لو قلت بأن صلتي بالشيخ القاضي والنسابة والأديب المعمر حمد بن إبراهيم الحقيل - رحمه الله - تزيد على الثمانين عاماً لرمقتني الأعين بالتعجب والاستفهام! أو لربما طالبتني الألسن بالكف عن الكلام! أو اعتبرت ما أقوله نطقاً بأضغاث أحلام! مرت على شاب مثلي بسلام.
ولكني رغم هذا ما زلت أصر وأتشبث بما قلت وأن تلك الصلة الزمنية ثابتة بطولها وتاريخها البعيد كل البعد عن تاريخ مولدي وإنما هي الفارق العمري بيني وبين المرحوم كما ينبغي أن يقال!؟
ومع ذلك لا يزال إصراري على قدم الصلة بالشيخ حمد الحقيل - رحمه الله - قائماً وبنفس الفترة الزمنية التي حددت وربما تزيد!
نعم فقبل أكثر من ثمانين سنة نشأت صحبة وصداقة متينة بين شابين متقاربين في العمر وفي حي من أحياء (المجمعة) القديمة جمعتهما ألفة ومحبة صادقة لم تكن ناشئة معهما فقط وإنما ورثاها أيضاً عن آبائهما من قبل.
أحد الشابين هو (الصلة الزمنية) التي تربطني بالشيخ حمد الحقيل ولو قلت بأنه (شخصي) لما بالغت مرة أخرى!
فذلك الشاب هو جدي محمد بن حمد بن سليمان العسكر وأما الشاب الآخر فكان حمد بن إبراهيم بن عبدالله الحقيل - رحمهما الله رحمة واسعة - وقد توفى جدي محمد بن حمد بن سليمان العسكر في المجمعة عام 1391هـ- وتوفي شيخي حمد بن إبراهيم بن عبدالله الحقيل في الرياض عام 1429هـ- ويا له من زمن فارق بين اللقاء والفراق ويا له من زمن سابق حين النشأة والصحبة زمن الالتقاء!؟
كان لقائي الأول بالشيخ حمد الحقيل قبل سنوات خلت تسبقه ذكريات ومواقف موروثة بالنسبة لي وهي التي أعطت ذلك اللقاء تميزاً وبعداً تاريخياً منذ اللحظة الأولى وأيضاً كان ذلك اللقاء نتيجة مصادفة لم أكن أحسب لها حساباً وهذا ما أعطاها تميزاً آخر وجمالاً إذ: ( رب صدفة خير من ألف ميعاد) كما يقول المثل.
نظر إليَّ في بداية (اللقاء الجميل) نظرة تمعن وتفرس كأنه يسترجع أرشيف ذكرياته في حقيبة الماضي وبعد ذلك صافحني مصافحة ازدادت شدتها وقبضتها إثر تعرفه على اسمي كاملاً بحيث لم أستطع نسيان أثرها عليَّ إلاّ بعد حين! وكان حاله - رحمه الله - كمن عثر على شيء ثمين فقده منذ زمن طويل!!
وبعد ذلك جلست وإياه جلسة تذكر وترحم على الماضي واسترجاع لسجلات تاريخية أولها تلك الصلة والصداقة التي تربطه بجدي - رحمه الله - وذكرياته معه وتخللها بعض الأبيات الشعرية التي بدأته بمطلعها من ذكرياتي الموروثة فأكملها هو من ذاكرته المعاصرة.
وبعد ذلك سار النقاش في مواضيع متعددة في الأنساب والتاريخ والأحداث المتعلقة في بلدنا (المجمعة) بشكل خاص.
وجرى الحديث عن مؤلفاته خاصة (كنز الأنساب) و(صيد القلم) وقصة عثوري على نسخ كثيرة من الطبعة الأولى للكتاب الأخير في إحدى المكتبات التجارية القديمة بالمدينة المنورة .
وكان لقائي الأول بالشيخ حمد - رحمه الله - قد استغرق وقت العصر فكأنه من جمال اللقاء وطيب الأحاديث قد استغرق عصور طويلة في التاريخ لما حوته ذاكرته من العمق والاطلاع وسعة الأفق الأدبي الممزوج بالمداد التاريخي.
والشيخ حمد - رحمه الله - يعتبر (خزانة أدب) كاملة بحيث لا تأتي مناسبة أو عارض يمر عليه في لقاءاته ونقاشاته إلا ويستشهد بأبيات من الشعر أو أقوال الحكماء التي تناسب الحال وهذا يدل على إطلاعه الواسع وقراءته العميقة لمختلف فنون الأدب ناهيك عن الأدب الشعبي أيضاً فهو حافظ للكثير من شعره ونثره وقصصه ومناسباته وقد عاصر كثير من أصحابه وأعلامه ورواته على مدى تاريخ حياته الحافل. ثم توالت بعد ذلك زياراتي له والاستفادة من علمه ونوادره النفيسة، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ووالديه وجميع المسلمين.