سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة - الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اطلعتُ على ما كتبه الدكتور: عثمان بن عبد العزيز الربيعة وفّقه الله، بعنوان (الحجامة لم تكن من سنن الأنبياء وهذا هو الدليل) في عدد رقم (12812) بتاريخ - 16 شوال 1428هـ، ووقفت على المقال بدقة وراجعت ما كتبه الأخ: إدريس يوسف، وتبيّن لي أن ما ذكره د. عثمان الربيعة ينبئ عن ضعف واضح بالعلوم الشرعية التي لا يجوز لأحد أن يتكلم فيها إن لم يكن عالماً بما يقول .. والرد من عدّة جهات:
1 - قوله: (الذي يدعو للعجب، فقد أراد أن يدلل على أن الحجامة من عمل الأنبياء فذكر ما رواه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس من سنن المرسلين الحياء والحلم والحجامة والسواك والتعطر) ولكن برجوع إلى كتاب الطب النبوي لابن القيم الجوزية فقد ورد الحديث برواية الترمذي بنص مختلف لم يرد فيه نص الحجامة) .. وأقول إن هذه ليست طريقة للرد على هذا الحديث!! لكن هذا الحديث ضعيف لأنه ورد من طريقين كلاهما ضعيف. لكن ما هي سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هي ما نُقلت عن فعله وقوله وسيأتي معنا الأحاديث التي أمرت بالحجامة والتي ورد فيها عظيم فضلها والتي ورد فيها اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً بها وقائياً وعلاجياً، بل الرسول صلى الله عليه وسلم ما مر على ملأ ليلة أُسري به إلاّ أوصوه أن يحتجم وأن يأمر أمته بالحجامة كما سيأتي بيانه، أفلا يدل هذا على سنيتها وفضلها؟ .. إذن هو من سند سيد المرسلين عليه السلام، وهذا كذلك ما ذكره أهل العلم العارفون، وأكدوا عليه بل قالوا لو أنّ إنساناً احتجم بدون علة فيه ليس إلا اقتداءً بالرسول عليه السلام لكان متبعاً للسنّة.
2 - حدد الدكتور زاده الله علماً حالات العلاج بالحجامة فقال: (وما الحجامة إلا طريقة من طرق هذا التداوي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم في حالات محدودة لعل أهمها وجع في الرأس ...) والرد على ذلك ينقسم إلى ..
أولاً: ثبت أنّ الرسول عليه السلام كان يحتجم مراراً إما لعلة واضحة أو لعلة غير واضحة وهو ما يسمى بالوقائية فاحتجم الرسول في رأسه لصداع كان به واحتجم في وركه من ألم أصابه واحتجم في قدمه من وثءٍ أصابه، هذا ما أصاب الرسول عليه السلام من أمراض واحتجم لها وورد في بعض الآثار التي يقوي بعضها بعضاً، لكن ما زالت ضعيفة عند بعض المحققين أنه احتجم من أثر السحر وأثر سم خيبر وهل يريد الدكتور أن تكثر أمراض الرسول عليه السلام حتى تتعدّد حجامته أكثر!!!
ثانياً: سأترك الدكتور والقارئ مع حبيبنا المصطفى عليه السلام المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ليتبين له مدى حدودية العلاج بالحجامة:
1 - روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري).
2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من احتجم لسبع عشرة مرة وتسع عشرة مرة وإحدى وعشرين كانت شفاء من كل داء) رواه أبو داود بإسناد حسن ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم بلفظ لسبع عشرة فقط.
3 - عن ابن ثوبان عن أبيه عن أبي كبشة الأنماري أنه حدثه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه ويقول مَن أهرق من هذه الدماء فلا يضره أن يتداوى بشيء لشيء) رواه أبو داوود وابن ماجه وصححه الألباني ثم ذكره في السلسلة الضعيفة لكن ذكر تصحيحه بعض المحققين.
4 - عن ابن عمر (أن رسول الله كان يحتجم في رأسه ويسميها أم مغيث) (صحيح الجامع 4928).
5 - أخرج الطبراني عن مالك بن صعصعة ورجاله رجال الصحيح كما قال الألباني (ما مررت ليلة أُسري بي بملأ إلا قالوا: يا محمد مر أمتك بالحجامة) السلسلة الصحيحة.
6 - عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم، فإنّ الدم إذا تبيّغ بصاحبه يقتله) أخرجه ابن جرير الطبراني في تهذيب الآثار وصححه وقال الألباني صحيح لغيره.
قال صاحب القاموس المحيط (البيغ) ثوران الدم وتبيّغ الدم هاج وغلب، وفي الهادي إلى لغة العرب باغ الدم ثار وهاج، كما هو الحال عند من به ضغط الدم (السلسلة الصحيحة).
7 - روى البخاري في صحيحه: (الشفاء في ثلاثة: شرطة محجم وشربة عسل وكية بالنار وأنا أنهى أمتي عن الكي).
وسؤالي: هل هذه الأحاديث تدل على محدودية العلاج بالحجامة؟؟!!
ثالثاً: ومن قال إن الحجامة في موضع واحد علاج واحد لجميع الأمراض؟ بل هي متعددة الطرق والمواضع باختلاف الأمراض فليس كل من يعرف شيئاً من الحجامة يستطيع أن يعالج بها كل الأمراض إلا بعد معرفة طريقة علاج كل مرض بالحجامة وهذا أمر واسع جداً يحتاج إلى بحث خاص بمفرده.
3 - قوله: (إلا أن مما يجدر ملاحظته أن محققي هذا الكتاب قد بينوا أن ما زاد على ذلك في ذكر فضل الحجامة ....... إنما ورد في روايات ذات أسانيد ضعيفة فيه إيهام للقارئ لأن كتاب الطب النبوي لم يقم أحد بتحقيقه تحقيقاً علمياً دقيقاً إنما هو من ضمن تحقيق العلامة - الأرنئوط لكتاب زاد المعاد الذي هو أفضل الموجود لكن ما زال جزء الطب النبوي ضعيف التحقيق، وقد تبين لدينا صحة الأحاديث كما ذكرنا في الفقرة السابقة.
4 - قوله: ثانيهما: أنه ليس هناك دواء يشفي كل الأمراض، بل إن لكل داء دواء .. من خلال استدلالاته بحديث (تداووا عباد الله فإنّ الله لم ينزل داء إلاّ أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله). وهذا عدم معرفة في كيفية الاستدلال ولا في طريقة الفتوى لأنّ الكلام الذي يقول جاء بصيغة الفتوى!! وأقول إن قوله عليه السلام: (ما أنزل الله داء إلاّ له دواء) حديث عام وفيه حث على البحث العلمي بشكل واسع ودقيق، لكن هناك أحاديث خاصة كقوله عليه السلام (الشفاء في ثلاثة ..) .. وقوله عليه السلام (الحبة السوداء شفاء لكل داء إلا السام).
فهل قول الرسول عليه السلام الشفاء في ثلاثة وقوله شفاء لكل داء يدل على ضعف وتحديد هذه العلاجات في بعض الأمراض كما ذكرت؟ .. كلا وحاشا فالرسول عليه السلام جاء بين العرب الذين هم أهل الفصاحة والبيان فليس أبين ولا أوضح من عظيم العلاجات في هذه الأمور. لكن الضعف العلمي وعدم البحث عن الحقيقة وعدم تطبيق سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم في العلاج واتباع سنن من كان قبلنا في العلاج هو الذي أدى إلى هذا الفهم الخاطئ لكثير من الأطباء المعاصرين .. إنّ قول الرسول عليه السلام وحيٌ يوحى كما ذكرنا وقول غيره نقطة في بحر العلم الإلهي. لكن سبقنا الغرب في البحث عن أسرار العلاج بالحجامة فوجدوا النتائج المذهلة لعدد كبير من الأمراض وأسلم بعضهم.
وكذلك طار كثير منهم بالأبحاث عن خصائص الحبة السوداء العلاجية فأسلم عدد من الباحثين لما وجدوا من المعجزات النبوية في هذا الحديث عن الحبة السوداء، ونأتي نحن المسلمين نقلل من شأن العلاجات التي أُوحِيَ بها إلى نبينا صلى الله عليه وسلم الذي هو أرحم الناس بأمته من البشر أطباء كانوا أو مطبوبين.
إنّ الإعجاز النبوي في العلاج جعل العالم يقف حائراً أمام هذا الكلام الذي سبق الطب الحديث بأكثر من ألف وأربعمائة سنة وعلاج الأمراض المستعصية بأسهل الوسائل مثل الحجامة وغيرها، وأقول ذلك لأني وقفتُ بنفسي، ليس على كتابات، بل على نتائج مذهلة من علاج الأمراض كانت الحجامة سبباً في تفريج همّ المريض، وبعث روح الأمل بعد اليأس والبسمة بعد الحزن، وليس هذا مجال البسط لهذا الكلام وهذه النتائج لأنها تحتاج إلى بحث طويل.
- وأخيراً وليس آخراً فالبحث طويل جداً .. أنقل أحد فتاوى علمائنا وهي لفضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء إجابة على سؤال نصه التالي:
فضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -: قرأنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الشفاء في ثلاثة: شربة عسل وشرطة محجم وكية بالنار) وقوله: (خير ما تداويتم به الحجامة) وقوله: (ما مررت ليلة أُسري بي بملأ من الملائكة إلا قالوا يا محمد مر أمتك بالحجامة) - وسمعنا فتوى بعض الأطباء أنه لم يثبت الفوائد العلمية لها وأنها كانت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تطور الطب الآن والعلاج أصبح مختلفاً .. وسؤالي هو: هل نستطيع أن نقول على كل شيء أثبته الرسول عليه السلام وأمر به أنه كان فقط على عهده أو أنه لم يثبت فوائده؟ وهل كلامه هذا هو من عنده أم هو وحيٌ يوحى؟ أفيدونا أفادكم الله؟
فقال فضيلة الشيخ الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول إلاّ حقاً، قال الله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.
والحجامة طب نبوي مستمر إلى يوم القيامة لا يغني عنه الطب الحديث .. انتهت الفتوى.
د. ماهر محمود صيدم
بكالوريوس الطب والجراحة العامة - دراسات عليا في العلاج بالإبر الصينية (الصين)