Al Jazirah NewsPaper Thursday  29/05/2008 G Issue 13027
الخميس 24 جمادى الأول 1429   العدد  13027
رحمك الله يا أبا هشام
أ. د. عبدالرزاق بن حمود الزهراني*

قليلون الذين تقابلهم في الحياة فيشدونك إليهم بقوة جاذبيتهم الشخصية، ودماثة أخلاقهم، وتواضعهم مع علم غزير ومركز اجتماعي رفيع. لقد كان معالي الدكتور صالح بن عبدالله المالك أحد هؤلاء، جاء من الخارج في أواسط التسعينات الهجرية ليشغل منصب الأمين العام لجامعة الإمام، وكنت أيامها طالباً ألمحه من بعيد، وأرى فيه حيوية ونشاطاً. وتدور الأيام وأعود بعد بعثتي أستاذاً في قسم الاجتماع بجامعة الإمام، ويأتي صالح المالك ليدرس علم الاجتماع الحضري بعد أن غادر العمل وكيلاً لوزارة البلديات والشؤون القروية. كان أستاذاً بارعاً لقربه من الطلاب، ولغزارة علمه، وتعدد مجالات اهتمامه، فهو عالم في اللغة، ومطلع على التاريخ، والأدب والأشعار، ويقول الشعر. لقد كان وجوده مكسباً لنا في القسم، ومكسباً للكلية وطلابها، ثم غادرنا لأعمال متفرقة، وإن كانت صلاتنا به مستمرة، نلتقيه بين وقت وآخر، فنسعد بذلك، ونستفيد منه الكثير. ثم عين عضواً في مجلس الشورى، ثم أميناً له. وعند زيارة أعضاء مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، استقبلنا استقبال الأخ لأخيه، واحتفى بنا. وعندما طلبت منه أن يشرفنا بالموافقة على العضوية الشرفية للجمعية قال إنه جزء من الجمعية ويسره خدمتها في أي وقت. وحضر معنا ندوة (فكر ابن خلدون والحياة المعاصرة)، وشارك فيها بمداخلات قيمة، وعندما طلبت منه أن يختار لنا موضوعاً ليحاضر فيه، قال إنه سيعد محاضرة عن موضوع (ماذا نعني بأسلمة العلوم الاجتماعية؟). كتب المحاضرة وأرسلها لي إلى البيت مع سائقه، فقد اشتد به المرض، وسوف يغادر إلى أمريكا للعلاج، وبقينا ننتظر عودته. وعندما عاد زرته في مستشفى الملك فيصل التخصصي، كان كعهدي به متهللاً لزواره، متحدثاً معهم حديث العالم، وكانت ذاكرته متقدة، فلم ينل المرض منها، رغم تأثيره الواضح على جسمه. ذكرته بالمحاضرة، وقلت له إنني لم ألقها نيابة عنه، وأننا لا زلنا ندعو الله أن يشفيه ويلقيها بنفسه. ولكن لكل أجل كتاب، غادرنا إلى الدار الباقية، تاركاً في نفوسنا ألماً وحسرة على فراقه، وتاركاً ذكرى عطرة لمواطن عالم متواضع خدم أمته ووطنه بإخلاص وتفانٍ في مواقع عدة. رحمك الله يا أبا هشام وأسكنك فسيح جناته، وأحسن الله عزاء أسرتك، وعزاء الوطن فيك، وبارك الله في الأحياء من ذريتك وأسرتك، وجعلهم الله خير خلف لخير سلف، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

* أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد