Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/04/2008 G Issue 12973
السبت 28 ربيع الأول 1429   العدد  12973
اليوم الوطني وجيلنا الصارخ
فوزية البكر

لا أظنكم تتوقعون أن يكون حديث اليوم عن اليوم الوطني رغم أنه أحد أجمل الاحتفالات التي سُمِحَ لنا أخيراً بالتعبير عنها لكنني اليوم سأتحدث عما حدث يومها ولم تتحْ الفرصة لي آنذاك للحديث عنه ودلالاته المجتمعية والسياسية.

كما نعرف جميعاً كانت الشوارع وخاصة تلك المتفرعة من شارع العليا في مدينة الرياض أو حول منطقة مبنى المملكة في حالة يرثى لها

من زحام السيارات ولم يكن أمامنا خيار سوى التأمل لما يحدث خارج السيارة ومحاولة تحليله فالشباب وبفعل ساعات الانتظار الطويلة أمام الإشارات بدأوا يقفزون من سياراتهم ويرقصون في الشارع العام ورأيت أن ذلك شيئاً ظريفاً يناسب هذا العمر طالما لم يتعرض الآخرون للخطر (تعرض الشباب للفتيات مثلاً) كما لم يتم التعرض للممتلكات العامة.

وقد استغرق الأمر طويلاً حتى تمكنت من الوصول للمجمع ومنه إلى عالم المرأة التي كانت تغص عن بكرة أبيها بالشابات والعائلات والأطفال.

بدا أن الجميع في مزاج عام جيد وهو الأمر الذي نادراً ما يحدث لدينا فمظاهر التعبير العامة غير مقبولة لشعب رصين تعلَّم أن يتعوذ بعد ضحكة من القلب. كانت باقي طوابق المجمع التجاري تكاد تختنق لكثرة روادها للدرجة التي دفعت إدارة المجمع إلى إغلاق الأبواب أمام الراغبين في الدخول.

الفتيات كن يرتدين الأخضر أو يربطن شعورهن بالعلم بل إن بعضهن قمن بتنفيش هذه الشعور ورشها باللون الأخضر وتجمعنا كأبضايات في مجموعات لا تقل عن خمس إلى سبع فتيات وبخطوات طويلة وبها الكثير من الاستعراض الطفولي أخذن يخببن ممرات المكان ذهاباً وإياباً وبدأ الصراع بينهن وبين الحرس للنزول للطوابق الأخرى من المجمع التي غرقت هي الأخرى بأكوام من الشباب والشابات الذين بدأوا في الصراخ الجماعي وكان واضحاً أن أحد أفراد الهيئة يلاحق مجموعة أو أن شيئاً ما يحدث لم نتمكن من رؤيته لعلو حوائط مملكة المرأة وفجأة تهادت صوت صرخة جماعية هادرة من الطابق السفلي لتجيبها صرخة أخرى من الطابق الثاني ثم لتجيبه الفتيات من عالم المرأة في الطابق الثلث بصرخة مماثلة وهكذا في تناغم عجيب من خلال هذه الأوركسترا الشبابية العفوية التي لم يعد لها لكنها تحدث فعلاً!.

وفجأة تهادت مجموعة من الفتيات ضاحكات ومنتشيات حول قدرتهن على تحدي رجال الهيئة و كيف ساعدن صديقة لهن على الهرب من أسرهم بل لقد فعلن كذا وكذا وكانت النشوة وصرخات الانتصار تتقاطر من أفواه الفتيات الجائعات لأحاديث مثل هذه والشعور بالتفوق تغمر المكان.

تساءلت كيف ينظر هذا الجيل لمفهوم السلطة وكيف يعرف حدودها وما هي الحقوق التي يفترضها لنفسه مقابل حقوق الآخرين والمؤسسات العامة بما فيها الشرطة العامة والشرطة الدينية.. كان هناك خلل واضح في رؤية الطرفين لحدودهما ففي حين كانت الهيئة على سبيل المثال تفترض لنفسها مساحة واسعة في تحديد المقبول وضبط معايير السلوك العامة نأتي إلى جيل اتسعت رؤيته لمفهوم حقوقه العامة والخاصة والمساحة التي يمكن أن تمنح للأفراد (حتى الوالدين) أو المؤسسات العامة كالهيئة في فرض شروطها عليه.

أتساءل كيف يمكن لمؤسساتنا العامة سواء كانت المدرسة أو حتى المنزل أو الهيئة أن تتعامل مع هذا الجيل بمفرداته المختلفة و كيف يمكن لها أن تستوعب الفروق الثقافية والمعرفية التي ألقت بهذا الجيل إلى محيطات من المعرفة والتفرد لم تكن متاحة لما سبقها من أجيال لم تتمكن من تعريف علاقتها بالآخرين ولا التعريف أو الدفاع عن حقوقها مقابل مبالغة الأطراف الأخرى سواء كانوا أفراداً من العائلة أو معلمين أو رجال هيئة في ممارسة هذه الحقوق.

تبدو الصورة اليوم مقلوبة فالمعلمون يشكون (قلة أدب) هذا الجيل والهيئة بدا أنها في موقف لا تُحسد عليه في ذلك اليوم كما أن الكثير من الوالدين بلا شك يقفون حائرين في وجه هذه التقلبات العاطفية والسلوكية التي تعصف بالجيل بحيث يبدو مفهوم السلطة مضطرباً في مختلف أوجه التعامل سواء مع المحيط الخاص أم مع المؤسسات العامة.

إن هذا ببساطة يعني الحاجة إلى تعريف جديد لمفهوم السلطة وحدودها بالنسبة لكافة الأطراف ذات العلاقة من آباء ومعلمين ورجال هيئة وسلطات عامة تحدد درجة المشاركة العامة كي نتمكن من استيعاب المتغيرات الثقافية التي ستفرض نفسها علي أية حال رغبنا في ذلك أم لعناه.

أظن أن الوقت قد حان لنعي بأن مفاهيم السلطة المطلقة التي تتدرج من الأب إلى الابن ومن الزوج إلى الزوجة ومن شيخ القبيلة إلى الرعاة ومن رجل السلطة إلى المواطن قد تهاوت في شكلها المطلق والحتمي الذي تعارفت عليه هذه الثقافة لزمن طويل.

اليوم تخضع أي سلطة إلى المسائلة والمحاكمة.. فلم يعد الأب قادراً على سبيل المثال على إصدار الأوامر وتوقع الطاعة المطلقة، إلا إذا كان الطرف المتلقي وهم الأبناء يعتقدون بمنطقية الطلب والحال نفسها في المؤسسات التعليمية التي يتعرض المعلمون فيها إلى تحديات كبيرة فيما يتعلق بحدود سلطة الضبط التي يفترضونها في الفصول الدراسية إضافة إلى التحديات التي نشهدها في علاقة المؤسسات العامة بالمواطن وفي حدود كل منهما في الفضاء العام.

اليوم تهاوت مفاهيم السلطة المطلقة وبدأت سطوة القبيلة في علاقتها بالفرد في التذبذب وظهرت مفاهيم تنتمي لحضارة اليوم ومكتسباتها في ما يتعلق بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات بما يؤكد القيمة الإنسانية لكل شخص بغض النظر عن جنسه ولونه وعمره مع اختلاف الواجبات والحقوق لكل طرف بحسب أدواره وموقعه.

هذا الجيل الذي رأيته في جنبات مجمع المملكة في اليوم الوطني ليس إلا منتج لهذه الحضارة وثمرة لجهدها ومن الطبيعي أن يتبنى طروحاتها فيقف في حسم ضد مفاهيم السلطة المطلقة التي ما زالت مؤسسات كثيرة منها التعليمية ومنها العامة ومنها الدينية تعجز عن استيعاب التغير فيها مما يعني إساءة لاستخدام الحقوق وإساءة فهم للواجبات من كافة الأطراف.

إن المطالبة بالتوازن أسهل كثيراً من العمل على تحقيقه ولذا ورغم إدراكي بأنها مسالة صعبة جداً لأنها تتطلب التغيير الذي يبدو كمفهوم فلسفي مرفوض من الأصل فما الحال حين تكون مرغماً على تبنيه؟.

لكن يجب أن نتذكر بأننا لا نملك خياراً أمام هذا السيل الهادر من التغيير الذي سيجرفنا إن لم نحسن إدارته ولذا فما نحتاجه هو التفهم والتوازن وتغيير الإستراتيجيات في التعامل مع الجيل الجديد.. الذي سيفرض إرادته علينا إن لم نسعى إلى تفهمه وقبول مفرداته ضمن الوقت الذي يفرضه هو وليس نحن.!




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد