Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/05/2008 G Issue 13027
الخميس 24 جمادى الأول 1429   العدد  13027
مَنْ هو واضع النحو؟
أ.د عبدالكريم الأسعد

ذهب أحمد بن فارس المتوفى سنة 395هـ في أوائل كتابه (الصّاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها) إلى أن العرب قبل الإسلام كانوا يتأمّلون مواقع الكلام وأنّ كلامهم ليس مجرّد استرسال وسليقة، بل كان عن خبرة بقانون العربية، لذلك فإن النحو قديم فيهم، ولكن الأيام أبلته ثم جدّده الإسلام على يد أبي الأسود الدؤلي بإرشاد علي ابن أبي طالب.

والتحقيق الذي عوّل عليه الجمهور أن علم النحو قد وضع في الصدر الأول للإسلام لأنه لم يكن قبل الإسلام ما يحمل العرب على النظر إليه لأنهم كانوا حينذاك ينطقون عن سليقة جبلوا عليها، في حين أنهم بعد الإسلام اختلطوا بالفرس والروم فحل بلغتهم من اللحن ما جعلهم يهرعون إلى وضع النحو.

وقد وضع النحو في العراق لأنه كان موطناً لحضارات قديمة وعلوم ومعارف سابقة، ولوقوعه على حدود البادية، ولأنه ملتقى العرب وغيرهم، توطنه الجميع لرخاء الحياة فيه، مما أدى إلى أن يصبح أظهر بلد انتشر فيه وباء اللحن الداعي إلى وضع النحو في حين لم يكن لعرب الجزيرة حاجة لهذا العلم لأن لغتهم ما برحت فصيحة.

ذكر ابن الأنباري المتوفى سنة 577هـ في كتابه (نزهة الألبّاء) أن أبا الأسود قال (دخلت على أمير المؤمنين عليّ فوجدت في يده رقعة فقلت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فألقاها إليّ وفيها مكتوب: الكلام كلّه اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبئ به والحرف ما جاء لمعنى، وقال لي: أنح هذا النحو وأضف إليه ما وقع إليك، فوضعت بابي العطف والنعت ثم بابي التعجب والاستفهام إلى أن وصلت إلى باب إنّ وأخواتها ما خلا لكن فلما عرضتها عليه أمرني بضم لكن إليها، وكنت كلما وضعت باباً من أبواب النحو عرضته عليه إلى أن حصلت ما فيه الكفاية، فقال لي: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، فلذلك سمي النحو نحوا.

وروي أنّ سبب وضع عليّ لهذا العلم أنه سمع أعرابياً يقرأ (لا يأكله إلا الخاطئين) بنصب (خاطئين) بدلاً من رفعها فوضع النحو.

وروي أيضاً أن ابنة أبي الأسود قالت له: ما أحسن السماء؟ برفع (أحسن) وجر (السماء) فقال لها: نجومها، فقالت: لم أرد هذا وإنما تعجبت من حسنها، فقال لها: إذن فقولي: ما أحسن السماء! (بفتحهما)، فحينئذ وضع أبو الأسود النحو وأوّل ما وضعه هو باب التعجب.

وروي عن أبي الأسود أنه سئل: من أين لك هذا النحو؟ فقال: لفقت حدوده من علي بن أبي طالب، أي أخذتها منه.

وأنكر جرجي زيدان في كتابه (تاريخ آداب اللغة العربية) أن يكون النحو عربياً في نشأته وذهب إلى أنه منقول من لغة اليونان لأن وضعه في العراق إنما كان بعد خلاط العرب للسريان ونقلهم ثقافتهم وللسريان نحو قديم ورثوه عن اليونان.

وأنكر بعض المستشرقين أن يكون أبو الأسود واضع علم النحو لأن عصره -في نظرهم- لا يتواءم وهذه الإصلاحات والقواعد المرتبة، وإنما هي وليدة عصر متأخر تطور فيه التعليم حتى صار الحال مناسباً لهذه المصطلحات والقواعد.

وذهب المستشرق (ليتمان) إلى أن نشأة النحو كانت عربية وأنه قد تأثر بعد دور التكوين العربي بما عند اليونان من تنظيم في التقسيم والتعريف والتعليل.

وقال أحمد أمين في كتابه (ضحى الإسلام) (يكاد الرواة يتفقون على أن أبا الأسود هو الذي ابتكر شكل المصحف، وواضح أن هذه خطوة أولية في سبيل النحو تتمشى مع قانون النشوء، فَعَمَلُ أبي الأسود بشكل المصحف يسلم إلى التفكير في الإعراب ووضع القواعد له).

وذهب الشيخ محمد الطنطاوي في كتابه (نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة) إلى أن أبا الأسود ألهم هذا الغزو ووضع تعاليمه التي ينسج على منوالها وأنه لم يبتكر ما نراه الآن في كتب النحو من تعريفات ومصطلحات وتقاسيم لأن طبيعة عهده السابق على عهد المقننين تقتضي مجرد اتجاه إلى أبواب هذا العلم إجمالاً، وهذا كاف في اعتباره المؤسس له، ثم إن النحو تطور بمسايرة الزمن وأضيف إليه من كل طبقة ما ضخمه وصيره فناً مستكمل الدعائم مرتب الأبواب منظم التقاسيم، على أن النهضة بهذا العلم كان عمارها الخليل بن أحمد الفراهيدي، فعلى يديه انتظم شتات النحو والتأم عقده واتخذ تعليمه دوره الفني، ومع هذا فإن عناصره الأساسية التي اهتدى إليها أبو الأسود بتعليم علي وإقراره لم تتغير ولم تتبدل).




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد