Al Jazirah NewsPaper Monday  29/10/2007 G Issue 12814
الرأي
الأثنين 18 شوال 1428   العدد  12814
رحلة الفقر والغنى من النضوب إلى الوفرة!!
أحمد بن علي عسيري-عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال

بدأت الحياة تلقي بكاهلها على جسده الغضّ، ويحملها بعزيمة نفس، وثقة روح، ومبادرة طموح، ولد في أجواء عصيبة تلف العالم من حوله، اضطرام ووحشية، وفقر وجوع، ولد محمد بن إبراهيم السبيعي في مدينة عنيزة عام 1333هـ، أي بعد قيام الحرب العالمية الأولى بسنة واحدة.

نشأ في كنف والدته الصالحة (نورة العماش) لكون والده مشغولاً بالتجارة والسعي في كسب لقمة العيش، وتأمين ضروريات الحياة له ولأخيه عبدالله ووالدته، وبعد فترة وجيزة توفي والده -رحمه الله- وتبدأ رحلة السبيعي (الابن) إلى مكة المكرمة -شرفها الله- مع عمه ناصر السبيعي وعمره أحد عشر عاماً.

ترك خلفه أماً رؤوماً، وأخاً رحيماً، يحاصرهما الفقر، ويحيط بهما الهم لفراقه، يزدردان الذعر عليه، وتغصُّ قلبيهما وحنجرتيهما على حد سواء من لوعة بعده. ووصل إلى مكة أرض الخير، ومنطلق البركة، ومحط البشرى، يحمل همَّ مساعدة من ترك خلفه، ولمن نأى بروحه فقط عنهما، ويسعى ما وسعه لذلك سبيلاً أن يحقق لهما الحياة الكريمة، والرعاية المديدة، والعناية الأكيدة.

درس في كتاتيب الحياة، ودلف إلى العمل الجاد، والتنظيم الإداري والتجاري مبكراً. لم يدرس ويحفظ، بل طبق نظرياً وعملياً. لم يختزن عقله فلسفة الإدارة، ولا المشاركة العملية، ولا ابتكار الجودة، بل رسم بمهارة وبراعة ذلك الكم الهائل الذي استقاه من والده وعمه - رحمهما الله - على أرض الواقع، يسنده في فعل ذلك محبة النجاح، وصدق النفس، وفوق ذلك كله رأفته ورحمته بأمه وأخيه.

لم يستنكف عن البدء من السفح إلى القمة، ومن الهبوط إلى الصعود، ومن المنحدر إلى العلو، وذلك ديدن الناجحين أمثاله، وهو بفعلته تلك يجسد صورة رائعة من صور الكفاح المنظم والعمل المتزن والإطلالة المتدرجة، ناهيك عن أنه يوجه رسالة لجيل اليوم مفادها ومغزاها وفحواها بالعمل الجاد، وإخلاص النية، والصدق مع النفس، تصل إلى ما تهفو إليه روحك، وتنال ما تتوق ذاتك له.

فتدرجه العملي من سقاء وبائع في محلات ناصر السبيعي، مروراً بعامل بناء ومشرف عمال، وانتهاء بمفتش طريق، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك، ولا مدخلاً للريبة، أنه يحب العمل ويلتزم بواجباته، ويقدر الحياة الجادة المبنية على الوظيفة وتحقيق الذات وإكساب الشخصية بمهارات الصقل والتنويع في ممرات الحياة الشائكة.

ثم يعود لعشقه الأول، وحبه القديم، وموعده المألوف مع التجارة من خلال إنابته عن سليمان بن غنيم في دكان ويكون الربح مناصفة فيما بينهما، وبعد أن عاد ابن غنيم ورأى النجاح الذي حققه ابن السبيعي قرر أن يتولى السبيعي ما بدأه ويفتتح ابن غنيم محلاً آخر في الرياض، واستمرت حوالي 28 سنة هذه الشراكة النافعة وفضت بكل الود والمحبة والصراحة والصدق على غير ما هو مشاع عن الشركات ذات الأموال الطائلة.

فعقد العزم، وصلب الإرادة، وقوى الشكيمة، على أن يقتحم مجال (الصيرفة)، مع من شايعه من أبناء جيله أمثال: صالح الراجحي وعبدالعزيز المقرن وغيرهما. وشاع عنه - أي ابن السبيعي - الصدق والأمانة كأخلاق، الخبرة والدراية كمهارات، وعرف عن مجموعته التجارية الانضباط والمهنية والدقة، وشقت طريقها، وشبت عن الطوق، واعتلت على عرش الصيرفة والتحويل مؤسسة بنكية رائدة تحمل شعاراً عنوانه الدائم، ومقره الثابت (نضع المعاملة في قلب المعادلة) ألا وهو بنك البلاد.

وهو يحمل همَّ مساعدة المحتاج، ونصرة المظلوم، وإعانة الملهوف، يعطي بهمة، ويمنح بوثبة، ولك - عزيزي القارئ - أن تسمع الحوار الذي جرى بين ملكين جليلين من ملوك وطني المعطاء ألا وهما الملك خالد والملك فهد - غفر الله لهما- جاء ابن السبيعي المعروف عن وطنيته الصادقة، ووفائه السرمدي، وحبه الثابت للوطن ولرجاله وللأسرة المباركة المهيبة (آل سعود الغر الميامين) إلى الملك خالد -رحمه الله- في مزرعته بالثمامة وسلم عليه، ثم سلم على الملك فهد (ولي العهد حينها) فقال الملك خالد للملك فهد: وش رأيك فيه؟ قال له:

له معي موقف لا أنساه عرفني بحبه لوطنه ورجاله وأتمنى أن يأتي اليوم الذي يطلبني حاجة وألبيها له، ولكنه لا يأتي إلا في حوائج وشفاعات حسنة لأناس آخرين.

وكما أن مؤسسته الخيرية الرائدة معروف عنها المساعدة والتكاتف والبذل والعطاء والإقدام بما يخفف الفقر والمسغبة عن كاهل المجتمع الذي هو جزء لا يتجزأ من حياة الشيخ السبيعي -وفقه الله- وعرف عنها معاضدتها لبرامج الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، وجمعية رعاية الأيتام، وجمعية رعاية المعوقين، وممرات الإحسان، وتيارات العطاء المبارك.

أردت أن أقول من خلال قراءاتي المتعمقة لسيرته الذاتية (رحلة الفقر والغنى) إن الرجال المخلصين الذين يملأ الإيمان جوانحهم، وتغشاهم السكينة، ويحرصون على أداء أعمالهم وفقاً لقاعدة: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) نجد فيهم الذكاء المتجدد، والفهم المحادي للصواب، واللمحات السريعة، والإرادة الفولاذية، والقدرة العجيبة على أن ينقل نفسه من قمقم الضعف والاستكانة القاتلة، إلى ردهات الفعل والصناعة المجيدة، مبحراً بنا جيل الشباب في فيافي الصباح، ومفازات الحكمة، وبيادر التجربة، لنقطف من خلال شجرته الباسقة عناقيد العنب، وأحلى الشهد، ولذة الطعام.

بقي أن أقول: إن ابنته هدى السبيعي دونت بيراع صادق، وبفكر واثق، لم تتكلف رغم أنه أباها الحنون، ولم تختل معلوماتها؛ لأنها نشدت الموضوعية، وبحثت عن المصداقية، وتحرت العلمية، في ثنايا كتابه الماتع والممتع معاً الذي روت فيه قصة فقير اغتنى، وقصة رجل اختبر فنجح، ويمم وجهه شطر المال والأعمال والإدارة فأتى على العالي منها وهي - أي الكاتبة السبيعية - بفعلتها تلك جعلت من نفسها عنواناً صادقاً لكل من عاش في كنف أب ينتمي لجيل الرواد أن يوثق حياته من باب أن للتاريخ قراء ذات يوم.

وأحسب أن الفكرة وصلت، والمعنى انرسم، والحقيقة تجلت، إذا تذكرت صيغتها أتذكر كل ابن وفي، وكل محب صادق، والأمل والفأل والبشرى زفتها لنا بأن الله - سبحانه وتعالى - سييسر لكل أب ناجح ومثالي ورائد ابناً أو ابنة بارة صادقة تجنح نحو الفعل الحميد، والصفة المميزة، والفكرة المثالية، في تسجيلها حياة من سخر نفسه وماله وجهده لخدمتها وإخوتها.

فاصلة: سيحكي التاريخ للأجيال أن السبيعي نجح بعزمه وجده وهمته بعد توفيق الله له!!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد