Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/04/2007 G Issue 12623
متابعة
السبت 04 ربيع الثاني 1428   العدد  12623
الأخلاق في القرآن الكريم
معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن المتأمل في كتاب الله جل وعلا، المتدبر لآياته لتستوقفه تلكم التوجيهات السامية، والوصايا الجليلة التي تخاطب النفس، وتحثها على التحلي بالأخلاق الفاضلة، لكي ترفع من قدرها، حتى تطهر وتزكو، كيف لا؟ وأصل الرسالة يوجزها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، ويقول تعالى {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ}(151)سورة البقرة، قال السعدي -رحمه الله - في معنى (ويزكيكم): أي (يطهر أخلاقكم ونفوسكم بتربيتها على الأخلاق الجميلة، وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة)، ولذا جاء القرآن بالحث على اكتساب ما يزين النفس من الأخلاق، معبراً عن ذلك بأساليب شتى، وبمواضع عديدة، لكي تشرئب النفوس، وتسعى لتحصيلها.

والأخلاق: جمع خلق، وهو هيئة للنفس راسخة، تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلاً وشرعاً بسهولة سميت الهيئة خلقاً حسناً، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً، وقد يطلق الخلق ويراد به الدين، قال الماوردي -رحمه الله- في تفسير قوله -تعالى-: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(4)سورة القلم: فيه ثلاثة أوجه: أحدها أدب القرآن. قاله عطية. الثاني: دين الإسلام قاله ابن عباس. الثالث: طبع كريم وهو الظاهر.

وإليك بعض أساليب القرآن في التعبير عن الأخلاق:

1- الأمر الصريح بالتحلي بالأخلاق الحسنة: كالعفو، والأمر بالمعروف، والقول الحسن، والصبر، قال -تعالى-: {َقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} (83)سورة البقرة، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ}(200)سورة آل عمران.

2- الندب والحض على التحلي بالأخلاق الحميدة كالنهي عن الامتناع عن الصدقة، قال -تعالى-: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(22)سورة النور، والصفح قال -تعالى-: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}(126)سورة النحل، والمسارعة إلى فعل الخير، قال -تعالى-: {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ} (110)سورة البقرة، وقال -تعالى-: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} ـ(148)سورة البقرة.

3- ترتيب الثواب الجزيل لمن اتصف بها، قال -تعالى-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}(10)سورة الزمر، وقال - تعالى-: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(155-157)البقرة، وقال -تعالى-: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }(43) سورة الشورى.

4- ذكرها في معرض بيان أحوال الكمّل من خلقه، وهم الرسل -عليهم السلام- الذين هم موضع القدوة، قال -تعالى-: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(128)سورة التوبة، وقال - تعالى-: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ } (58)سورة الأنبياء، وقال -تعالى-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا} (41) سورة مريم.

5- جعلها من صفات المؤمنين، قال -تعالى-: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}(63)سورة الفرقان، وقال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}(1-3)المؤمنون، وقال -تعالى-: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (23)سورة الأحزاب.

6- جعلها من السلوك الحسن، قال -تعالى-: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}(86) سورة النساء، وقال -تعالى-: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(53)سورة الإسراء.

7- النهي عن الأخلاق الذميمة، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ}(11)سورة الحجرات، وقال -تعالى-: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} (12) سورة الحجرات، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } (27) سورة الأنفال.

8- الوعيد لمن اتصف ببعض الأخلاق الذميمة كالافتراء، قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} (116)سورة النحل، وقال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (23) سورة النور، وإشاعة الأخبار الكاذبة، قال - تعالى-: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا}(86) سورة الأعراف، وقال - تعالى-: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}(60)سورة الأحزاب.

9- التنفير من الأخلاق الذميمة لكونها من صفات الكفار والمنافقين كالافتراء، قال -تعالى-:{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } (105) سورة النحل، والخداع قال -تعالى-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}(142)سورة النساء، والبهتان، قال -تعالى-: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}(112)سورة النساء.

10- سوقها على أنها ثمرة من ثمار الطاعات، قال -تعالى-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}(45) سورة العنكبوت، وقال -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} (103) سورة التوبة.

تلك بعض الطرق التي تناولها القرآن الكريم للتأكيد على جانب الأخلاق، فحري بالمسلم أن يجتهد في بلوغ الغاية منها، فهي جماع خيري الدنيا والآخرة (إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً)، فعلى أبنائنا وبناتنا حفاظ كتاب الله قراءته بتدبر، واستجلاء ما فيه من أخلاق عظيمة ومعرفتها، والتخلق بها، والبعد عن الأخلاق الذميمة التي نفّر منها ونهى عنها: ليؤتي حفظ كتاب الله ثماره اليانعة، وقطوفه الدانية، وبذلك تحيون -يا أحبابنا- حياة طيبة سعيدة في رحاب القرآن العظيم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

فاللهم اهدنا لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

* وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد

رئيس المجلس الأعلى للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد