قد يرحل الأحباب عن زماننا وحياتنا بقدر الإله المحي المميت ولا شك أن رحيلهم يخلف ألماً في القلب لغيابهم وحناناً لذكراهم، والوفاء لهم بعد رحيلهم من أسمى درجات الوفاء بل هو الوفاء حقاً، ويتجلى في أسمى صوره بالدعاء للمحبوب بكل خير كما قال صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له.. ولا شك أن دعوة المسلم للمسلم بظهر الغيب دعوة مستجابة، بل قد ورد أن الملائكة تؤمن على دعاء من يدعو للمسلم بكل خير وتقول له ولك مثل ذلك، مما دعوت له من الخير والأجر، وقد قرأت أن أحد الصالحين كان إذا جن عليه الليل أخرج ورقة مكتوب فيها أسماء أعداد كثيرة من أقاربه وأصدقائه ومعارفه، فيظل يدعو لهم باسم كل واحد منهم حتى ينتهي من تلك الأسماء المكتوبة في الورقة فأي إخلاص ووفاء ورحمة جعلها الله في قلب هذا الرجل الصالح، ومن الوفاء لهم أيضاً التصدق عنهم حتى ولو بدراهم معدودة فرب درهم واحد قد سبق ألف درهم في القبول عند الله وعظيم الأجر والثواب لإخلاص في قلب صاحبه، ومن ذلك أيضاً إكرام صديق المحبوب والسؤال عنه كما حدث حين زارت تلك المرأة بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكانت صديقة لخديجة رضي الله عنها فأكرمها النبي صلى الله عليه وسلم أيما إكرام فسألته عائشة رضي الله عنها عن ذلك فقال إنها كانت تأتينا أيام خديجة، فأحب أن يكرمها إكراماً لخديجة رضي الله عنها، ومن ذلك زيارتهم في مثواهم الأخير وقد أعجبني ما قرأته من أن كثير عزة كان في الحجاز حين علم بوفاة حبيبته عزة الضمرية في مصر (نسبة إلى بني ضمرة رهط عزة ومساكنهم في السليم بمنطقة ينبع بالسعودية) فما كان منه إلا أن رحل إليها وسأل عن قبرها حتى انتهى إلى موضعه فوضع يده على قبرها وأنشد ودمعه يجري: