استيقظ أحمد كعادته مبكراً على سماع أذان الفجر (حي على الصلاة حي على الفلاح) وأدى الصلاة جماعة في مسجد الحي، وعاد لبيته ليوقظ زوجته وأولاده الصغار ليؤدوا الصلاة، ثم جلس معهم في حلقة للذكر يتلون آيات الله ويتدبرونها بما فتح الله عليهم، وكان الأب أحمد يأخذ دور المستمع والمحفز ويترك حرية الكلام والتعبير لأبنائه كل يدلي بدلوه عما فهمه من آيات الله، والأم تشاركهم هذه الجلسة الروحانية وهي تنظر إلى زوجها نظرات كأنها لن تراه بعد ذلك.. ويقترب موعد الدوام وينطلق أحمد إلى عمله وزوجته تشيعه حتى باب المنزل الخارجي وتردد بأمان الله.. بأمان الله.. ويبادلها زوجها الوداع بأمان الله استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.. ويصل أحمد لعمله وكعادته يبدأ بإنجاز ما كلف به من عمل ويتابع بعض المعاملات بحركة غير عادية لينجزها قبل نهاية الدوام مما لفت أنظار زملائه، وبعضهم يقول له: إذا ما خلص اليوم يخلص غدا؟ لكن أحمد أصر على إنهاء كل المعاملات في وقتها فهو الموظف المخلص النشيط الذي يشهد له زملاؤه بذلك، واقترب موعد نهاية الدوام فأخذ يسلم على زملائه فرداً فرداً مما أثار استغرابهم ودهشتهم دون أن يدروا أن القدر قد أخفى عليهم شيئا لم يكن بحسبانهم.. ويركب أحمد سيارته عائداً إلى منزله، ولما كان الطريق مزدحماً تأخر عن الوصول مما أثار قلق زوجته وأولاده، فاتصلت به زوجته لتطمئن عليه، فيرد عليها قائلاً: دقائق وأكون عندكم بإذن الله.. ولكن مرت دقائق وساعات دون أن يعود أحمد إلى منزله ولن يعود بعد ذلك فقد ودع الحياة إثر نوبة قلبية. {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(لقمان الآية 34).
خالد الحاجي - الرياض