Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/05/2008 G Issue 13004
الثلاثاء 01 جمادى الأول 1429   العدد  13004
تحولات مركز الكون النقدي وأثرها على المشهد المحلي..! 3 - 4
حسن بن فهد الهويمل

وتحول مركز الكون النقدي إلى (النص) حفّز النقاد إلى الاستنجاد بمناهج اللغة وآلياتها؛ وأصبح (علم اللغة) مهيمناً على سائر المناهج، ومن باب التحفظ أود الإشارة إلى أن إعلاء شأن النص قد يمتد عند بعض النقاد إلى (النص المقدس) فلقد تحول الاهتمام بالنص إلى قضية فكرية خطيرة.

وليس شرطاً أن تمتد الخطورة والمحاذير إلى ما نرمي إليه من الاهتمام بالنص، وتحول السلطة إليه، ومتابعة القراءات النصوصية والتنظير لهذا اللون من القراءة عند (محمد أركون) و(نصر حامد أبو زيد) و(علي حرب) و(حسن حنفي) وتعويلهم الكلي على (الأنْسَنة) واستعانتهم برؤية (بول ديكور) والنظرية (الهيرمينوطيقا) التي تحاول الكشف عن (شَيءِ النَّصِّ غير المحدود) وتطاولهم على النص القرآني بوصفه متلبساً باللغة، ف(أركون) يرى إخضاع النص القرآني (لمحك النقد التاريخي المقارن)، والذين يتهيبون سلطة النص يفترضون أن من مقتضيات هذه السلطة انتهاك قداسة القرآن كما هي عند طائفة من النصوصيين، الشيء الذي لا يمكن إنكاره أن انتقال مركز الكون النقدي إلى النص أدى إلى خلطٍ مخيف بين عددٍ من النظريات والمناهج. وحتى لو نظرنا إلى الجذور الفلسفية (للبنيوية) و(التفكيكية) لوجدنا أنفسنا وسط محاذير، لا يحسن السكوت عليها، ولا القبول بها، غير أننا لا نستطيع حَمْل كلِّ الأطراف على التوازن بين الواقعي و(الميتافيزيقي) أو تفادي المنزلقات الخطيرة التي آلت بالدارسين النصوصيين إلى أَنْسَنَة المقدس.

وحديثنا عن سلطة النص يستدعي هيمنة المنهج اللغوي، وإقصاء سائر المناهج الأخرى التي قد تنهض بدورٍ تفسيري لا يقل عن المنهج اللغوي.

والقول بأن النَّصَّ نَصٌ لغوي قول مخادع، لأنه قولٌ صحيح، ولكنه غير برئ. ذلك أن النص بالإضافة إلى لغويته يتسع لمعارف متعددة ومتنوعة، وارتهان المناهج النقدية المتعددة لسلطان النَّص بوصفه لغة يكرسُ أحادية النظرة وينفي سائر المناهج الأخرى التي قد تساعد على اكتشاف منطويات النص. والدليل على غُلُوِّ الرؤية عدولُ الأغْلبية عنها وإن تم استصحابها على حذر.

لقد تجلت سلطة النص في النقد (البنيوي) وكل من توسل بمناهج اللغة عند علمائها أمثال (سوسير) و(تشومسكي) فهو محكوم بهذه السلطة، ولقد كانت لكتاب الدكتور (عبدالله الغذامي) (الخطيئة والتكفير) أصداؤه الواسعة لما ينطوي عليه من تلبس بالسائد في النقد الغربي، وهو قد استهله بدراسة تنظيرية مسهبة حددت مبلغه من المنهج اللغوي الحديث، وقد مهدت تلك الدراسة على ما فيها من ملاحظات لسلطة النص في المشهد المحلي، وإن كانت المواكبة دون المؤمل، وممن شايله في هذا الشأن (سعيد السريحي) و(عالي القرشي) وآخرون، ولربما كان الخلط العجيب وغبش الرؤية حافزاً لناقدين أكاديميين لإخراج دليل نقدي، توخياً فيه تحرير المصطلحات الأكثر حضوراً والأكثر مخادعة وتغريراً ف(دليل الناقد الأدبي) للدكتورين سعد البازعي وميجان الرويلي، محاولة لتفادي الفهم الخاطئ والتطبيق الخاطئ للمصطلح، ولقد جاء هذا المعجم المحدود مواكباً لمعاجم مماثلة لكل من (محمد عناني) و(نبيل راغب).. وقد يكونون جميعاً في ظلال مشروع عبدالواحد لؤلؤة (موسوعة المصطلح النقدي).

وتلك الإسهامات تؤكد الاستجابة الطوعية لهذا التحول الذي سبق إليه المغاربة ولفيف من النقاد المصريين، ولمّا تزل فلول تلك النظريات اللغوية ثاوية في مشهد النقد الأدبي، وإن لم تحتفظ بصلفها وحيويتها وعنفها إبان انبثاقها وتعالق البعض معها، وبخاصة حين كان بعض النقاد العرب المقيمين في البلاد يباركون تلك الحركة ويؤازرونها من أمثال (لطفي عبدالبديع) و(منذر العياشي) و(عبدالسلام المسدي) ومناهج النقد اللغوي استهوت كثيراً من النقاد ولكنها لم تشكل قاعدة عريضة مثلما فعلته في المغرب العربي وقد لا تكون لدى الأكثرين منهم استعدادات لاستيعاب تلك المناهج وتمثلها ولكنها شاعت واستقطب المشهد المحلي نقاداً من مذاهب شتى كان حضورهم عضداً لتلك المنازع نجد ذلك عند (مصطفى ناصف) و(عبدالله إبراهيم) وهم نقاد يراوحون بين المذاهب ذات العلاقة الوثيقة بالنص، وأيَّاً ما كان الأمر فإن المشهد المحلي استجاب لتحول مركز الكون النقدي من سلطة المبدع إلى سلطة النص، وتوفر على مترجمات أطالت الحديث عن النظريات الألسنية والشكلانية، فيما لم تتوفر دراسات تطبيقية، الأمر الذي أدى إلى اضطراب بعض النقاد في فهم المقاصد، بل أكاد أجزم بأنه أدى إلى إخفاق البعض منهم في العمليات التطبيقية، وبخاصة مع المنهج التفكيكي الذي كان قسمة بين سلطة النص وسلطة المتلقي، ومنهجا (البنيوية) و(التفكيكية) معاضدان لسلطتي النص والمتلقي على السواء، وإن عُدَّا من مناهج وآليات سلطة النص، وإذا سلَّمنا بأن (البنيوية) ألصق بالنص فإننا لا نجد بداً من القول بأن (التفكيكية) من آليات القارئ، إذ لا تختلف عن نظرية التأويل الفاسد، والمتلقي لكي يكرس ذاته يركن إليها بوصفها آلية تفترض مدلولاً متعالياً يكمن خارج مدلول اللغة، وذلك فصل متعسف بين النص ولغته من جهة ومبدعه من جهة أخرى الأمر الذي حمل (مِلرْ) على القول: (إن العدمية لقب للتفكيك) وإشكالية المشهد المحلي أن طائفة من النقاد يتعالقون مع بعض المذاهب والمناهج وهم أبعد الناس عن وعي جذورها الفكرية الأمر الذي يعرضهم للمساءلة عن الهوية الفكرية، ودعوى إفراغ المصطلح من محتواه دعوى تطمينية. فالمصطلح نسيج حضارة الانتماء، وفوق هذا فإن النقد حين يتهالك على المستجد دون بصر أو بصيرة، يكون بلا ذات، ولقد وصف (ريكور) (شتراوس) بأنه (كانتي بلا ذات) وتلك سمة البعض من النقاد.

وما سوى البنيوية والتفكيكية من نظريات تصب في صالح المتلقي فإنها تكاد تكون خالصة لسلطة القارئ، والشكلانية والألسنية تتداخلان مع البنيوية ولكنهما من خواص سلطة النص، والذين يؤمنون بالترادف المصطلحي قد لا يدركون الفوارق بين مصطلح وآخر، فالألسنية أشمل من البنيوية والبنيوية أخص من الشكلانية، وكل تلك المسميات تعود في النهاية لتكون بعض جنود سلطة النص.

وحين تحول مركز الكون النقدي إلى النص، استنجد النقاد العرب بالمتداول الغربي، وهب المترجمون يستبقون ما جد من مناهج اللغة وعلومها. وما خُدِمَتْ سلطةٌ بمثل ما خُدمت سلطة النص، وما كان تمرد النقاد على سلطة المبدع بالقدر المقبول أو المعقول، حتى لقد شاع مصطلح (موت المؤلف) وأصبح قضية بذاتها بحيث خُصَّ بمؤلفات ودراسات طابعها الصدام والادعاء، ومنذ ذلك الحين كاد المشهد النقدي يكون مشهداً جنائزياً، حتى سمعنا بموت النقد الأدبي، وموت النحو العربي وكأن المشاهد أضيق من أن تتسع لكل المذاهب والخطابات، وأحسب أن هذا الاهتياج مرده إلى الإعجاب والتسرع والانحياز السلبي الذي لم تكن له أي مبررات، ولكيلا نغمط المشهد حقه، نقول: بأن استدعاء البدائل أثرت المشهد وعدَّدت الخيارات، ولو اكتفى المتعالقون بالطرح دون التبني والإقصاء لكان في ذلك خير كثير.

والذين استقبلوا المستجد من المذاهب والمناهج والآليات لم يكونوا سواء في القدرة على الاستيعاب والتطبيق، فالبعض منهم لم يكن على شيء من التراث النقدي، ولا على وعي بأسلوب التعالق مع المستجد، وليست لديه القدرة على فهم الجذور الفكرية للمناهج، وهذا الخلط بين الفكري والأدبي واللغوي أفقد المشهد توازنه وشكك في انتمائه،

وإذا كانت المشاهد الغربية مستعدة للتحول والتجريب فإن مشاهدنا أميل إلى الثبات والإلف، ومفاجآت التحول والتجريب فَرّقت الكلمة وعددت الآراء والمواقف وشغلت المشهد بمناكفات لا مبرر لها.

على أن داء المشهد الانبهار والتبني وتخلية المواقع مما سوى الطارئ، ولو أن التلقي والتعالق كانا بمقدار واقتدار لما كان في ذلك من بأس وعلى كل الظروف والأحوال فإن هذا الحراك فتَّق الأذهان وحفز المتحفظين على استعادة التراث، والإيغال في التساؤل، وتنازع البقاء بين الفرقاء جَمْجَم عن منطويات المعارف وأثرى المشاهد كلها، ولو أن الخصام وقف حيث تكون الأشياء ولم يمتد إلى الأناسي لكان في ذلك خير كثير ومهما اختلفنا أو تحفظنا فإن المشهد النقدي المحلي قد ظفر بما لم يخطر على الأذهان،

يتبع


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5183 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد