Al Jazirah NewsPaper Sunday  20/04/2008 G Issue 12988
الأحد 14 ربيع الثاني 1429   العدد  12988
عفواً الوطن مغلق (للتحسينات)!!

عجيبة هي حال بلدان العرب وغريبة هي أحوالهم، فعلى الرغم مما وصلت إليه فلسفة الدولة والكيان السياسي في الوقت الحاضر, من تطور ومتانة واستقلالية أضحت كفيلة بحفظ الاستقرار والأمن وديمومة الحياة في كثير من أصقاع العالم وحمايتها من أي تعطل وجمود عند حدوث أزمة سياسية أو حراك داخلي، تظل البلدان العربية معرضة للانهيار السياسي والارتباك الاجتماعي مع أول هزة هنا، أو بمجرد ضغطة زر ريموت إقليمي من هناك، وكأن الأوطان أضحت شراكة بين مجموعة من التكتلات التي اختصرت فكرة الوطن، فمتى حدث الخلاف بين الطوائف والكتل وتباينت وجهات نظرهم وتضاربت مصالحهم ونُفِيَ عنها التقاطع، شُلَّتْ مؤسسات الدولة, وأُغْلِقَ الوطنُ في وجه الجميع إلى إعلان آخر.

والأمثلة على ذلك كُثر، ففي لبنان أغلق الوطن وعطلت الحياة مع تداخل أوراق اللعبة السياسية واختلاطها بعد أن عبثت بها الأيادي الإقليمية وحرَّك الأوصياء المزعومون أدوات الداخل لأجل مناطحة الريح واجترار البلد إلى ساحات المبارزة الدولية، فهرول المراهنون على تدخلات الخارج إلى ذبح البلاد على مقصلة التحالفات الإقليمية, فلا رئيس جمهورية موجود ولا مجلس نواب فاعل ولا وطن جميل يحتضن الجميع ببوتقة مشروعه الأهلي والسلمي المشترك كما كان لبنان بالأمس.

وفي واقع الفلسطينيين عُطِّلَ الكفاحُ وشُتِّتْ اتجاهاته تحت نير التضارب الأيديولوجي فأصبح الشعب محاصراً من داخل واقعه وكتله السياسية قبل أن يُحاصر من إسرائيل، وانتشرت قناعات التخوين واتهامات العمالة للعدو، ووقع الشعب بين سندان ضغط المحتل وبطشه وحصاره ومطرقة الفرقة والانفلات وضياع المشروع الوطني من قِبل أصحابه وبسبب تعنتهم الأيديولوجي والفئوي الذي أُضيف إلى بديهيات المعاناة الأصلية.

وفي العراق وفي الصومال وفي غيرها من بلدان العرب أمثلة كثيرة على كارثية ارتهان الوطن وخطورة امتلاك مفاتيح إغلاقه وضرب الحياة به.

إن إشكاليات البلدان العربية وأنظمتها السياسية تكمن في ذلك الجنوح الدائم إلى استغلال استمرارية الحياة من قبل بعض مكونات النظام السياسي العربي التي وللأسف الشديد مضت في مسعاها ذلك إلى حد استغلال المُثل والمبادئ الديمقراطية كالاعتصام والمظاهرات من أجل الضغط لتنفيذ أَجِنْدَاتِها الخاصة جداً التي غالباً ما تأتي من الخارج، وهو الأمر الذي شوَّه المُثل وعطَّل المبدأ.

إن الأوطان متى ما كانت حكراً على المزايدات السياسية والمناورات الأيديولوجية والحزبية التي تتحكم متى شاءت في مفاصل الحياة لتعطلها إن أرادت سواء بشلِّ النظام السياسي أو بوضع العراقيل بوجهه أو بالاستقواء بالخارج الذي جعلها تتضخم لحد أن تُحوَّل الأوطان إلى ما يشابه العزب والدكاكين الخاصة التي تقتني بضائع (ما صُنع بالخارج)، متى ما وقع الوطن في هذه المعضلة ولم يجد ما ينتشله منها من مشاريع وطنية وأطروحات مستقلة، فقلْ على استمراريته ومشروع عيشه السلام.










 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد