إيران وتداعيات القرار الدولي

يبدو أن إيران تهوى مناطحة الريح، ولا تؤمن أو تجيد مبادئ وقناعات الانحناء للعاصفة، فبعد تصويت مجلس الأمن الدولي بالإجماع على القرار 1737، الذي فُرض بموجبه على طهران عقوبات تطال برامجها النووية والبالستية, سارعت القيادة الإيرانية بإعلان تحديها الجديد لهذا القرار، الذي تمثَّل في تركيب 3000 جهاز طرد مركزي في محطة تخصيب اليورانيوم بنطنز، وهو الإعلان الذي أتبعه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بالقول إن هذا القرار مجرد ورقة ممزقة لا تخيف الإيرانيين، وإن من صوَّتوا له سيندمون قريباً, مما يعني أن هناك تداعيات قادمة وردود فعل متوقعة من صانعي القرار في طهران، والتي سوف تتمثَّل في زيادة التدخُّل الإيراني في بؤر التوتر ومناطق السخونة في المنطقة.. فمن المعروف أن للتدخلات الخارجية الإيرانية تأثيرها في منطق النفوذ العربية التي أصبحت تُعتبر مجالاً حيوياً وطبيعياً لها.
وقد عُرف عن الإيرانيين خلال إدارتهم للأزمة النووية وجولات المفاوضات مع الغرب اتباعهم لمبدأ ومقولة (ضيقي أزمة تنفرجي)، وهو المبدأ الذي اتبعه الإيرانيون وما زالت كوريا الشمالية تتبعه في مقارعة الغرب دفاعاً عن طموحاتها النووية، إلا أن إرهاصات القرار الدولي الأخير يُخشى أن تأتي على مبدأ مناقض يكون على أساس (ضيقي أزمة تنفجري)، فالغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يعلم أن العقوبات الدولية لن تكون الرادع الوحيد لطهران، وطهران أضحت كمن قطع شوطاً طويلاً على الرمضاء، فأصبح الرجوع بالنسبة إليه بنفس مشقة مواصلة بقية الطريق.
لقد دخلت الأزمة النووية الإيرانية بعد فرض العقوبات على طهران ما يُمكن تسميته بمرحلة مكاشفة العداء بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وذلك ما سيتمثَّل في مزيد من التوتر في كثير من نقاط التماس بين الأمريكيين والإيرانيين، فإن كان العراق يرزح تحت وطأة توترات أمنية وطائفية، أصبح القاصي والداني يعرف مدى تأثير التدخُّل الإيراني بها، فإن لبنان بما يشهده من فرز مذهبي للشارع السياسي وتوجيه للخيارات الداخلية فيه قد تكون مسرحاً قادماً أيضا للمصارعة الإيرانية - الأمريكية.
من حق الإيرانيين أن يتبعوا إستراتيجيات خاصة باهظة الكلفة والثمن شريطة أن يكونوا على استعداد لدفع فواتير تحصين مستقبلهم من جيبهم الخاص، بعيداً عن نقل تصفية الحسابات على أراضي الشعوب والدول الأخرى خصوصاً الدول العربية التي بات عليها دفع ثمن الطموحات الإيرانية.