Al Jazirah NewsPaper Sunday  07/10/2007 G Issue 12792
رأي الجزيرة
الأحد 25 رمضان 1428   العدد  12792
الاعتدال وتكييف الأيديولوجيا

تعج الساحة السياسية العربية بمجموعة من الأحزاب والتكتلات الأيديولوجية التي تجثم على واقع السياسة الوطنية والقومية للدول برزمة من القناعات السياسية والأيديولوجية التي عفا عليها الزمن وأصبحت بحاجة ماسة إلى نوع من التنقيح والغربلة لكي تتواءم وتتلاءم مع متطلبات العصر وضروريات المرحلة التي يمر بها الواقع الدولي ككل، في ظل هذه الأحادية القطبية الموحشة التي تسيطر على العالم, وتمسك بتلابيب صناعة القرار الدولي ببلطجة وعنجهية واضحة للجميع.

لا يعني ما تقدم أننا نطالب بإلغاء قناعات الأحزاب والتكتلات الحزبية التي يعتبر جزء كبير منها إرثاً انطباعياً ومعرفياً في العقل السياسي العربي, حيث نشأت عليه أجيال من الساسة العرب وترعرع في حقول أيدولوجيته كثير من المفكرين والكتاب والمبدعين النهضويين الذين كان لهم دور مهم في إطلاق ماكينة التنوير والتحديث في البلدان العربية. إلا أنه وفي كل الأحوال، وبالرغم من هذا كله، فلابد لنا من القول إن زمن الرومانسيات السياسية المعتمدة على قناعات الأيدولوجيا الجامدة التي تضرب بعرض الحائط كل من يعارض نسقها المعرفي قد انتهى وولى، وأصبح الوضع السياسي الدولي الآن في مرحلة التشكل من جديد، بل إن بوصلة الواقع الدولي قد أضحت من السرعة بمكان بحيث تحتاج إلى نوع من المرونة والسلاسة من أجل مجاراتها والتكيف مع متغيرات واقعها السياسي. وهذا ما تحتاج إليه الأحزاب العربية وأيديولوجياتها العتيدة التي مع أصالتها التاريخية والوطنية لازلت تحتاج إلى نوع من التطعيم بقناعات العصرنة وحداثة العالم السياسي الجديد مع الاحتفاظ بروح الأيدولوجيا الأصلية. ولعل في تجربة الأحزاب الاشتراكية التي وجدت نفسها وحيدة ومنبوذة داخل الخريطة الدولية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي خير دليل على ضرورة تكييف الأيدولوجيا مع الواقع إن استجد مع الاحتفاظ بالخطوط العريضة للثوابت والقناعات. فها هي أحزاب اليسار والاشتراكيين تتصدر صناعة القرار في كثير من الدول الأوروبية بل ويكون لها نصيب جيد وكبير في مقاعد السلطات التشريعية في بلدانها، ضاربة بذلك أروع الأمثلة في تكييف الأيدولوجيا وتطويعها من أجل الوصول إلى هدف استمرارية الحزب وقناعاته، وأيضاً وقبل كل شيء من أجل إيجاد موطئ قدم في السياسة الوطنية والمشروع الجمعي للبلاد من خلال الاتفاق على المصلحة العليا والأهداف الكبرى للوطن، وحرية الاختلاف في طرق تنفيذها والوصول إليها من خلال أساليب لا تتجاوز حدود الاجماع الوطني وإن تباينت الرؤى.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244








 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد