Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/04/2007 G Issue 12610
وَرّاق الجزيرة
الأحد 20 ربيع الأول 1428   العدد  12610

ظاهرة التأليف في القبائل والأنساب - الأسباب والضوابط المطلوبة
مع قائمة ببلوجغرافية لكتب الأنساب الصادرة بالعربية

* قراءة -حنان بنت عبدالعزيز آل سيف:

خلال عشر سنوات (1417-1426هـ - 1996م - 2005م)

تأليف فائز بن موسى البدراني الحربي

علم الأنساب من العلوم الجليلة، والمعارف المفيدة، به تتصل القرابة، وبفضله تسمو الخطابة، وعن طريقه يترنم الشعراء بجميل القول، وناصع الحديث، وقد حث الشرع الشريف على الاهتمام به والمحافظة عليه والتأليف فيه، فقال عزَّ من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } (13)سورة الحجرات.

وهذا العلم الجليل يحفظ الأجيال البشرية، والسلالات القبلية، والفصائل الوراثية، ولهذا قال النبي- صلى الله عليه وسلم-:(تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأجل، مرضاة للرب) وأكثر ما يعتز به العربي الأبي هو نسبه وعشيرته، بل هو مفطور على حبه، مجبول على عشقه، ولهذا فقد اعتنت الأمم والشعوب بأنسابها وأحسابها، فأولى العرب علم النسب بديع مؤلفاتهم، ورفيع مصنفاتهم، وأصبح عندهم علماً له أصوله ومبادئه وقواعده، فبه يجتمعون ويتحدون، ومن غيره يختلفون ويتفرقون:

إني وإن كنت لم ألحق بهم عملاً

مقصراً عنهم في ساعدي قصر

فإن حبي لهم صاف بلا كدر

ولا يضرهم إن كان بي كدر

هم الأحبة لا يشقى بقربهم

جليسهم وبهم يستطيب السمر

وقد كان- صلى الله عليه وسلم- شديد الاهتمام بالنسب حريصاً عليه عالماً به فكان يقول: (من ادعى أباً في الإسلام غير أبيه يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) وكان صحابته رضوان الله عليهم من أعلم الناس بالأنساب.. فأبو بكر الصديق- رضي الله عنه- نسّابة العرب، وقد ورثّه ابنته عائشة - رضي الله عنها- فكانت من أعلم العرب بالنسب، ومنهم عمر بن الخطاب، وابن عباس، وحسان ابن ثابت الذي قال له- صلى الله عليه وسلم- حين أراد قريش (لأسلنك منهم كما تُسل الشعرة من العجين) ولهذا كان يقول الإمام الجليل ابن كثير: إن شعر حسان بن ثابت كان شديداً على قريش في جاهليتهم لأنه كان يعيرهم بأنسابهم، وينشر مثالبهم، ويطوي محامدهم، ولما جاء الإسلام كان أشق الشعر على قريش شعر عبدالله بن رواحة لأنه كان يعيرهم بالكفر.

والتأليف والتصنيف في علم الأنساب أمر عسير، ليس باليسير، ولا يخوض غماره إلا الأقوياء الأكفاء من الرجال، والقراءة في مصنفاته تجلب الملل والسأم لما فيها من التعقيد والتكرار والغموض والصعوبة رغم ثراء هذه المصنفات، وغلاء هذه المؤلفات إلا أنه لكل علم رجاله، فالنسابون والمهتمون بعلم النسب هم أحرى الناس بأمثال هذه المصنفات المصدرية المرجعية، وعامة الناس لهم من علم النسب ما يطربهم، ومن فن الحسب ما يخلبهم، وقد شاعت ظاهرة التأليف في النسب هذه الأيام، وولج سبيله من هو أهل له، ومن هو غير مؤهل له، فكثر الخطأ، وعمت الفوضى، واضطربت الأمور، وأمام ناظري الآن كتاب قيّم، ومؤلف نفيس، وقد أخذت الغيرة بصاحبه ومؤلفه كل مأخذ عندما صار الناس في حيص بيص، اختلط حابلهم بنابلهم، وكان هذا الرجل الغيور على علم النسب له خبرة طويلة، وممارسة فريدة، وفراسة شديدة، وهو سعادة الأستاذ الفاضل (فائز بن موسى البدراني الحربي) فكتب مؤلفاً ليضبط ظاهرة التأليف في القبائل والأنساب، ويقيدها بقيود وضوابط هامة ومطلوبة في نفس الوقت، والكتاب أسفلت لك عنوانه في ناصية القراءة، وبين أناملي الطبعة الأولى لعام 1427هـ - 2006م، وهو من طبع مطابع الحميضي، ومن نشر دار البدراني للنشر والتوزيع- عمرهما الله-، وهما كائنتان في مدينة الرياض - حرسها الله - ومن خلال مقدمة الكتاب، استهلالة الكاتب، يتضح لك أيها القارئ الكريم مدى الجهد المبذول من قبله، والصبر والمصابرة في الحفاظ على هذا العلم من الضعف والخلط والركاكة استمع إليه ليقول لك: (إن ظاهرة الاهتمام بالأنساب والعناية بها والتأليف في أصول الأسر والقبائل ظاهرة آخذة في النمو والتزايد في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، ومع تزايد هذه الظاهرة يتزايد الجدل حول مشروعية هذا الاهتمام بين المؤيدين للأنساب والمعارضين لها والمحذرين منها، ولكوني أحد المهتمين بهذا الجانب، فقد حاولت في عدة مناسبات أن أدلي بدلوي في دراسة هذه الظاهرة من خلال الكتابات الصحفية أو المحاضرات والندوات حيث ألقيت أكثر من أربع محاضرات تتعلق بالأنساب.. كما نشرت العديد من المقالات والتعقيبات المتعلقة بموضوع علم النسب وما يدور حوله من نقاشات بين المؤيدين والمعارضين له، وتشرفت بأن كنت أول من نادى بإنشاء جمعية للنسابين السعوديين أسوة بغيرهم من المتخصصين والمهتمين في المجالات العلمية الأخرى، إضافة إلى ذلك فقد تقدمت بالعديد من الاقتراحات المرئيات للجهات ذات العلاقة كوزارة الثقافة والإعلام، ودارة الملك عبدالعزيز وغيرهما، منادياً بضرورة دراسة هذه الظاهرة ومقترحاً بعض الإجراءات للحد منها، ولتوجيهها الوجهة الصحيحة النافعة، وفضلاً عن ذلك فقد تقدمت إلى الجهات المعنية باقتراح إنشاء هيئة وطنية أو جمعية للنسابين تكون مرحباً في هذا المجال الذي لا يوجد له جهة مختصة تنظر في قضاياه، وتبت في المسائل والنزاعات الخاصة بالأنساب، وما يتعلق بها من مؤلفات ومشجرات غالباً ما تكون مثاراً للنزاع والخلاف بين أبناء الأسرة أو القبيلة أو بين بعضهم وبين المؤلف. وبفضل من الله تعالى ثم حسن نية المؤلف لاقت هذه المقترحات قبولاً وموافقة من المقام السامي، وهي الآن تحت مجهر البحث والدراسة، وبما أن علم النسب علم جليل، يقعد بالإنسان عن الفضائل والمكارم والشمائل الحميدة حينما يجهله، ولا يمعن فيه، ولا يعرف نسب نفسه من نسب غيره، بل هو كما يقول ابن عبدربه: (النسب هو سبب التعارف وسلم إلى التواصل، به تتعاطف الأرحام الواشجة، وعليه تحافظ الأواصر القريبة، فمن لم يعرف النسب لم يعرف الناس، ومن لم يعرف الناس لم يعد من الناس)، بما أن النسب بهذه المنزلة العزيزة، والمكانة الرفيعة، فقد آذى المؤلف - حفظه الله- أن ينعق ناعق بوقف التأليف والبحث والدراسة في هذا العلم الفريد، والعلم المفيد، لاعتقاد ذاك الناعق أن علم النسب لا طائل تحته، ولا فضل فيه، فكان هذا الاعتقاد هو القشة التي قصمت ظهر البعير، فانبرى المؤلف للرد على هذا الرأي، وجلاء الصدأ عن معدن النسب فقال: (ولأنني كثيراً ما أسمع من بعض المسؤولين وغير المسؤولين من عبارات تنم عن عدم قناعتهم بالبحث في هذا المجال أو المناداة بوقف الكتابة في الأنساب دون إلمامهم بواقع القضية وحجمها، فقد رأيت أن أقدم هذا الكتيب الذي يلقي الضوء على جوانب مهمة من الظاهرة، ولا يحيط بها، وأن أجمع فيه خلاصة تجربتي في هذا المجال،.... إن هذا الكتيب ما هو إلا انطباعات شخصية ووقفات أقدمها هنا على سبيل الإشارة والإيجاز، وليس كبحث علمي أو دراسة استقصائية).

ومن خلال حديثه السابق يتضح لنا معنى المثل العربي الشارد:(رب ضارة نافعة)، هذا ويطرح الكتاب قضايا جوهرية هامة يغفل بل غفل عنها الكثيرون منا، وتتجلى في قوله التالي: (إن علم الأنساب من أجلّ العلوم وأشرفها، وهو ليس علماً إسلامياً فحسب، بل إنه من العلوم الحديثة التي يهتم بها الغرب أكثر منا مع الأسف، فالمستشرقون هم الذين ترجموا أمهات كتب الأنساب العربية) وذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:

- في سنة 1854م قام المستشرق الألماني فردناند وستنفيلد (ت 1899م) بطبع كتاب (الاشتقاق) لابن دريد، وهو كتاب في أنساب القبائل العربية، كما طبع في سنة 1899م كتاب (مختلف القبائل ومؤتلفها) تأليف: محمد بن حبيب، ووضع جداول مفصلة لأنساب القبائل العربية.

- وفي سنة 1883م قام المستشرق الألماني وليم أهلو ارد بطبع الجزء الحادي عشر من كتاب (أنساب الأشراف) للبلاذري على الحجر بخطه.

ويستمر المؤلف - حماه الله- في استعراض جهود الغربيين في الاستفادة من كتب الأنساب العربية القديمة، وهو حينما يستعرض هذه الجهود يعطي المقام حقه من حسن الاستقصاء، وجميل الاستيفاء، ويشير إلى ناحية هامة جداً قد غفل عنها الكثيرون، بل الناس أجمع، وهي عدم دخول علم الأنساب مناهجنا التعليمية، فيتخرج الطالب من المرحلة الجامعية وهو لا يكاد يعرف من نسبه إلا الثلاثية الأولى، ولو استرسلت معه لعدت منه بخفى حنين، حقيقة يجب دخول هذا العلم مناهجنا التعليمية لينشأ النشء وقد غرس في جبلته حب هذا العلم والحرص عليه، ففي الولايات المتحدة وحدها يوجد أكثر من خمسين مجلة دورية متخصصة بعلم الأنساب والأصول حسب إحصائية منتصف عام 2000م، في حين لا يوجد في بلدنا دورية واحدة باستثناء مجلة العرب التي أسسها علامة الجزيرة العربية حمد الجاسر - رحمة الله عليه- فقد حمل على كتفيه أعباء هذا العلم، ونذر عطاءه، وأوقف نفسه على دراسته وتحقيقه وتصحيحه وحث الهمم الملهمة، وإيقاد العزائم الموهوبة على ولوج بابه والسير في طرقاته، ولهذا لم يكن فقدنا لعلامة الجزيرة، فقد رجل واحد، ولكنه بنيان قوم تصدعا، وتحت مجهر الباحث، وبواسطة مبضع الطبيب، يضع الأستاذ فائز الحربي - حماه الله - يده على الداء والدواء في نفس الوقت فيقول: (ولهذا من أجل النهوض بهذا العلم الحيوي فإن أعرض - كباحث في هذا المجال الاقتراحات التالية:

الأول: أن يكون هناك آلية جديدة وعلمية لمعالجة ما قد ينشأ بهذا الخصوص من خلال إحالة الشكوى أو الاعتراض إذا وجد إلى جهة شرعية أو إلى لجنة علمية محايدة تنظر في مدى صحة ما يدعيه الطرفان.

الثاني: دراسة إمكانية إنشاء جمعية أو هيئة تلحق بإحدى المؤسسات الثقافية لدينا مثل دارة الملك عبدالعزيز تجمع الباحثين في هذا المجال وتكون مرجعاً فيه.

الثالث: تشجيع الباحثين المحققين بشرط أن يلتزم بأدبيات البحث العلمي وأخلاقياته وتحت هذا المنحى الثالث وضع المؤلف ضوابط ملزمة على الباحثين في هذا العلم الشريف أن يأخذوا بأحسنها، ويحسن بالقارئ الكريم أن يعود إليها ويتأملها ليرى أن هذا العلم لا يستطيع كل من أراد التأليف فيه خوض غماره بل دونه خرط القتاد، ولا يستطيع الولوج فيه والخوض في غماره إلا الصناديد من الرجال الذين مبدؤهم وشعارهم قول ذلك الشاعر البليغ:

إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً

فليس على المضطر إلا ركوبها

حفظ الله صاحبنا الحارث الهمام وزاده غيرة وحرصاً وعناية بهذا العلم الجليل، والفن الفضيل.

* الشجرة الزكية في الأنساب وسير آل بيت النبوة، تأليف اللواء الركن يوسف بن عبدالله جمل الليل، الطبعة الثانية 1423هـ - 2002م مكتبة جل المعرفة ومكتبة التوبة - الرياض.

* الاختيارات البديعة في نسب وأخبار ربيعة - تأليف: الأستاذ عبدالعزيز بن إبراهيم الأحيدب، ط1: الدار العربية - بيروت، 2006م - 1426هـ.

عنوان المراسلة: ص.ب 54753- الرياض 11524 فاكس 4656444


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد