Al Jazirah NewsPaper Sunday  20/04/2008 G Issue 12988
الأحد 14 ربيع الثاني 1429   العدد  12988
رحل شيخنا الرومي وبقيت مآثره
د. عبدالعزيز بن أحمد بن سليمان العليوي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

يقول الحق تبارك وتعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}(الآية) ويقول سبحانه : {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً} (الآية) إنها سنة الله في خلقه (إن القلب ليحزن, وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا أبا سليمان لمحزونون) فقدنا بالأمس القريب رجلاً من رجال التعليم، ورائداً من رواده، عرفه طلابه بالتفاني والإخلاص، والحب لرسالة التعليم، فكان نعم المعلم والمربي والأب، إنه الشيخ الفاضل صالح بن سليمان بن علي الرومي، الذي ولد في محافظة الزلفي عام 1369هـ وقضى فيها سنوات تعليمه الأولى حيث درس المرحلة الابتدائية في مدرسة الزلفي الأولى عام 1385هـ والمتوسطة والثانوية بالمعهد العلمي في محافظة الزلفي وذلك عام 1390هـ، وبعدها واصل دراسته بمدينة الرياض في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - وتخرج منها عام 1394هـ ثم صدر قرار تعيينه أستاذاً بالمعهد العلمي في محافظة الغاط، ثم انتقل إلى المعهد العلمي في محافظة الزلفي، وقضى في مجال التعليم أكثر من عشرين عاماً حتى طلب إحالته للتقاعد المبكر عام 1416هـ، وقد تخرج على يديه كثير من الطلاب الذين تسنموا مواقع ريادية على ثرى هذه البلاد الطاهرة ويحملون في ذاكرتهم المربي الفاضل، والمعلم الناصح.

لقد كان - رحمه الله - بحق مدرسة تتحرك، كان مطبقاً لسنة المصطفى - صلوات الله وسلامه عليه - في أعماله، دالاً عليها، وكان من أهم ما يتمثله منها: الرفق في جميع عمله تطبيقاً لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه) وكان يخاف ربه في أدائه لمهمته التعليمية، رحوماً بطلابه، عطوفاً عليهم، يشفق عليهم من تدني الدرجات وضعف التحصيل.

كما كان مدرسة تربوية تعتمد على آيات الكتاب فيستشهد بها في توجيهاته وأعماله كلها ويحث على تطبيقها في حياة أبنائه وبناته بأسلوب غير مباشر بادئاً بنفسه في الامتثال، موقناً أن القدوة خير وسيلة تربوية . وإن مما يذكر هنا أنه - رحمه الله - كان يعيش مع كتاب الله تعالى، حتى في الأيام الأخيرة من حياته، والتي كان فيها فاقداً للوعي - حسب تقرير الأطباء - حيث لاحظ من كان يقرأ عليه ارتفاع نبض القلب عندما أخطأ في قراءته، واستقرار نبضه عند تصحيحه لها.

وكان - رحمه الله - مثالاً في البر ليس بأبويه القريبين فحسب بل حتى الأباعد، حريصاً على صلة الأرحام.

وللشيخ - يرحمه الله - في دماثة الخلق قدم سبق، فقد كان حسن السمت، بشوشاً، خلوقاً، ليناً, قريباً، حليماً، ذا أناة، يحب الدعابة مع جليسة، متواضعاً لكل الناس حتى مع الأطفال وصغار السن تقديراً ورحمة وعطفاً عليهم فهو يتلطف معهم ويأنس بمحادثتهم.

وكان - رحمه الله - يتفانى في إجابة دعوة من دعاه، حريصاً على خدمة الناس ونفعهم بكل ما يستطيع بطريقة لا يعلمها إلا الله ابتغاء الأجر والثواب من الكريم عز وجل، كما كان - يرحمه الله - يعامل الناس بالمحبة والتسامح، مع بذل النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يحمل في قلبه حقداً على أحد، صافي السريرة.

لذا فقد ترك أثراً واضحاً لدى محبيه، وطلابه، وكل من رآه وجالسه.

ومما اتصف به الشيخ - رحمه الله - صبره الجميل واحتسابه وقوة رجائه لربه في مرضه الذي دام عشر سنوات - كذا نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً - وقد لاحظ زواره ذلك الشعور بادياً عليه؛ فقد كان دائم الحمد لله والثناء عليه، قوي التعلق به سبحانه، يعدد نعم الله عليه كثيرا، ولا يشكو لأحد من الناس ولا يتضجر رغم المعاناة الشديدة التي كان يمر بها.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وأهله وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ).

وفي مساء يوم السبت الرابع عشر من شهر ربيع الأول لعام 1429هـ انتقل إلى - رحمه الله تعالى - في مستشفى الملك فيصل التخصصي بمدينة الرياض، ونقل إلى محافظة الزلفي، وصلي عليه بعد صلاة الظهر من يوم الأحد الخامس عشر من شهر ربيع الأول لعام 1429هـ في جامع الملك عبد العزيز - رحمه الله - وقد شهد جنازته جمع غفير حرصوا على الصلاة عليه، كما صلى عليه عدد كبير من محبيه في المقبرة وشيعه الجميع. وإن مما يخفف المصيبة بفقده كونه - يرحمه الله - معروفاً بالخير والصلاح من القريب والبعيد والصغير والكبير، ورؤية له منامات تبشر بالخير، وترك أولاداً بررة سيحافظون على كنزه الذي خلفه لهم من الذكر الحسن، والعلم النافع، والعمل الصالح، والأخلاق الفاضلة - إن شاء الله تعالى -.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم وغيره.

كما كان لعزاء أصحاب السمو الملكي الأمراء، وأصحاب الفضيلة العلماء، وأصحاب المعالي، الأثر البالغ في تخفيف المصاب.

رحم الله الفقيد رحمة واسعة وغفر له وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما أصابه رفعة لدرجاته، وتكفيراً لسيئاته.

اللهم ارزق أهله وذويه الصبر والسلوان، واحتساب الأجر، واجمعنا به في الفردوس الأعلى في الجنة يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

{ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد