Al Jazirah NewsPaper Monday  11/12/2006G Issue 12492مقـالاتالأثنين 20 ذو القعدة 1427 هـ  11 ديسمبر2006 م   العدد  12492
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

فـن

استراحة

دوليات

متابعة

قمة جابر

منوعـات

تغطية خاصة

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

الطبية

مدارات شعبية

وطن ومواطن

زمان الجزيرة

الأخيــرة

(2)خواطر تنموية ساخنة
دبي.. حين تفضح غفلة شقيقاتها!
د. عبدالله البريدي

(1)
مررت بشكل خاطف في المقال السابق على بعض الملامح التي جعلت من المدينة العربية: (الرؤية) تبدو لي غافلة أو بلهاء؛ لا تعرف إلى أين تسير؟ وإلى أين تتجه؟ ولا تدرك ما ميزتها التنافسية؟ ولا تفطن لمن يقتطع من كعكتها أو يعكر عجينتها؟... المدينة العربية: مدينة تقتات على الماضي وهباته وأعطياته وتدخر شيئاً من الجهد والمال لتتعارك مع اللحظة الراهنة؛ ليغرقها ذلك في طوفان من الهموم ينسيها أن ثمة مستقبلاً يجب الاستعداد له، بل يجب صناعته وتشكيله، لكم باتت مدينة اليوم مشغولة بيومها عن غدها، مشدودة إلى ماضيها عن مستقبلها، مأسورة بأطرافها عن رأسها!!
(2)
لم أقف على أي أرضية صلبة توحي لي بأن ثمة رؤية مستقبلية تعدها المدينة العربية لنفسها، دع عنك الأبحاث والكتابات الأكاديمية والاستشارات التي لا تنفك حبيسة في مجلاتها وصفحاتها وملفاتها وإداراتها البيروقراطية، ودع عنك الدعايات الإعلامية والبطولات التنموية الخطابية، لم أجد أحداً من المثقفين ولا من العامة يبشِّر بتلك الرؤية أو يقتنع بها أو يعرف لها ملامح أو خططاً أو برامج... فماذا فعلت المدن العربية الغنية وهي مشبعة بالثروات النفطية؟ أي نوع من المزايا التنافسية خلقتها لنفسها ولمجدها ولأجيالها، ترى هل أصابتها (لعنة الثروة) ففقدت على أثرها (فطنة الحراك) ومنيت ب(غفلة المال)؛ دعونا نجلب قائمة بالمدن العربية الغنية؛ ولنضع أمام كل واحدة منها المزايا التنافسية التي نعتقد بوجودها الحقيقي في الواقع، بمؤشراته ومحكاته دون مبالغة أو تهميش، ترانا هل نطيق ذلك، هل نجد فعلاً شيئاً ذا بال، شيئاً حقيقياً يميّز هذه المدينة عن تلك، هل نجد: (مدينة المعرفة) و(مدينة التقنية) و(مدينة الاتصالات) و(مدينة المال والأعمال) و(مدينة الصناعة) و(مدينة الزراعة) و(مدينة الصحة) و(مدينة الترفيه) و(مدينة التراث والتاريخ)...! أحسب أنك قد تزعمين - أيتها المدينة الغنية - أن كل ذلك فيك.. فلديك جامعات، وبنوك، وشركات تقنية ومعلومات، ومصانع، ومزارع، ومستشفيات، وملاعب وحدائق، ومتاحف وأماكن ثرية.. نعم لديك ذلك كله، فنحن نراه ونشاهده، ولكن هل ُتعرفين بشيء من ذلك؟.. هل نجد (هويتك) قد اصطبغت بميزة تنافسية في مجال أو آخر، أم أنك تستهلكين الأفكار وتصرفين الأموال لتحركي متاريس (الحياة اليومية) وتديري (دفة الروتين) وتعدي ذلك فتحاًً كبيراً! ترى ماذا ينقصك أيتها المدينة العربية الغنية؟ وماذا يدور في خلدك؟، تحدثي أيتها المدينة الغنية وهات ما عندك، وأفصحي عن رؤيتك النهضوية، واكشفي لنا (المستور التنموي) إن كان ثمة مستور؛ فكلنا آذان صاغية! أما المدن الأقل ثراءً، فيمكننا أن نتحدث عن المدن السياحية على سبيل (التوجع التنموي) بالمثال لا الحصر، فأنا لم أجد كسائح عربي مواقع إنترنت جيدة للتعريف بأكثر المدن العربية السياحية، لا بالعربية ولا بالإنجليزية؛ لم أجد مواقع تتحدث عنكِ وتسوّق لكِ!.. لا خرائط.. لا فنادق.. لا معلومات، أما تعد بعض المدن العربية نفسها مدناً سياحيةً وهي تمتلك التاريخ والتراث والمياه والخضرة والمناخ؟! أم أن تلك المدن مشبعة بالسياح ومتخمة بالزوار مما يجعلها تزهد بمداخيل إضافية تجلب لها مزيداً من الأموال تعينها على بناء مستقبلها وتوليد مزايا تنافسية لا سيما أن أكثر تلك المدن تملك ثروة بشرية هائلة وكفاءات وطنية تحسد عليها! ما هذا أيتها المدينة العربية؟ هل أنتِ مقتنعة بجهدك وراضية عن تميّزك في تغذية البنية السياحية المتهالكة بالجديد والراقي والجودة الفائقة والخدمة السريعة!!.. ثم من يأتي إليك هل يعود إليك مرة أخرى؟.. أما أنها كالحج مرة في العمر.. أي رؤى سياحية تحملها المدينة العربية لمستقبلها؟ كم عدد السياح الذين تحلم أن تحتضنهم صيفاً وشتاءً؟ هل ثمة مشاريع إستراتيجية تعد لرفع منسوب الطاقة التسويقية والاستيعابية لها؟ هل يعرف السياح شيئاً من ذلك؟
(3)
كيف يمكن لمدينة ك(دبي) أن تجتذب أعداداً هائلة من السياح، والمثير في موضوع دبي أنها تحمل رؤية مدهشة، وأنا هنا لست بصدد تقييم تلك الرؤية فلا أتعرض - في هذا الموضوع - لمدى صوابيتها ولا لدرجة عقلانيتها ولا لمستوى نضجها، ويكفيني الإشارة في هذا السياق إلى أنني أعتقد وبشكل جازم أنها تحتاج إلى وقفات نقدية علمية صارمة، ولكن ليس موضوعنا الآن تقييم تلك الرؤية بقدر الإشادة بسعتها وشمولها وطموحها وجرأتها وجسارتها وابتكاريتها.. إذ (لم يخطر في بال أهل دبي أن مدينتهم بمناخها الحار والمنفّر وبيئتها الصحراوية القاحلة والطاردة وبمواردها المتواضعة كل التواضع ستصبح في يوم من الأيام المدينة الأكثر بروزاً في الوطن العربي، والتي تسابق الزمن للوصول إلى العالمية، وتسجل حكاية نجاح فريدة، ويضرب بها المثل في الأمن والاستقرار والانفتاح الاجتماعي وسرعة الإنجاز وسهولة الاتصال والنمو السريع). (عبدالخالق عبدالله، دبي: رحلة مدينة عربية من المحلية إلى العالمية، مجلة المستقبل العربي، عدد 323، يناير 2006، ص 59).. كانت دبي قبل أربعين عاماً قرية بائسة يقطنها أقل من 50 ألف نسمة ولا تختلف حياة ساكنيها عن مئات الملايين من البؤساء حول العالم مما يعيشون في مدن الصفيح، لا سيما بعد انهيار صناعة الغوص واللؤلؤ في المنطقة بدءاً من الثلاثينيات الميلادية من جراء الكساد العالمي وصناعة اللؤلؤ الاصطناعي الذي تفوق على الطبيعي برخص ثمنه، مما جعل كثيراً من سفن الغوص تتجه صوب التجارة فتيمم وجهها شطر موانئ التجارة في الدول القريبة والبعيدة (محمد بن راشد آل مكتوم، رؤيتي)، لقد كانت دبي في الخمسينيات الميلادية محطة متواضعة للجمال والبدو الرحل، ولم تكن وجهة رجال الأعمال كما هي اليوم، كما كانت السفن التي تغشاها متواضعة تواضع ميناها آنذاك، وقد كانت معظم منازلها طينية، والطرقات في مجملها ترابية وضيقة وتنتهي بك إلى صحراء قاحلة من جميع الجهات، ليس ثمة مقارنة بين دبي 1955 الفقيرة كل الفقر ودبي 2005 الثرية كل الثراء والمتقدمة كل التقدم (عبدالخالق عبدالله، المرجع السابق).
(4)
لقد استطاعت دبي في أقل من ربع قرن أن تصل إلى لحظتها التاريخية، إنها (لحظة دبي)، أن تصعد إلى أقصى ما يمكن، بعد أن تجاوز التاريخ (لحظة القاهرة) و(لحظة لبنان)، فأضحت المدينة العربية الأكثر نمواً وحضوراً و(عولمة)، وجعلت تبني أكبر الموانئ والمطارات وأطول الأبراج وأرقى مراكز التسوق وأضخم الواجهات البحرية وأكبر عدد ممكن من الجزر الصناعية وأول فندق مائي، لدرجة أنه يجتمع فيها حوالي 20% من الرافعات الثابتة والمتحركة و80% من آلات الحفر البحرية في العالم. (عبدالخالق عبدالله، المرجع السابق).
لقد استطاعت دبي اجتياز بؤس الماضي وعقبات الحاضر وانضمت إلى المدن الأكثر نمواً في العالم كدبلن الإيرلندية وبرشلونة الإسبانية وهلسنكي الفنلندية وسيدني الإسترالية وشنغهاي الصينية، تلك المدن التي تتميز بتنوعها السكاني والثقافي والاجتماعي واحتضانها للإبداع والمبدعين بالإضافة إلى قدرتها المدهشة على توليد الثروة من مصادر متجددة وإدارتها من قبل حكومة رشيدة وقيادة جرئية وواثقة من نفسها وجادة في محاربة الفساد، إضافة إلى خلق صورة انطباعية جيدة عن المدينة لدى ساكينها وروادها (عبدالخالق عبدالله، المرجع السابق).
(5)
وفي نظري أن نجاح دبي في تحقيق ما حققته من إنجازات تنموية يعود لامتلاكها (إرادة إصلاحية فولاذية)، وليست مجرد (صحوة إصلاحية) طارئة، إرادة فولاذية مصحوبة برؤية شاملة طموحة جريئة مبتكرة، مما أهلها لاكتساب القدرة على الانفكاك من (اقتصاد النفط) والانعتاق صوب مرحلة (ما بعد النفط)، وقد كان النفط يشكّل 43% من الناتج المحلي لدبي في عام 1992 ثم انخفض إلى 7% وهو في طريقه إلى الجفاف في غضون خمس سنوات قادمة، ويؤكد الدكتور عبدالخالق عبدالله على أنه لا مدينة يمكنها أن تصل إلى مرحلة ما بعد النفط دون استشارة دبي والإفادة من نموذجها الفريد (المرجع السابق)، وأحسب أنه قد حالفه الصواب التنموي في هذا التحليل.
لقد تمكنت دبي أن تنتزع لنفسها مكان الريادة عربياً وإقليمياً في مجال المال والأعمال وهي تسعى إلى أن تتربع على عرش التسوّق والسياحة والمعارض والطيران والمناطق الحرة، وتتطلع دبي إلى أن تكون الأبرز عربياً في مجال تقنية المعلومات والتجارة الإلكترونية والإعلام المكتوب والمسموع والمرئي والذي كان في قبضة كل من بيروت والقاهرة إلى وقت قريب. ويشير الدكتور عبدالخالق عبدالله إلى أن دبي أضحت الآن (المدينة القدوة) تنموياً للمدن العربية بعد أن كانت القاهرة وبيروت في زمن مضى، إنها تؤدي الدور الذي تؤديه ولاية كاليفورنيا الأمريكية إلى بقية الولايات وهي شبيهة بسنغافورة (الدولة القدوة) في قارة آسيا!!
(يتبع)

Beraidi2@yahoo.com



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved