ترتبط الصين بعلاقات تاريخية وثيقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث نمت العلاقات التجارية بين الجانبين منذ عام 1980م وارتفعت بشكل ملحوظ عام 2000م بينما ارتفع حجم التبادل التجاري عام 2004م بمقدار 17 مليار دولار، كما صدرت الدول الخليجية ما قيمته 8.01 مليارات دولار واستوردت 8.9 مليارات دولار، كما أن حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج العربية ظل يرتفع بنسبة 40% كل سنة في الفترة من عام 1999م حتى عام 2004م، إلى جانب أن الصين صدرت خلال عام 2004م ما قيمته 10.44 مليارات دولار إلى الدول الخليجية واستردت ما قيمته 14.30 مليار دولار.
ولا شك أن العلاقات الصينية الخليجية تحكمها محددات عدة منها:
أولاً: فكرة الاحتياج الاستراتيجي بمعنى إدراك كل طرف احتياجه للطرف الآخر، فعلى الجانب الصيني تبرز أهمية نفط الخليج، حيث تعتمد الصين بشكل كبير على نفط المنطقة، فالاحتياج النفطي الصيني يبلغ 1.8% من الاحتياطي العالمي في حين أن عدد سكان الصين يبلغ 22% من إجمالي سكان العالم فالصين هي ثاني أكبر دولة في العالم من حيث استهلاك النفط بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 2000م استوردت الصين 51% من احتياجاتها النفطية من دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى الجانب الخليجي تحتل الصين مكانة متميزة لدى الاهتمامات الاستثمارية لدول الخليج، حيث يتمتع السوق الصيني بجاذبية كبيرة يرجع ذلك إلى الاستقرار السياسي الذي تتمتع به الصين إلى جانب أنها أكبر سوق استهلاكي في العالم وما يوفره ذلك من فرص ضخمة أمام الصادرات الخليجية من النفط والبتروكيماويات والأسمدة والألومنيوم.
ثانياً: موقف الطرفين من القضايا التي تهم الطرف الآخر فالدول الخليجية تدعم قضية الوحدة الصينية فلا يوجد أي تمثيل دبلوماسي بين الدول الخليجية وتايوان، كما أنها اعترضت على انضمام تايوان للأمم المتحدة وعلى الجانب الصيني يبرز دعم الصين للقضايا العربية التي تهم منطقة الخليج ومنها دعم القضية الفلسطينية.
ثالثاً: الميراث الإيجابي للعلاقات الصينية الخليجية والعربية بوجه عام فلم يكن للصين أي مطامع استعمارية في منطقة الخليج ولم يبرز أي خلاف مباشر أو غير مباشر بين الطرفين حول القضايا المشتركة.
التبادل التجاري
وإذا كان التعاون الاقتصادي الخليجي - الصيني أهم ركائز منظومة العلاقات بين الجانبين فإن التبادل التجاري يعتبر أهم محاور هذا التعاون، حيث يلاحظ وجود زيادة مستمرة في حجم المبادلات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين وإن كانت متذبذبة أحياناً فإن ذلك يرجع إلى التقلبات التي تشهدها أسعار النفط باعتباره المكون الرئيسي للصادرات الخليجية، وقد بلغ حجم المبادلات التجارية بين الطرفين 5 مليار دولار عام 1995م وارتفع هذا الحجم إلى 10.12 مليارات دولار عام 2000م إلى أن وصل في عام 2003م إلى 17 مليار دولار وزاد هذا الرقم إلى أن وصل إلى أكثر من 20 مليار دولار عام 2005م.
وأصبحت الدول الخليجية الست ثامن أكبر شريك تجاري للصين في العالم وثامن أكبر سوق في العالم للمنتجات الصينية، وتاسع أكبر سوق تصدير للصين، كما حقق الطرفان تعاوناً إيجابياً في مجال المقاولات والطاقة والاستثمار، إلى جانب أن هناك طلباً كبيراً على الأزياء والمنسوجات والإلكترونيات ومنتجات الاتصالات الصينية في السوق الخليجية، كما زاد الطلب على البترول والغاز والمنتجات الكيماوية في السوق الصينية.
دور النفط
مع النمو الاقتصادي المتسارع الذي تشهده الصين منذ سنوات حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي نحو 9.5% عام 2004م - أدى ذلك إلى زيادة طلبها على النفط، حيث إنها تعتبر ثاني أكبر دولة مستهلكة للنفط وأن استهلاكها للنفط خلال عام 2003م وصل إلى 100 مليون طن، كما أنها استحوذت على 30% من إجمالي الزيادة في الطلب العالمي على النفط خلال عام 2004م، وهنا تبرز أهمية العلاقات التبادلية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي التي تعد مصدراً مهماً للطاقة في العالم، حيث بها 45% من الاحتياطي العالمي للبترول كما أنها تنتج نحو 20% من نفط العالم.
وقد بدأت الصين استيراد النفط من دول الخليج في عام 1995م وفي عام 2003م استوردت الصين من الدول الخليجية نحو 28 مليون طن نفط أي 30% من وارداتها النفطية، وإذا كانت الصين اليوم لا تستورد سوى 2.5 مليون برميل يومياً من النفط فمن المتوقع أن تبلغ احتياجاتها 9 ملايين برميل يومياً عام 2025م، بذلك ستكون منطقة الخليج أحد أهم مصادر إمدادات الصين من النفط خلال تلك الفترة ومن المقدر أن تعتمد الصين على النفط الخليجي بنسبة 95% من إجمالي استيرادها من الخارج خلال السنوات القادمة.
الاستثمارات المشتركة
بلغ إجمالي المشروعات التي أقامتها الشركات الصينية في البلدان العربية 190 مشروعاً حتى عام 2003م بلغت قيمتها نحو مليار دولار وتتركز هذه المشروعات بشكل أساسي في كل من الإمارات العربية المتحدة، وفي مشروعات النفط بالسودان، والمناطق الصناعية الحرة في مصر، وفي الوقت نفسه تبدو الاستثمارات الخليجية في الصين محدودة أيضاً، حيث إن عدد المشروعات الاستثمارية العربية مجتمعة لم يتجاوز 425 مشروعاً حتى عام 2004م بقيمة مليار دولار، وقد جاء نصف هذه الاستثمارات من الإمارات والباقي من السعودية والكويت ومعظمها مستثمرة في الغاز الطبيعي والأسمدة والكيماويات والعقارات، ومن المشروعات الخليجية الكبيرة نسبياً في الصين: مشروعا استثمار الغاز الطبيعي ببحر الصين الجنوبي باستثمار كويتي، ومشروع العقارات في (شانغهاي) باستثمار من الإمارات.
وأخيراً يمكن القول: إن العلاقات الاقتصادية الصينية - الخليجية علاقات تبادلية وثيقة فمنطقة الخليج العربي إحدى أهم البقاع الرئيسة في العالم لتصدير الطاقة (النفط - الغاز) والصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية لذلك فمن المنطقي دعم آفاق التعاون بين الجانبين من خلال زيادة الاستثمار انطلاقاً من أن كل طرف في احتياج للطرف الآخر وخصوصاً خلال السنوات القادمة، ولعل ما سوف يتوج هذه العلاقات الاقتصادية هو نجاح المفاوضات الصينية - الخليجية بشأن توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين الجانبين.
asa5533@hotmail.com