قال تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} الآن وبعد هذا العمر أدركت معنى الموت.. وتيقنت من أنه هادم اللذات.. وممزق الجماعات.. وسالب الأحباب ومبعد الأصحاب لا مفر منه ولا هروب.
مساء السبت الموافق 14-3-1429هـ رحل الحبيب رحيلاً أبدياً إلى جنة الرحيم بإذن الله صعدت روح أبي السموح إلى بارئها وضج كل شيء لغيابه القلوب، الكلمات، المشاعر، الشوارع، البيوت، الصغار قبل الكبار من ذلك المكان تحديداً مستشفى الملك فيصل أخرج والدي الشيخ صالح بن سليمان الرومي جثة هامدة لافظة أنفاسها الأخيرة.
وفي لحظة حزن.. وصمت وذهول واضطراب وخوف تحجرت الدموع في مآقيها أمام هذا الخبر لكن لا مفر فالحقيقة ظاهرة كزلزال مر تحت أقدامنا كإعصار في دربه لاجتياحنا.. رحل الأب الذي يضرب مثلاً في الأبوة والعطف والحنان والسخاء..
رحل ذلك الوجه الذي يجبر على الابتسامة والروح التي تبعث على الأمل أبي الحنون ضحكتك لها إيقاع في قلوبنا طيبتك تروي الفؤاد حنانك يسقط الجبل خيرك عم القاصي والداني تواضعك ألجم اللسان..
فضلك شمل الابن والابنة.. والمعروف والمجهول.. نظرتك للحياة وتفاؤلك أورثتني إياها حتى جعلتني أحب الحياة وأتحملها بحلوها ومرها لكن كيف ستحلو الحياة برحيلك. علمتني معنى العفو والصفح.. ودرستني فن الاعتذار مع الحفاظ على العزة والكرامة.
وها أنت يا أبي رحلت تاركاً أولادك وكأنك تقول بحفظ الله ورعايته ذهبت إلى مكان بعيد تحت طبقات من تراب ونحن نحسك نبضاً يجري في دمائنا ليس أولادك فقط سيشتاقون إليك بل تلك الزوجة الحانية التي عاشت معك طويلاً هاهي تشهد لك بالخير والعطاء وتمسك دمعة حائرة حتى لا تسقط أمام أيتامها وتخبئ جرح وفائك جيداً.
ستحن إليك الأشجار في الصحاري والرمال في البراري التي طالما أحببتها أنت في حياتك ومكثت فيها وقضيت فيها وقتا طويلاً معنا لن ننسى رحلاتنا معاً ضحكاتنا همساتنا الشجارات الصغيرة بين الأبناء التي لا تلبث وان تتحول إلى لعب وضحك وذلك باجتهادك وحرصك علينا...
أعمال الخير ستفقدك أيضاً.. واليتامى سيبكونك.. والأرامل سيدعين لك بالرحمة والمغفرة والمطلقات سيرسمن لك الجنان من خلال دعائهن لك.. المساجد والجوامع سترثيك وسجادتك ستشتاق إليك وتصيح لأجلك عند الرحمن.
رحمك الله يا أبي وتغمدك بواسع رحمته وأغدق عليك كريم فضله لم تترك العبادات حتى في مرضك وشدة سقمك وعظم بلائك تسأل أخي عن تجاه القبلة لتصلي ضعفاً بعينيك، ما أعظمك يا أبي قوي إيمانك رغم عجزك وضعفك قوي العزيمة رغم تحطم الآمال بشوش الوجه رغم تشبث المرض بك وفتكه بجسمك والقضاء عليه..
لن ننسى ذلك اليوم الذي ودعتنا فيه على أمل اللقاء بك قائلاً: أسبوعان وأعود إليكم، لم تكن أسبوعين بل طالت المدة إلى علم الرحمن ثم لم نرك بعدها.. وكان القبر من نصيبك والموت أقرب منا إليك، أبي الرحيم: هل سترثيك كتاباتي وهل ستعود بك الدموع وأي شعر وسطر سيوفي حقك.
إنما الذكرى الجميلة التي تحاصرني لتبكيني دماً وتضرم فؤادي شوقاً إليك وتحيلني فتاة تعيش الحياة حبساً بلا روح.. ابتسامة بلا معنى كلاماً دون وضوح.
وأخيراً أبي ماذا عن الشوق.. الحب الصادق.. الحنين.. الانتظار.. الفراق والوداع لأني أحبك افتقدتك...