Al Jazirah NewsPaper Friday  01/02/2008 G Issue 12909
الجمعة 24 محرم 1429   العدد  12909
تدهور حاد في السيولة المتداولة تنعشه التداولات القوية لبترورابغ
التضخم المحلي والركود الأمريكي... يبطئان صعود المؤشر

د. حسن الشقطي

أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع على صعود رابحاً حوالي 315 نقطة، ورغم ذلك فقد اتصفت حركة المؤشر باضطراب شديد ما بين صعود وانخفاض، جاء حاداً بعض الأيام..

ويعتبر هذا الأسبوع هو الثاني بعد أزمة الانحدار التي شهدها السوق في ضوء أزمة الهبوط الحاد للبورصات العالمية في ظل مخاوف الركود للاقتصاد الأمريكي، تلك الأزمة التي خلفت وراءها خسارة بلغت حوالي 2557 نقطة، أو ما يفوق الـ368 مليار ريال.

ورغم تجاوز البورصات العالمية الأقرب لموطن الأزمة لهذه المحنة الشديدة، ورغم ارتدادها بنسب ما بين القوية والمتوسطة، ورغم صعود البورصات الإقليمية القريبة من السوق السعودي بنسب ملموسة منذ ذلك الحين، إلا أنه ورغم ارتداد السوق هذا الأسبوع نسبياً فقد بدا ضعيفاً وغير متماسك، الأمر الذي ظهر بوضوح في اضطراب وضعف معدلات السيولة اليومية المتداولة ما بين 11 إلى 20 مليار ريال وخاصة إذا استبعدنا منها قيمة التداول الكبيرة على سهم بترورابغ الوافد الجديد.

فما الذي حدث؟ هل هي الأزمة العالمية أم أزمته المحلية التي بدأت بنتائج سابك؟ أم أنه حدث بفعل التزاوج بين الأزمة العالمية وبين أركان أزمته المحلية رغم اختلاف هويتهما؟ أم أن السوق دائماً ما يحن لمساره الهابط؟

ومن جانب آخر، هل التضخم المحلي يمكن أن يكون له دور سلبي في الضغط على سوق الأسهم؟ أم أنه يفترض أن يعطيه مزيداً من القوة؟ وما بين هذا التضخم المحلي وذاك الركود العالمي، وما بين الاختلاف والتباين الشديد في السياسات المعالجة لكل منهما في الداخل والخارج يعيش سوق الأسهم المحلي مفتقداً للون الواحد؟ فإلى أين يسير؟ هل يسير في مضمار سياسة كبح التضخم والتكميش التي بدأت تتضح معالمها في الداخل؟ أم في سياق سياسة توسعية بتخفيض مستمر ومتواصل في أسعار الفائدة العالمية؟

أسبوع رمادي للمؤشر رغم الصعود

تلبد سوق الأسهم هذا الأسبوع ببعض الضبابية، حيث سار في مسار صعودي خلال أربعة أيام بمعدلات ارتفاع معتدلة ما بين 0.8% إلى 3.78%، توسطها هبوط قوي يوم الاثنين خسر خلاله 4.1%... ورغم أن حصيلة الأسبوع تمثلت في ربح صافي لنحو 315 نقطة، إلا إن أسبوع التداول يحسب على أنه أسبوع اضطرابي بدليل التباين الواسع الذي شهدته معدلات السيولة المتداولة يومياً، والذي تراوحت ما بين 11 مليار ريال يوم السبت الماضي، حتى 19.7 مليار يوم الأحد، وانحدرت مرة ثانية حتى وصلت إلى 12.4 مليار يوم الثلاثاء.

أسهم عديدة تتداول

يومياً والحصيلة.. لا تغيير

من الأمور الملفتة خلال هذا الأسبوع أنه لا يمر يوم، إلا ويشهد السوق عدداً من الأسهم تكون محصلة التغير في تداولها صفراً، وهذا يشير إلى حالة من الركود على تداول هذه الأسهم التي تعادل العرض والطلب عليها أو ربما بعضها لم تشهد حركة هامة.

على سبيل المثال يوم الأربعاء الماضي رغم أننا نعرف أن عمليات المضاربة تشتد فيه مقارنة بالأيام الأخرى، إلا أن 12 سهماً لم يطرأ عليها أي تغيير.

السوق يخسر 21.5%

ويعوض 3.6% فقط منها

على مدى الفترة من 12 يناير وحتى 22 يناير خسر السوق حوالي 2557 نقطة بما يوازي 21.5% من قيمته، ثم ارتد منذ 23 من نفس الشهر ليبدأ في التماسك والهدوء، إلا إنه لم يتمكن سوى من تعويض جزء طفيف من هذه الخسائر لم يتجاوز 336 نقطة.

أي أن السوق لا يزال خاسراً لحوالي 2220 نقطة حتى الآن.

سهم بترورابغ... هل هو منقذ السوق أم سبب أزمته؟

منذ الأحد الماضي، بدأ تداول سهم بترواربغ، وقد تمكن السهم من الإغلاق في يومه الأول على ربح بحوالي 149% عندما أغلق على 52 ريالاً، ثم هبط خلال اليومين التاليين ليغلق على 50 ريالاً، وأخيراً أغلق يوم الأربعاء على 54 ريالاً.. إلا أن ذلك ليس هو المشكلة، إنما وضعية السهم في السوق ككل.. فالبعض يثير الجدل حول هذا السهم على أنه هو السبب في هبوط المؤشر نتيجة تعمد كبار المستثمرين ترهيب صغار المتداولين نفسياً ومن ثم إبعادهم عن كعكة بترورابغ.

في المقابل يوجد فريق آخر يعتقد أنه لولا وجود بترورابغ في السوق هذا الأسبوع كان يمكن أن نشهد مستويات تداول دون عشرة المليارات، ومن ثم فإنه كان من الممكن إلحاق مزيد من التدهور للمؤشر.

برأيي أن الرأي الثاني الأكثر منطقية لأن القيمة المتداولة لبترواربغ بلغت يوم الأحد 11 ملياراً تقريباً، في حين أن قيمة تداول السوق ككل لم تتجاوز نحو 20 ملياراً، أي أن بترورابغ ساهمت بأكثر من 55% من قيمة تداول السوق.

لذلك، نرى حسن اختيار الهيئة لموعد تداول بترورابغ.

أين ذهبت سيولة السوق؟

رغم ضبابية السوق، إلا أن الأمر المؤكد أن قدراً من السيولة قد خرج منه مع ما يقال إنه بسبب أزمة الركود الأمريكي ولم يعد حتى هذه اللحظة.. حتى وصلت السيولة المتداولة في أسبوع الأزمة إلى مستوى 74 مليار ريال، إلا إنها لم تتجاوز نحو الـ46 مليار ريال خلال الأسبوع الأخير (لو استبعدنا قيمة تداول بترواربغ) حتى رغم ارتداد المؤشر.. وهو ما يعني أن السوق يمر في حالة من الركود بدأت تتزايد تدريجياً، إلا إننا لم نلمسها جيداً نتيجة طغيان القيمة المرتفعة لتداول بترورابغ... ولكن أين ذهبت هذه السيولة؟ وهل هي في انتظار هبوط جديد لكي تدخل؟

الأزمة المحلية للسوق

ودور قياديي السوق (سابك والراجحي) فيها؟

رغم كل ما يثار من أقاويل حول دور أزمة الاقتصاد العالمي على حال السوق، ورغم إدراكنا لوجود بعض الدور لها، إلا أن هناك أزمة محلية ربما تكون سبقت العالمية إلى توطيد مخاوف المستثمرين المحليين.. وهي إعلان نتائج أعمال سابك التي أطفأت وهج صعود المؤشر، وتركته خاوياً إلى أن جاءت أزمة الركود العالمي وأخذته في طريقها إلى هبوط قوي..

هدأ بعده سعر سابك كما لو كان قد اطمأن لمكانه الجديد..

إن إغلاق سابك على 165 ريالاً بعد وصولها إلى 222 ريالاً يثير مخاوف بأن السهم لن يتحرك عن مستويات الـ 170 ريالاً.. وإذا أضفنا الوضع المشابه للراجحي لعلمنا أن السوق يفتقد الآن للقياديات ومن ثم يكاد يفتقد للاستثمار الحقيقي.

الأزمة العالمية.. والسياسات الخليجية

بجانب هذه الأزمة المحلية توجد أزمة أخرى تتمثل في مخاوف المستثمرين في سوق الأسهم، وهنا نقصد كبار المستثمرين الذين يأخذون في اعتبارهم الوضع الاقتصادي العام للدولة، أولئك الذين يعيشون حالة من القلق نتيجة التباين بين السياسات المحلية عن تلك العالمية بما يضيف ضبابية نتيجة تعاملهم من منظور توسعي في البيئة العالمية ومنظور انكماشي في البيئة المحلية.. فربما لم تمر معظم الاقتصادات الخليجية بمثل هذه الفترة من التضاد بين سياساتها المالية والنقدية ومثيلتها العالمية، ولا سيما فيما يتعلق بالتخفيض القوي والمتواصل في سعر الفائدة الأمريكي الذي يستهدف إحداث جرعات تحفيز قوية للاقتصاد الأمريكي الذي بدأ يتجمد ويرسو في قاع محيطات الرهن العقاري الهائجة.. فتلك الاقتصادات الخليجية بدأت منذ مطلع 2007 تستشعر بالخطر القادم مع التضخم المستفحل في أسعارها، لذلك بدأت معظمها تقلص من نفقاتها وتسير بسياسة ضبط لميزانياتها الحكومية.

وإذا كانت كثير من المتغيرات الاقتصادية ستستجيب بكفاءة لهذا الضبط الداخلي لأن هويتها محلية، فإن أسواق الأسهم بدأت تعاني من هذا التباين والاختلاف، فأسواق الأسهم محلية الاستثمار (وربما دولية)، ولكنها دولية التفاعل والتأثير.

وحتى رغم معرفتنا بأن سوق الأسهم السعودي مثلاً بعيد إلى حد ما عن الاستثمارات الأجنبية، إلا أنه في ذات الوقت يستيجيب ويتفاعل مع قرنائه من الاستثمارات الأجنبية التي قد ترافقه أو ترتبط به حتى ولو خارج السوق المحلي. إن سوق الأسهم السعودي لا يزال تائهاً ما بين التفاعل مع سياسة انكماشية محلية وسياسة توسعية عالمية.

تخفيض جديد في الفائدة الأمريكي:

أعلن الفيدرالي الأمريكي عن تخفيض جديد بنصف نقطة ليصبح سعر الفائدة 3%، وهو ما يوصل الدولار إلى مستوى اللاقيمة بنكياً فاحتفاظك به أفضل من إيداعه بهذا العائد الضعيف.. ومن المعروف أن تخفيض سعر الفائدة يقود إلى تخفيض تكلفة الاقتراض، ومن ثم يحفز على مزيد من الاقتراض، وبالتالي يحفز على طرح مزيد من السيولة في السوق المحلي، مما ينعش النشاط التجاري والاقتصادي بعيداً عن البنوك أو الودائع، وهذا هو الوضع الذي يسير فيه الاقتصاد الأمريكي.. على العكس تماماً في السوق السعودي، فإن هناك تضخماً متنامياً، متمثلاً في ارتفاع قوي في أسعار السكن وفي أسعار المواد الغذائية وغيرها، بدأ يستحضر قوى انكماشية للسيطرة عليه، ومن ثم فإن السياسة الحالية تقوم على اتجاه للتكميش، وهنا ينبع التنافر، ذلك الذي يقع في عمقه المستثمرون في سوق الأسهم.

قيمة الدولار وأسعار النفط

تقودان مخاوف عالمية إضافية

أيضاً يشهد السوق العالمي حالياً متغيرات هامة تؤثر في سوق الأسهم أبرزها تدهور قيمة الدولار، وتباين التكهنات بأسعار النفط العالمية.. فاليوم لا يختلف اثنان على أن الدولار كل يوم يخطو خطوة ناحية هاوية غير معروفة، يدعمه فيها ضعف اقتصادي عام، وركود قد يتحول في أي لحظة إلى كساد.

هذا الدولار الضعيف بات يؤثر سلباً على قيمة الريال التي تبدو أنها مقيمة بأقل كثيراً من قيمتها الحالية، وهذا الأمر يسري على معظم دول مجلس التعاون، والتي بدأت قبل أمس تتضح ملامح خطوة شبه مؤكدة للتنصل عن الدولار من جانب قطر، والتي لا مفر من أن الجميع سيحز حزوها قريباً.. أما أسعار النفط فإنها تتخذ مساراً آخر يقوم على الضبابية والاضطراب، فرغم القمة الكبيرة التي هو عليها الآن، ورغم وجود معززات لمزيد من الارتفاع، إلا إن ركود الاقتصاد الأمريكي قد يؤدي إلى انحدار ولو مؤقتاً لها.. هذان الإثنان يؤثران بقوة على استقرار سوق مثل السوق السعودي لارتباط اقتصاده بهما بقوة.

ارتباط السوق بالعوامل المحلية

رغم كل ماقيل فإن الصعود وانتعاش السوق هو رهن بمتغيرات محلية بحتة، مثلاً تحرك سابك أو صدور أي تصريح مطمئن منها قادر على استعادة المؤشر لمساره الصاعد القوي وكفيل بالعودة إلى آخر قمة بلغها وربما تجاوزها.. ولا بد أن نعلم أن السوق خلال الشهرين المقبلين مرتبط بثلاثة أسعار لسابك: 94 ريالاً كأعمق قاع لها، و155 كسعر عادل مقبول، و222 كأعلى قمة لامسها، والجميع ينتظر السعر الذي سيختاره السهم ليحدد من خلاله اتجاه وقيمة مؤشر السوق.

محلل اقتصادي


Hassan14369@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد