Al Jazirah NewsPaper Thursday  03/01/2008 G Issue 12880
مقـالات
الخميس 25 ذو الحجة 1428   العدد  12880
معاً لمواجهة الغلاء وتعزيز الاستقرار
د. فوزية عبدالله أبو خالد

بما أنني حين صدور الميزانية كنت أعاني من لفحة برد شديدة (زكام وبحة وكحة وارتفاع حرارة) فإنني لم أستطع مع الأسف المشاركة بالرأي كعادتي في احتفاليتها السنوية سواءً استبشاراً أو تساؤلاً.

وإذا كان الاستبشار بحجم ميزانية هذا العام تحصيل حاصل، حيث كان متوقعاً نظراً لارتفاع سعر برميل البترول في السوق العالمي طوال العام وارتفاع حجم الضخ من آبارنا المحلية بما يعني خاصة في ظل ما نستشعره إعلامياً من وجود حرص وطني على ترجمة ارتفاع دخل البلاد إلى ارتفاع في الميزانية العامة سواء لجهة سداد الدين العام أو لجهة التنمية والتطوير, على الأقل ليحقق المجتمع إنجازات تبقى آثارها للأجيال القادمة التي تعتبر زيادة الإنتاج صرفاً من حصتها المستقبلية في البترول الذي هو المصدر الأساسي لارتفاع الدخل الحالي, فإن ما فاتني هو طرح الأسئلة التي تدور في خلد المواطن حول مسارات توزيع الميزانية وصرفها. وكذلك طرح السؤال المستتر عادة وهو السؤال الأهم. أي سؤال مدى فعالية تنفيذ أوجه الصرف والتزام توزيعها، ومدى المتابعة والمراقبة العامة والمحاسبة الدقيقة لذلك. وأيضاً سؤال مدى صلاحية اللوائح والأنظمة وقدرتها على إحقاق بعض مستلزمات الإصلاح والتطوير الاقتصادي والاجتماعي الأساسية من التخطيط والتقنين والشفافية إلى الفعالية والمحاسبة مع محاربة جيوب الفساد إن وجدت. لعل هذه العوامل إذا اجتمعت تسهم في تحقيق عيش كريم وخدمات عادلة لجميع المواطنين أياً كان موقعهم على السلم الاجتماعي رأسياً (أغنياء ومتوسطي الدخل وفقراء)، وأياً كان موقعهم على الامتداد الأفقي للمجتمع في القرى النائية أو المدن.

وما كنت إلا سأعفي القارئ ونفسي ورئيس التحرير خاصة، من صداع الأسئلة لولا ما نمر به من موجة غلاء معيشي وإن كانت تكاد تعم العالم وبخاصة منطقة الخليج على امتدادها العربي، فإنني لا أظنها موجة طارئة أو قابلة للانحسار القريب أو العلاج بحسب قانون السوق من تلقاء نفسها كما ترى بعض تنظيرات الاقتصاديين؛ لأن ذلك وإن كان قد يصح على المدى البعيد فإن المواطن بحاجة لحل عاجل وفي المدى المنظور والمعاش وهذا يتطلب تدخل حكومة المجتمع أو البلد المعني لأن انسحابها من الموقف وتركه لعوامل السوق قد يصبح بحد ذاته مشكلة.

فاليوم تكاد تطالعنا الصحف كل صباح عدا عن ما تسكبه شتى مواقع ومصادر الشبكة العنكبوتية والفضائيات، وعدا عما يراه المواطن رؤيا العين ويلمسه لمس اليد للجمر من أصوات الاستغاثات من موجة التضخم وانخفاض القيمة الشرائية للنقد مقابل ارتفاع أسعار المعيشة للسلع الأساسية ولمتطلبات المعيشة الضرورية (كالسكن والماء والكهرباء والعلاج ووسائل النقل), وكذلك مقابل ارتفاع أرقام البطالة بين الشباب نساءً ورجالاً أو اضطرار الكثيرين لقبول وظائف ليس لحدها الأدنى سقف أو قاع.

ومرة أخرى (وما سأقوله هنا له علاقة بسؤال مدى دقة تنفيذ وتوزيع الميزانية رأسياً وأفقياً) يبدو لي ولأي متابع أن موجة الغلاء إنما دفعت برأس جبل جليد (المعاناة المعيشية) خاصة لبعض الفئات العريضة رقيقة الحال والمعسرة بالمدن وبعض الفئات في الأطراف ليظهر ويبان، وإلا فالجبل نفسه كان موجوداً. وزيارة خادم الحرمين الشريفين لأحياء الفقراء ومناطق حمى الضنك حين كان ولياً للعهد كانت تعبيراً عن إحساس مبكر بالاستغاثات التي زاد أنينها الآن.

والسؤال مع هذه الميزانيات العريضة عاماً بعد عام كيف يمكن أن تحل اقتصادياً إشكال الإعسار الاجتماعي بحيث لا يصبح سريع التأثر وقليل المناعة أمام مثل ما يحدث من ارتفاع الأسعار الجنوني هذه الأيام.

وبما أنني لا أحبذ إشاعة تلك الاستنتاجات المتسرعة التي غالباً ما تعتمد على القول بالعامل الواحد دون أن تكون قد قامت بتمحيص أو تحقيق رقمي ولو نسبياً لما تتحدث عنه, مثل الاكتفاء بترديد أن الغلاء مرتبط بجشع التجار ليس إلا، الذين يطمعون في خطف أي زيادة أو معونة حكومية على السلع تقدّم للمواطن فيضاعفون الأسعار فإنني أشير ولو في عجالة على من يجد في نفسه فضولاً أو مسؤولية ضميرية لمراجعة ولو عينة بسيطة من الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التي حاولت أن تبحث إحصائياً وتحلل علمياً بعض أوضاع السؤال المعيشي. ومن ذلك على سبيل المثال دراسة د. الجازي الشبيكي التي طرحت فيها بعلمية دقيقة سؤال خط الفقر وربطته بسؤال مدى كفاية المعونة الاجتماعية التي يقدّمها الضمان الاجتماعي لذوي الحاجة من المواطنين. وكذلك دراسة د. عزيزة النعيم التي دخلت بها حي الغالة وهو يعتبر مما يسمى أحياء الأحزمة الرثة وقامت ببحث أوضاعه الاجتماعية بحثاً ميدانياً محققاً إحصائياً.

وخلال أيام قليلة مضت، تابعت عدداً من التحقيقات الصحفية ومنها ما نشرته جريدة الحياة والشرق الأوسط وهذه الصحيفة في عدد الجزيرة 12859 بما يعد مؤشراً ذا دلالة على حاجة واقع الحال المعيشي إلى حل جذري على أكثر من مستوى وفي أكثر من فئة اجتماعية بما فيها الفئة المتوسطة التي تكاد تفقد توسطها لو سارت الأمور على ما هي عليه من تكالب التضخم المستورد والتضخم المحلي بما يستدعي عدداً من الإجراءات الضرورية والعاجلة لضبط حزام أمان للاستقرار الاجتماعي.

لقد وجدت من متابعتي أن شكوى معظم الناس الذين يواجهون معاناة المعيشة، ومعظمنا أصبح كذلك، تتركّز في الحاجة إلى سكن كريم أمام ارتفاع أسعار العقار في الإيجار ناهيك عن حلم الامتلاك, كما تتركز في الحاجة إلى علاج يوثق به، وفي الحاجة إلى دخل يفي بالحاجات الأساسية ومنها رسوم الخدمات التي لم تعد رفاهاً كفواتير الكهرباء والماء وتوفر المواصلات وطرق آمنة لها.

ومن واقع هذه الأصوات يمكن أن يستنتج بعض المطالب الملحة التي لا تنتظر التأجيل ومنها:

1- ضرورة تأمين الحكومة لسكن قابل للسكنى الآدمية الكريمة وليس (علب صلصة أو عشش صفيح) لكل مواطن يحتاج في بقعة آهلة من الوطن بنسبة ربحية بسيطة إن لزم وليس تركه ليتدبر أمره مع هوامير العقار في مخطط (قاف) بالتقسيط المرير وتراكم الديون فيما لا يعلم إلا الله كيف تم وضع اليد أصلاً على عدد من تلك المخططات.

2- تأمين علاج فعّال للمواطن وخاصة من الفئات الرقيقة في مشافٍ حكومية مهيأة لتقديم خدمة صحية جيدة. وأظن الرقم المعطى لجهة الصحة من الميزانية يسمح بذلك فيما لو أخذ المطلب مأخذاً لا يحتمل التأجيل ولم يبدد جزء من المال العام على بعض الخدمات والمظاهر الفندقية.

3- محاربة الواسطة وقطع دابرها وأي أشكال أخرى للمحسوبيات خاصة في مجال الخدمات الأساسية وهي (الصحة والتعليم والوظائف).

4- تبني الحكومة سياسة لمعونة السلع الأساسية تجعله يتوجه للمعنيين مباشرة بالمعاناة المعيشية.

5- توفير طرق مواصلات لا تتلف الأرواح التي تخاطر بالسير عليها.

6- خفض رسوم خدمات الماء والكهرباء.

7- تحرير الريال من سلة عملات معيقة.

8- مشاركة الفئة الموسرة في تحمّل بعض الأعباء الضريبية للدخل المرتفع والامتيازات إن رأت الحكومة ذلك.

9- دراسة رفع الرواتب على وجه الضرورة بنسبة تعادل مستوى ارتفاع الأسعار ووضع حد أدنى كاف وليس كفافياً للرواتب في القطاع الخاص والعام بما في ذلك رواتب المتقاعدين ورواتب الضمان الاجتماعي.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5148 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد