Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/05/2008 G Issue 13004
الثلاثاء 01 جمادى الأول 1429   العدد  13004
أهيب بقومي!
الوثائق.. لا نزال خلف أوروبا ب3 قرون!
فائز موسى البدراني الحربي

عندما بدأت أوروبا تنهض من سباتها في القرن السابع عشر الميلادي، وعندما بدأت الحركة العلمية تتقدم في كل مناحي الحياة، تنبه بعض رجال الكنيسة الرواد إلى مجموعات الوثائق المكدسة في الأديرة والكنائس، فالتفتوا إليها ينفضون عنها غبار الجهل والتجاهل، وهبوا يدرسونها دراسة علمية، لتصبح فيما بعد أهم المواد التي تشكل دراسة التاريخ.

يقول المؤرخ د. حسين مؤنس في هذا الصدد: (وقد أدت دراسات أولئك الرهبان إلى الكشف عن حقائق أزالت من النفوس كثيراً من الأوهام، ومن ذلك ما كشف عنه الراهب فالا (Valla 1407- 1457)، من أن الوثيقة المشهورة المسماة هبة قسطنطين Constantin Donation)، والتي مفادها أن الإمبراطور قسطنطين الأكبر قد وهب أراضي إيطاليا للكرسي البابوي بحجة أنها إرث الرسول بطرس من المسيح عليه السلام، حيث كشف فالا زيف تلك الوثيقة التي اختلقها رجال الكنيسة ليستولوا على أغلى أراضي إيطاليا.

لكن هذا الكشف التاريخي أحدث زلزالاً عنيفاً في أوساط رجال الدين والعلماء والسياسيين، فهوجم فالا هجوماً عنيفاً، لأن المنتفعين لا يريدون معرفة الحقيقة التي ليست في صالحهم، أما العامة فهم يقادون وينقادون، ولا يحبون التحول والتبدل لأنهم وجدوا آباءهم على أمة، فهم على آثارهم مقتدون.. ولكن بما أن: ولأن الحق أبلج فقد نجح الباحث فالا رغم المصاعب نجاحاً باهراً، وقد أغرى نجاحه الكثير من الباحثين فانكبوا على الوثائق يدرسونها ويمحصونها، ومن هناك بدأ عصر علم الوثائق Papleography.

ثم جاء بعد فالا العديد من رواد علم التوثيق مثل: دوشسن Duchesne، وبالوز Baluze، ومابيلون Mabillon، ومونفوكون Montfaucon، الذين أقبلوا على دراسة الوثائق المحفوظة في الأديرة والبلديات وخزائن الدولة، واجتهدوا في جمع ما لدى الأفراد من وثائق وأودعوها في المكتبات الوطنية، لتكون في متناول الناس.

لقد أدرك رواد التاريخ الحديث في أوروبا وعلى رأسهم هيجل أن التاريخ الأقرب للحقيقة أو ما عبر عنه بالتاريخ الأصلي هو الذي تستبعد منه الأساطير والأقاصيص الشعرية والتراث الشعبي، وهنا أود أن ألفت الانتباه إلى أن القرآن العظيم قد سبق هيجل وأمثاله في التنبيه إلى هذه المسألة، ودعا إلى تحكيم العقل وعدم الانسياق وراء أقاويل الآباء والأجداد بلا علم، أو ما عبر عنه القرآن بأساطير الأولين.

ومع كل ما أحدثته الوثائق في أوروبا من ثورة في مجال البحوث التاريخية، إلاَّ أن العالم غير المتقدم والذي نحن جزء منه لم يتأثر بتلك الثورة العلمية، ولم يسمع بصداها، وبقينا إلى وقت قريب جداً دون أن نكتشف أن لدينا مئات الآلاف من الوثائق التاريخية المهمة المكدسة في محاكمنا الشرعية، وفي دوائر الأوقاف، وعند الكثير من الأهالي في القرى والمدن السعودية.

وبعبارة أخرى، لقد بقيت كنوزنا الوثائقية المحلية قابعة في أوعيتها المتهالكة نهباً لعوامل التعرية، وضحية لجهل أهلها بأهميتها، لم تجد من يكتشف مكامنها، ولا من يجمعها ولا من يدرسها إلى سنوات قريبة جداً، لنتأخر عن ركب الحضارة الغربية في هذا المجال بثلاثة قرون.

وفضلاً عن هذا الفارق الزمني؛ فإننا لا نزال نفتقر إلى نظام يحدد مدة التحفظ على الوثائق ويمكن الباحثين من الاطلاع عليها بلا شروط مسبقة!




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد