Al Jazirah NewsPaper Thursday  18/10/2007 G Issue 12803
تحقيقات
الخميس 07 شوال 1428   العدد  12803
العلاقة بين الإبداع والمجتمع في محاضرة للعبيِّد:
الإبداع رحلة شاقة وبوابة رئيسة للدخول إلى عالم التقدم والرقي

عنيزة - عطاالله الجروان

حينما نتحدث عن الإبداع، فإننا نتحدث عن رحلة شاقة، مليئة بالمصاعب، محفوفة بالمخاطر، إلا أنها رحلة شيقة ممتعة فيها الكثير من النفع والفائدة.

وكذا، فنحن نتحدث عن البوابة الرئيسة للدخول إلى عالم التقدم والرقي.

الإبداع يجدد الحياة

يقول الأستاذ عبدالرحمن ابن محمد العبيّد مدير إدارة التغيير في الشركة السعودية للكهرباء في إحدى محاضراته، الإبداع هو إحدى العتبات التي يجب علينا تجاوزها نحو عالم متقدم، والإبداع هو نشاط فردي يجدد من خلاله المرء حياته وحياة غيره، وهذا في الغالب أمرٌ مقيد بشروط يؤثر المجتمع عليه تأثيراً بالغاً سلباً أو إيجاباً.

حيث إن المجتمع يمثل البيئة المساعدة لإحداث التغييرات التي ينشدها ذلك المبدع أو المخترع.

ويحظى موضوع الموهوبين في المملكة العربية السعودية بكثير من الاهتمام الملموس على مستوى الدولة.

وقد اتضح ذلك من خلال اهتمامها بالفكرة، حيث أنشئت مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين، واختارت لها صفوة رجال العلم والفكر والثقافة في البلاد.

ومن جانبها، اهتمت مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين بالبرامج المختلفة التي أعدتها لهذا الغرض.

ويرجع هذا الاهتمام المتزايد إلى التطورات الاقتصادية والتنموية التي تشهدها البلاد، وكذلك التقدم العلمي والتكنولوجي المضطرد من جهة أخرى.

ولا شك أن الاهتمام بالمخترعين والقدرات الاختراعية له ما يبرره، ذلك أنه أحد أبرز مقومات الحضارة الإنسانية، إذ أن الحضارات وُجدت بالعقول المخترعة.

وبقيت صامدة في وجه الأحداث مفتخرة بما تحتويه من مخترعات أبنائها مثل، الحضارة اليونانية، والحضارة الصينية وغيرها من الحضارات.

مما يعني أن الأمم ترقى وتزدهر بما لديها من عقول نيرة مخترعة.

ومن هنا نجد أن المختصين اليوم يولون اهتماما بالغاً بالمخترعين، ويبذلون جهوداً مضنية للبحث عنهم، ويخصصون لهم الأقسام الخاصة بهذا بغرض لتربيتهم التربية التي تتوافق مع قدراتهم الاختراعية. ولكي تكون حياة المجتمع علمية وعملية متقدمة ومواكبة للأحداث، لا بد وأن تكون قابلة للتجدد وبشكل مستمر، أي حياة مليئة بالإبداع المتسارع.

إن حياة الإنسان هي سلسة من الأحداث الاجتماعية النشطة التي تثري وبشكل مستمر الحياة الإنسانية. وهي في الوقت نفسه تحمل حساً تاريخياً هو بمثابة كنز المجتمع الثقافي، كما تحمل مدخرات مستقبلية للأجيال القادمة.

تعريف الإبداع

في هذا الجانب يذكر ضيفنا أن المتأمل في تعاريف الإبداع الكثيرة، والتي تناولها العلماء والمختصون، يجد أن الإبداع بأبسط وأيسر صوره، هو (العملية التي تؤدي إلى ابتكار أفكار جديدة، تكون مفيدة ومقبولة اجتماعياً عند التنفيذ) وهناك تعريف شامل للدكتور علي الحمادي، أورده ضمن كتابه الأول من سلسلة الإبداع كالتالي (هو مزيج من الخيال العلمي المرن، لتطوير فكرة قديمة، أو لإيجاد فكرة جديدة، مهما كانت الفكرة صغيرة، ينتج عنها إنتاج متميز غير مألوف، يمكن تطبيقه واستعماله).

إذاً الإبداع هو مصنع لكل فكرة جديدة مفيدة عملية، يتم تقديمها للمجتمع، بحيث تكون خارجة عن المألوف. ويظن بعض الناس أن الإنسان يُولد مبدعاً.

والحقيقة أن كل إنسان يستطيع أن يبدع ويبتكر ويخترع إلا من لا يرغب في ذلك. فهو (أي الإنسان)، يتأثر تأثراً كبيراً بالبيئة المحيطة التي حوله. والإبداع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبشر. فمتى ما وُجد إبداع وجد بشر، ومتى ما وُجد بشر وُجد إبداع.

المبدع والمجتمع

وعن الصراع بين المبدع والمجتمع يقول الأستاذ عبدالرحمن العبيّد إن المبدع عندما يقرر طرح فكرة جديدة، يخوض صراعاً لا يُحسد عليه.

فمجتمعاتنا لا تزال تقلل من شأن احترام وجهة النظر الأخرى، رغم أن ذلك يعتبر ركيزة رئيسة في نمو الذهنية الإبداعية عند الفرد.

ومما يلاحظ أن المجتمعات الغربية على سبيل المثال، تعنى بهذا الأمر كثيراً. وقد حسمته منذ وقت مبكر لصالح اكتشاف ورعاية الموهوبين والموهوبات. إذ زرعت في الذهنية الاجتماعية العامة مفهوم وجوب احترام وجهات النظر المختلفة وإن خالفت مشاربنا. وقبل فترة مضت، عرضت إحدى القنوات الفضائية برنامجا تم فيه مناقشة عروض تنافسية عالمية المستوى قدمتها كل من الولايات المتحدة و كندا لطفل لبناني الأصل -كندي الجنسية- يبلغ من العمر الخامسة، وذلك للتكفل برعاية موهبته الفذة.

وهذا الطفل قد نبغ مبكراً، وتحدث ثلاث لغات أساسية، هي الفرنسية والإنجليزية والعربية، وأتقن علم الرياضيات، وبرع في استخدام الأطلس، ويردد أسماء الله الحسنى كاملة في أقل من 90 ثانية، وبينما قدمت كندا عرضا باستمرار احتضانه وتوفير كافة سبل استمرار واستثمار نبوغه، عرضت الولايات المتحدة على الطفل منحه الجنسية الأمريكية واستقباله في إحدى مدارس الموهوبين التي سارعت بتقديم عروضها المغرية، وعرضت على أهله إقامة دائمة وفرصاً لحياة أفضل.

صفات المبدعين

يذكر الضيف أن هناك بعض الصفات التي يتسم بها المبدعون، والتي في الغالب تنطبق على الكثير من المبدعين كما أشارت الكثير من الدراسات.

وهذه المناقب، يستطيع الإنسان أن يعوّد نفسه عليها حتى ينمي الجانب الإبداعي لديه، وذلك على النحو التالي:

- أنهم في الغالب لا يكتفون بطريقة واحدة للحلول، وإنما يبحثون عن الأساليب البديلة التي تقدم لهم نماذج مختلفة من الحلول.

- لديهم تصميم وقوة عزيمة، وإرادة قوية للوصول لما يطمحون إليه.

- لديهم أهداف واضحة خطّطوا لها، ويريدون الوصول إليها بعزيمة وإصرار.

- يتجاهلون تعليقات الآخرين السلبية التي من شأنها إحباطهم والتقليل من عزائمهم.

- لا يخشون الفشل ولا يهابونه، بل إنهم يعتبرون كل تجربة غير ناجحة، هي مرحلة تعليمية جديدة يستفيدون منها بأفضل السُبُل.

- تتميز معظم أعمالهم بالتجديد وعدم التكرار، حيث إنهم لا يحبون الروتين.

- يبادرون قبل غيرهم، ويُقدمون على الأعمال، ويستحثون غيرهم للبدء بالمهام الجديدة.

- يتميزون بالإيجابية ومحاربة السلبية.

وهم كذلك يحبون التفاؤل في حياتهم وفي طريقة تفكيرهم.

معوقات الإبداع

يؤكد ضيفنا الأستاذ عبدالرحمن العبيّد أن معوقات الإبداع كثيرة يصعب حصرها.

منها ما يكون من الإنسان نفسه ومنها ما يكون من قبل الآخرين كالبيت والمدرسة والمجتمع المحيط العام.

وكذلك منها ما يكون من الجهات الرسمية التي قد تعيق العملية الإبداعية بكثرة إجراءاتها البيروقراطية.

وإليك جزء منها: خارج نطاق الفرد المبدع:

- عدم لعب الدور الكافي لوسائل الإعلام لتوضيح أهمية الإبداع وأثره على مسلك المجتمع العلمي والتقني والاقتصادي والسياسي والتربوي.

وكذا، أهمية المبدع ومدى حاجة المجتمع له، ومدى اعتماد مستقبل المجتمع والأمة عليه بعد الله تعالى.

- عدم لعب الدور الكافي لوسائل الإعلام لتوضيح ما يحتاجه المبدع من التعرف عليه، كالأنظمة والقوانين والإجراءات المختلفة التي تمس المبدع.

- الإطالة في الإجراءات الخاصة بتسجيل الملكية الفكرية وبراءات الاختراع لدى الجهات الرسمية، من شأنه توليد الكثير من الملل عند المبدع.

- عدم تشرّب المجتمع بالجرعة الكافية لفهم واستيعاب أهمية الإبداع وحاجة المجتمع له.

- عدم وجود مساهمات واضحة في التعليم العام وفي الجامعات توضح الخطوط العريضة التي من شأنها إرشاد المبدع إلى الطريق الصحيح.

- عدم وضوح الخطط والبرامج العامة والمتعلقة بالإبداع لدى الجهات المعنية بالإبداع والمبدعين (كالمؤسسات والمراكز الرسمية المعنية بالإبداع)، وأثر ذلك في نفسية الشخص المبدع.

ضمن نطاق الفرد المبدع

- الصحبة التقليدية للمبدع (أي أولئك غير المبدعين من الأصدقاء)، وما لهم من أثر في التقليل من شأن أفكار صاحبهم المبدع وبالتالي إحباطه.

- الإنطوائية وعدم الاختلاط بالآخرين، وكذلك الخوف من المجابهة والاصطدام بالغير، والخجل من الحديث مع الرؤساء والزملاء.

- الإيمان المطلق بأن الوظيفة هي مصدر الرزق، وأنه إن ترك تلك الوظيفة فقد يتعرض لبعض المواقف المعيشية الصعبة وبالتالي فإنه يقيد تفكيره في هذا الإطار.

- التمني بالوصول للكمال مع عدم خوض التجارب، والخوف الشديد من الفشل في كل خطوة يقدم عليها.

- الشعور الداخلي عند المبدع بالنقص وأن غيره أفضل منه.

وتتضح الصورة في الغالب عندما يواجه بعض التعليقات الداخلية التي في الغالب ما يتخوف منها ولا يرغب في مواجهتها.

- عدم الرغبة أو القدرة على التعلم، والاستمرار في زيادة محصوله العلمي.

والاكتفاء بما لديه من تحصيل علمي.

- عدم ثقة المبدع بنفسه.

وتجده كثيراً ما يتردد عند الإقدام على أمرٍ ما.

- المبالغة في القناعة بما هو فيه، والرضى الكبير بواقعه، وعدم وجود الرغبة نحو التطوير وتغيير الوضع الراهن إلى وضع أكثر إشراقاً وازدهاراً.

- الثبات في اتباع الخطط المرسومة والقوانين والإجراءات وعدم الرغبة في التعديل والتغيير. وكذلك عدم الجرأة على تجاوز بعض هذه القوانين والإجراءات.

- التشاؤم مما يفعله الغير وكذلك من الأحداث والنواميس الكونية والأقدار المختلفة. والنظر إليها من خلال العين السلبية.

- الاعتماد على الآخرين في معظم الأمور، والتبعية لهم بصورة واضحة، وعدم محاولة إطلاق إشارات المبادرة من جانبه، وعدم التفاعل مع الآخرين أو محاولة التأثير عليهم أو قيادتهم.

عوامل تنشيط الإبداع

وفي هذا الجانب يذكر الضيف بعض العوامل التي تجعلنا ننشط أذهاننا كأفراد نحو عالم الإبداع:

- مارس رياضة المشي في الصباح الباكر، وتأمل الطبيعة من حولك.

حيث إن التركيز والتأمل يولد الكثير من التساؤلات التي تستثير العقل، والتي تقوده إلى إطلاق شرارات الإبداع.

وكذلك تعلم رياضة جديدة حتى إن لم تمارسها.

فيكفي هنا اكتشافها وسبر أغوارها العلمية والعملية.

- تخصيص بعض الوقت للتخيّل والتأمل في أوقات مختلفة من كل يوم.

- أن يقوم المبدع بالاستشارة وعرض أفكاره على من يثق بهم لمساهمتهم في تقييمها ومناقشتها، وأن يقوم بإخضاع الفكرة للأبحاث والتجارب والاختبارات المركزة قبل طرحها أمام الناس.

كي تتجاوز بعض الانتقادات التي من الممكن أن تكون جارحة له.

- تنمية الفكر الخيالي لدى الإنسان، والابتعاد عن طرق التفكير التقليدية المختلفة والجامدة فكرياً ولغوياً.

فقد تتخيل نفسك يوماً أنك وزير، أو مدير عام لمدة يوم واحد، كي تعيش نفس الشعور. ومن ثم تستطيع أن تقيس مستوى شعورك في تلك الفترة.

- استخدم الرسومات والأشكال الهندسية والتوضيحية والبيانية، وذلك بألوان مختلفة كبديل للكتابة في طرح المعلومات التي لدينا على الآخرين.

- قبل أن تقرر البدء بعمل أي شيء، قم بتصميم وإعداد ودراسة وتقييم الخيارات البديلة التي من الممكن استخدامها في حالة فشل الفكرة الأصلية.

- القيام بتبادل مهام العمل مع أحد الزملاء وذلك ليوم واحد فقط كي تعايش وضعه ويعايش وضعك.

بهذا الأسلوب تستطيع أن تتخيل الفروقات التي بين عالمك وعالمه، وتستطيع بعدها مقارنتهما ببعضهما البعض، فتتعرف على الفروقات وتبدأ بتصميم العلاج لها.

- ارسم صوراً وأشكالاً فكاهية أثناء التفكير.

فقد تفتح لك تلك الصور آفاقاً رحبة من الخيال، وقد تجر لك الكثير من المعطيات التي تولد شرارة الإبداع.

- فكر بحل لمشكلة ما، ثم حاول تحديد إيجابيات وسلبيات ذلك الحل.

وقدم أفكاراً، واطرح حلولاً بعيدة المدى بحيث تدل من قريب أو بعيد على قدرتك على التفكير المستقبلي.

- تنمية قدراتك على المبادرة والتعامل مع النظرة النقدية للواقع دون وجود محظورات أو عوائق اجتماعية تعيقك عن القيام بذلك.

- توسيع مدارك الإنسان من خلال القراءات المتنوعة للعلوم والمعارف المختلفة، والخارجة عن نطاق التخصص العلمي أو العملي.

- قم من وقت لآخر بتغيير طريقتك في تأدية أعمالك المختلفة في العمل أو المدرسة أو البيت، وكذلك غيّر طريق سيرك بين نقطتين مختلفتين اعتدت أن تسير بينهما منذ فترة طويلة.

- قم بإنجاز بعض المهام التي اعتدت الاتكال فيها على غيرك منذ وقت طويل، ولم تمارسها منذ فترة.

كترتيب غرفة النوم، وغسل الملابس وكيها وترتيبها دونما الاعتماد على الآخرين.

- غير من ترتيب الأثاث في مكتبك أو غرفتك من وقت لآخر كما قدم مقترحات أخرى مماثلة في هذا الإطار.

التزامات المجتمع نحو المبدعين

ولكي تكتمل العملية الإبداعية، فإنه وكما أن هناك التزامات يجب أن يقوم بها الفرد نحو نفسه، فهناك أخرى تنطبق على المجتمع ومنها:

- وضع خطط شاملة لكافة الأفرع الإبداعية، بحيث تشمل جميع مناطق المملكة، للنهوض بالعملية الإبداعية وفق برامج مختلفة تم تصميمها لهذا الغرض.

- متابعة تنفيذ الخطط المرسومة والمعتمدة من قبل الدولة للنهوض بجانب الإبداع، ورعاية المبدعين.

- التعريف بشكل موسع بالإبداع وتشجيعه، والعمل على توفير البيئة المناسبة له في جميع المراحل التعليمية المختلفة.

- إيجاد المناخ الإبداعي المناسب الذي يحفز الإنسان بجميع مراحله العمرية على الجوانب الإبداعية.

واحتضانهم ورعايتهم والاهتمام بهم منذ بزوغ علامات الإبداع عليهم.

- متابعة التطورات والمستجدات الإبداعية بشكل دوري، ومشاركة المجتمع المحلي في المحافل العالمية، للاطلاع، ومن ثم إطلاع الآخرين على تلك المستجدات.

- العمل على تحسين وتنظيم أساليب العمل في المؤسسات والمراكز المعنية بالإبداع في المملكة بما يخدم المسيرة الإبداعية.

- تنظيم المعارض لعرض الأفكار الإبداعية، وإقامة المحاضرات والندوات التثقيفية والتوعوية، وكذلك ورش العمل الخاصة بالإبداع والمبدعين لنشر ثقافة الإبداع والممارسات الإبداعية.

- الحرص على تشجيع المبدعين ونشر إنجازاتهم في وسائل الإعلام المختلفة، وتكريم جهودهم، وتقديمهم للمجتمع وذلك للاستفادة منهم كمجموعات واعية للمشاركة في قيادة العمليات الإبداعية من خلال أفكارهم النيرة.








 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد