إن مطرف بن مالك قال: فبدا لي أن آتي بيت المقدس، فبينما أنا في الطريق، إذا أنا براكب شبهته بذلك الأجير النصراني، فقلت: نُعيم؟ قال: نعم، قلت: ما فعلت بنصرانيتك؟ قال: هداني الله إلى الإسلام، ثم أتيت دمشق فلقيت كعباً. ثم انطلقنا ثلاثتنا فأتينا بيت المقدس فسمعتْ يهودُ بِنُعيمٍ وكعب فاجتمعوا، فقال كعب: هذا كتاب قديم، وإنه بلُغتكم فاقرأوه، فقرأه قارئهم، حتى أتى على هذا المكان {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85)سورة آل عمران. فأسلم منهم بعدما سمعوا هذه الآية اثنان وأربعون حبراً، والحبر هو العالم الكبير في علمه ومكانته عند اليهود، ففرض لهم أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه، في بيت المال وأعطاهم ترغيباً لهم، وتثبيتاً لإيمانهم وإسلامهم. ولمكانة كعب - رحمه الله - ومعرفته بحقيقة هذا الكتاب، وأن المصحف هذا ما هو إلا نسخة من التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه الصلاة والسلام، ولم تغيّر أو تبدّل، فقد كان عند كعب من العلم ما يجعله يخفي أثرها حتى لا تصرف من يطّلع عليها عن القرآن المجيد، خوفاً من دلالة هذه الآية، وأمثالها مما في القرآن في الحوار مع أهل الكتاب: { وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}(101) سورة البقرة. أو تأنيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وغضبه لمّا رأى في يده صحيفة من التوراة، وقال: (أفي شكّ مما جئت به يا ابن الخطاب، والله لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي) فرماها عمر رضي الله عنه. ولهذا فإن الذهبي قال: عن همام، وحدثني بسطام بن مسلم، حدثنا معاوية بن مرّة، أنهم تذاكروا ذلك الكتاب، فمرّ بهم ابن حَوْشَب فقال: على الخبير سقطتم، إنّ كعباً لما احتضر قال: ألا رجل أأتمنه على أمانة؟ فقال رجل: أنا، فدفع إليه ذلك الكتاب، وقال: اركب البحيرة، فإذا بلغت مكان كذا وكذا، فاقذفه، فخرج من عند كعب، فقال: كتاب فيه علم، ويموت كعب لا أُفرطُ فيه، فأتى كعباً وقال: فعلت ما أمرتني به، فقال كعب: فما رأيت؟ قال: لم أر شيئاً، فَعلِم كذبُه، فلم يزل يناشده، ويطلب إليه حتى أتى به إليه، فقال: ألا من يؤدّي الأمانة؟ قال رجل: أنا، فركب سفينة فلما أتى ذلك المكان، ذهب ليقذفه، فانفرج له البحر، حتى رأى الأرض، فقذفه وأتاه فأخبره، فقال كعب: إنها كما أنزلها الله على موسى، ما غُيّرت ولا بُدّلت (يعني هذه النسخة من التوراة) ولكن خشيت أن يتكل الناس، على ما فيها، وقد أغنانا الله عنها بكتابه العزيز، الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن قولوا: لا إله إلا الله، ولقّنوها موتاكم. وهذا القول من كعب - كما عقّب الذهبي رحمه الله -: دالّ على أن تلك النسخة، ما غُيّرت ولا بُدّلت، وأن ما عداها بخلاف ذلك، فمن الذي يستحلّ أن يورد اليوم من التوراة شيئاً على وجه الاحتجاج، مُعتقداً أنها التوراة المنزّلة؟ كلاّ والله. (سير إعلام النبلاء 492 - 494) للحديث صلة فتح عكّا وبقية الساحل ذكر ابن كثير في تاريخه عن الحروب مع الصليبيين قائلاً: في عام 690هـ جاء البريد إلى دمشق في مستهلّ ربيع الأول لتجهيز آلات الحصار لعكّاء ونودتي في دمشق: الغزاة في سبي الله إلى عكّاء، وقد كان أهلها في هذا الحين، عدْوّاً على من عندهم، من تجار المسلمين فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأبرزت، المجانيق إلى ناحية الجسورة وخرجت العامة والمتطوعة يجرون في العجل حتى الفقهاء والمدرسون والصلحاء، وتولىّ ساقتها علم الدين الدويداري. وخرجت العساكر بين يدي نائب الشام، وخرج هو في آخرهم ولحقه صاحب حماة الملك المظفّر وخرج الناس من كل صوب واتّصل بهم عسكر طرابلس وركب الأشرف من الديار المصريّة بعساكره قاصداً عكا. فتوافقت الجيوش هنالك فنازلها يوم الخميس رابع ربيع الآخر ونصبت عليها المجانيق من كل ناحية يمكن نصبها عليها، واجتهدوا غاية الاجتهاد في محاربتها، والتضييق على أهلها، واجتمع الناس بالجوامع لقراءة صحيح البخاري، فقرأه الشيخ شرف الدين وحضر القضاة والفضلاء والأعيان وفي أثناء حصار عكا وقع تخبيط من نائب الشام وتوهّم أن السلطان يريد مسكه، فركب هارباً فردّه علم الدين بالمسابّة، وجاء به إلى السلطان، فأرسله إلى صفد وصمم السلطان المظفر على حصار عكا، فرتّب الأمور والأسلحة ثم زحف يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى، ودقّت المدافع بذخائرها وعتادها، وهي (300) حمل جملة واحدة، عند طلوع الشمس. وطلع المسلمون على الأسوار مع طلوع الشمس ونصبت المناجق الإسلامية فوق الأسوار في البلد، فولّت الفرنج عند ذلك الأدبار، وركبوا هاربين في مراكب التجار، وقتل منهم عدد لا يعلمه إلا الله تعالى، وغنموا من الأمتعة والرقيق والبضائع شيئاً كثيرا جدا، وأمر السلطان بهدمها وتخريبها، بحيث لا ينتفع بها بعد ذلك. فيسّر الله فتحها نهار جمعة، كما أخذتها الفرنجة من المسلمين في يوم الجمعة، وسلّمت صور وصيدا قيادتهما إلى الأشرف، فاستوثق الساحل للمسلمين، وتنظف من الكافرين {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (45) سورة الأنعام، وجاءت البطاقة إلى دمشق بذلك، ففرح المسلمون ودقّت البشائر في سائر الحصون. وأرسل السلطان إلى صور أميراً، فهدم أسوارها وقد كان لها في أيدي الفرنج من سنة (518). وأما عكا فقد أخذها الملك الناصر أيوب، من أيدي الفرنج ثم جاء الفرنج فأحاطوا بها، بجيوش كثيرة، ثم جاء صلاح الدين يمانعهم عنها مدّة (37) شهراً، ثم آخر ذلك استملكوها، وقتلوا من كان فيها من المسلمين، والحمد لله على إعادتها. (البداية والنهاية ج 13 ص 320- 321).
|
|
|
| |
|