Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/12/2006G Issue 12495سماء النجومالخميس 23 ذو القعدة 1427 هـ  14 ديسمبر2006 م   العدد  12495
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

المجتمـع

فـن

الثقافية

دوليات

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

سماء النجوم

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

أمي.. وأمتي
عبد الله بن علي السعد

تأمل كثيراً في شاشة جواله الصغيرة.. العبارة المكتوبة كانت ترحل به بعيداً.. بعيداً.. رحل معها في كل الأودية.. عبرت في بساطة عن كل شيء يدور في ذهنه.. الصراع بين الرغبات والواجبات.. ما يحب وما يجب أن يعمل.. ثم بهدوء وضع الجوال على المكتب المظلم.. وألقى برأسه إلى الخلف.. نظر إلى لا شيء وأخذ يفكر.
أمي.. وأمتي كأن الكلمات كانت سهاماً تنفذ إلى قلبه فتهزه بعنف.. تحدث صراعاً قوياً بين قلبه وعقله فصوت يقول: إنك يا هذا لست سوى بشر.. لست سوى كتلة مليئة بالرغبات والأمنيات.
وصوت يقول، بل أنت روح محلقة مهما اقتربت من الأرض ومبدأ رأس يحاكي الجبال في شموخاً، وشمس منيرة تضاهي روعتها مناظر الشروق والغروب.
تململ في كرسيه ثم غادر مكانه ووقف خلف النافذة ينظر إلى الشارع.. المنظر من الدور الرابع يبدو أجمل في الليل.. أنوار الطريق الصفراء تعطي شعوراً بالدفء.. والمارة يتحركون لأهداف متعددة.. استوقفته هذه الفكرة فكر في نفسه وبدأ يقارن بينها وبين المارة في الشارع.
عند الناصية جلس البعض يضحكون.. بين فترة وفترة تعلو كلمة من أحدهم.. استطاع من خلال الكلمات المتناثرة أن يجمع صورة الموضوع الرئيسية..
كانوا صغاراً في السن في عمر المراهقة.. وهذا يعني أن بينه وبينهم قرابة عقدين من الزمان.. هل كان يفكر مثلهم في ذلك الوقت؟
رفع رأسه وبدأ ينظر للمدينة الجاثمة أو بالأصح لجزء منها بدا واضحاً من شرفة الشقة موقع منزله المرتفع يجعله يرى بعض المنازل البعيدة في هذه المنازل أناس يفكرون في نفس اللحظة ترى بماذا يفكرون؟
ألقى نفسه على أريكة قريبة.. وأغمض عينيه، رائحة البخور تساعده على التركيز حتى البخور من الأمور التي يكتسبها من خلال عمله.. إذ لا بد له أن يعمل.. وأن يكتسب.. وأن يبني منزلاً جميلاً في مكان مرتفع.. لا بد أن يمتلك رصيداً ويشتري سيارة جديدة.. ويلبس أحسن الثياب.. نظر إلى شاشة الجوال ثانية وبدأ يسأل نفسه ماذا أقدم لها؟
نعم ماذا أقدم لأمتي؟
لم يكن عبد الله من النوع الذي يهتم بالمادة لكنه خاف أن يكون الانفتاح السريع لأعماله وتجارته ستبدأ في بعده عن ربه وضعف إيمانه.. وكانت لحظات المحاسبة هذه تمثِّل محطات في حياته لا بد له من الوقوف فيها للتزوّد للأيام القادم.
خرج من منزله وأخذ يمشي في الشوارع ويتأمل في وجوه الناس ويفكر.. لقد كانت الرسالة صغيرة ولكنها حوت معاني لا تنتهي.. فالأم هي تعبير عن كل رغبة دنيوية.. مهما سمت وعلت وتميَّزت هذه الرغبة إلا أنها تظل أمراً دنيوياً.
ولكن أمتي.. ماذا علي أن أفعل لها.. ماذا أقدم.. كيف انصرها.. انعطف إلى شارع جانبي أقل ازدحاماً.. كان الشارع مظلماً.. لم يسر فيه من قبل.. تشعبت به الشوارع الحانية فلم يعد يدري أين يمضي.. ولم يعد يهتم كثيراً..
كان يريد أن يخلو بنفسه.. ويفكر.. وكلما فكر أكثر ستسكن نفسه وتستقر.. وبدأ المطر في الهطول.. شدَّ معطفه على جسمه وأسرع الخطى.. توقف في مكان لا تصله المياه وبدأ ينظر إلى الشوارع المبتلة سمع صوتاً يناديه.
- أنت هناك.. تبدو غريباً عن هذا المكان.
- نعم.. أوقفني المطر.
- سمع صوتاً يمكنك أن تأتي إلى بيتي وتنتظر توقفه.
- أشكرك.. أريد أن أراقبه من هنا.
بدأ الرجل ودوداً.. في العقد الخامس من عمره.. منظره يدل على طيبة قلب وهيبة غامضة.. صدر على وجهه آثار السنين.. يرتدي لباساً واسعاً نوعاً ما.. ويحمل في يده بضعة أكياس معلقة.
- يبدو أنك كنت تشتري لبيتك.
- ابتسم العجوز.. نعم صدقت.. ولكن المطر أوقفني كما أوقفك.. ورأيت أن نتقاسم المكان حتى يتوقف..
ابتسم العجوز ثانية.. يا بني.. كل هذه المنازل هي بيتي.
- كيف.. لم أفهم!!
- هؤلاء الفقراء ينظرون قدوم اللقمة إليهم..
- كل أرملة تبكي خلف هذه الأبواب لا تجد لقمة تأكلها.
- ......
- أشعر أن هذا جزء من واجبي.. لا بد أن أساعدهم..
- أين تعمل؟
- متقاعد من الجيش.
- ودخلك؟
- ابتسم العجوز.. لا تسل عن دخلي.. سلني عن قلبي.
- هل أنت متزوج؟
- نعم. ولدي أسرتان.
- زوجتان؟
- ظل العجوز متبسماً طوال الوقت.. التفت لعبد الله وأشع وجهه ببريق غريب.. أسرة بسيطة.. وأسرة كبيرة.. أحبهم جميعاً وكلاهما ينتظر عودتي.
- لم أفهم!
- الأسرة يا بني ليست فقط الزوجة والأولاد والإخوة.. هؤلاء أسرة ولكن أمتك كلها أسرتك..
إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد (المؤمن أخو المؤمن).
فهمتك يا عم.. فهمتك.. ونظر إلى شاشة جواله.
ساد الصمت وبدأ المطر يتوقف.. افترق الرجلان..
كان اللقاء صغيراً.. ولكنه فتح آفاقاً جديدة أمام عيني عبد الله.. سبحان الله كيف نغفل عن أبواب الخير الكبيرة القريبة.. بدأ يمشي في طريق العودة.. ولكنه هذه المرة كان حريصاً على معرفة الطريق.. فقد بدأ يفهم كيف يكون الجمع بين الكلمتين اللتين تزينان شاشة الجوال الصغير.



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved