Al Jazirah NewsPaper Friday  26/01/2007 G Issue 12538
أفاق اسلامية
الجمعة 07 محرم 1428   العدد  12538
خصائص شهر الله المحرم
د. علي بن عبد العزيز الشبل (*)

السَّنَةَ عند أهل الإسلام في الشرع مقدرةٌ بسير القمر وطلوعه، لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله أهل الكتاب ومن شابههم من المبتدعة.

يقول الله عزَّ وجلَّ من آية سورة براءة {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (36) سورة التوبة.

فعدد الأشهر في العام اثنا عشر شهراً، كذا قضاه الله وكتبه في كتابه الذي هو عنده، وهو اللوح المحفوظ.

ومع هذا فقد فُضِّل بعض الشهور على بعض، وهذه سنة إلهية قدرية وشرعية فهو سبحانه فضَّل بعض مخلوقاته على بعض، وبعض البقاع على بعض، كما فضَّل السماء على الأرض، وبعض المأكولات على بعض، كما قال سبحانه وتعالى في أول سورة الرعد: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (4)سورة الرعد.

ومما فضَّله سبحانه شرعاً وديناً، فضَّل الآخرة على الدنيا، والجنة على النار، والمؤمنين على الكافرين، بل فاضل بين أهل الإيمان كل على قدر إيمانه وعلمه وعمله ويقينه، كما فاضل بين أنبيائه ورسله، كما يقول سبحانه في سورة البقرة من أول الجزء: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ....} (253) سورة البقرة.

ومن ذلك أن الله عزَّ وجلَّ فضَّل بعض الأزمان على بعض وبعض الأوقات على بعض فجعل من الأشهر الاثني عشر أربعة مخصوصات بالتحريم.

وكونهن حرماً، لأنه كانت الجاهلية تعظّمهن وتحرّمهن وتحرّم القتالَ فيهن، حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يضره.

وجاء الإسلام بشريعته السمحة الكاملة العادلة المستقيمة فزادهن تعظيماً وتشريفاً {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، أي المستقيم التام الذي لا عوج فيه ولا ميل ولا انحراف، فجعل فيهن أشهر الحج، وقصد بيت الله الحرام تعظيماً لله وتوحيداً له بالحج قولاً وعملاً وقصداً.

ولقد صح في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب في حجة الوداع فقال في خطبته: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب وهو الذي بين جمادى وشعبان.

والظلم بأنواعه الثلاثة: ظلم العبد ربه بالشرك والكفر لقوله تعالى في سورة لقمان {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (13) سورة لقمان.

وظلم العبد غيره بقوله أو فعله أو بظن السوء به:

وظلم العبد نفسه بإيباقها بالسيئات والمعاصي، وترك الفرائض والواجبات.

كلُّ أنواع الظلم محرَّمة في جميع العام لا يختص منه عام دون عام ولا شهرٌ دون شهر لكنها تزداد حرمتها وتتأكد وتشتد في الأربعة الحرم.

ولقد اختلف العلماء في أي الأشهر الحرم أفضل من البقية:

فقيل رجب، وقيل المحرّم، قاله الحسن البصري ورجحه النوويُّ وغيره، وقيل ذو الحجة، روي عن سعيد بن جبير ورجحه ابن رجب الحنبلي، وقد رُوي في مراسيل الحسن إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل الأوسط، وأفضل الشهور بعد شهر رمضان المحرّم وهو شهر الله الأصم). ومهما يكن من أمر فلكل شهر من الأربعة خصيصة، وكلهن حرم.

فذو القعدة وذو الحجة من أشهر الحج والعمرة، وفي التاسع من ذي الحجة يوم الحج الأكبر وهو يوم عرفة، والحج عرفة، وفيه يوم العيد، وقيل هو يوم الحج الأكبر وهو عيد الأضحى.

وشهر الله المحرم الذي هو ابتداء العام، وهو الذي كان المشركون يُنسئونه، فيه من الخصائص يوم عاشوراء، ذلكم اليوم الذي نجَّى الله فيه نوحاً ومن آمن معه بعد الطوفان، ونجَّى الله فيه موسى وقومه وأهلك فيه فرعون وقومه، فصامه أنبياء الله شكراً وحمداً، فجاء الإسلام فزاده فضلاً وشرفاً، فكان المؤمنون أحق بموسى ومن قبله من أنبياء الله فصامه المسلمون مع نبيهم صلى الله عليه وسلم حيث أمرهم بذلك.

ثم خُفف الأمر بصيامه من الوجوب إلى الاستحباب المؤكّد مع يومٍ قبله أو يوم بعده، وبقي الحكم فيه على السنية المؤكّدة.

ومن خصائص المحرّم استحباب صومه كلِّه أو أكثرِه لما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرّم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل).

وهذا يشهد لما روى أحمد والترمذي من حديث علي رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني بشهر أصومه بعد شهر رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن كنت صائماً شهراً بعد رمضان فصم المحرّم، فإنه شهر الله، وفيه يومٌ تاب الله فيه على قوم، ويتوب على آخرين).

فعلى المسلم أن يستغل الأوقات الفاضلة والأزمان المباركة فلا يفوّت على نفسه الفرصة فإن مضيها عليه إن لم يستغلها حسرة وندامةً، ومن نعم الله على عباده المؤمنين تتابع مواسم الخير والعمل الصالح، فما ينقضي موسم بشعيرة خاصة فيه، إلا ويتلوه موسم آخر بجنس آخر من العبادة والشرائع، كل ذلك تفضّلاً وتكرّماً من الله على أوليائه لئلا يملوا وينقطعوا في سيرهم إلى الله والدار الآخرة.

ومن خصائص المحرّم أن الله أضافه إلى نفسه فهو شهر الله المحرّم، دلالة على شرفه وفضله، ولما كان الصيام أيضاً مختصاً بالله، مضافاً إليه من بين بقية الأعمال ناسب جمع الصيام إلى هذا الشهر فيكون صومه كله فيه فاضلاً له ميزته وفضله وخصيصته.

(*) كلية أصول الدين بالرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد