Al Jazirah NewsPaper Wednesday  25/06/2008 G Issue 13054
الاربعاء 21 جمادىالآخرة 1429   العدد  13054
مركاز
هويات -3-
حسين علي حسين

بعد هوايتيّ جمع الطوابع والمراسلة، دخلت إلى هواية القراءة، وهي هواية مثل النار والنور، فقد كانت هذه الهواية سبباً في تخلفي الدراسي، كما كانت سبباً في عزلتي، فقد أصبحت أقضي ساعات طويلة مع الروايات وساعات أكثر مع الشك والقلق، خصوصاً عندما بدأت قراءة كولن ولسون وسارتر وكامو وكافكا، أما الأحباء الذين أكاد أتشقق من الفرح والفضول وأنا أقرأ لهم فقد كان أبرزهم إحسان عبدالقدوس ويوسف غراب ويوسف السباعي ومحمد عبدالحليم عبدالله وبيار روفائيل وألبرتو مورفيا ووفيق العلايلي وليلى بعلبكي وغادة السمان، هؤلاء كنت أبحث عن كتبهم مثلما أبحث عن الخبز، اشتري الكتب بكل ما لدي من المال وهو قليل، لذلك فقد عقدت اتفاقاً مع الشيخ عبدالمحسن اليماني صاحب المكتبة الكبيرة في ساحة باب السلام، كنت أعيد له الكتب التي انتهي من قراءتها دون أن يصيبها عطب، لأخذ بدلاً عنها كتباً أخرى، كنت وفياً آخذ وأعطي بانتظام، ومن حب الرجل لي وفرحه بأن ثمة من يقرأ بنهم، فقد دلني على مستودع الكتب، هناك حيث تصب الشاحنات القادمة من الشام مخزونها من الكتب أولاً بأول، كنت أذهب إلى هناك لأساعد في ترتيب الكتب وأخذ ما يلزمني منها، ثم أعيدها مرة أخرى.. حتى أسعار الكتب عند ذلك الرجل كانت زهيدة وفي متناول اليد، خصوصاً إذا كانت من تلك التي أقبل عليها، في مدينة تعود الناس فيها، خصوصاً زوارها، على قراءة الكتب الدينية والتاريخية وتلك التي تتحدث عن تاريخ مدينة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. كان من يهتمون بالرواية والقصة قلة، لذلك فقد كنت محظوظاً بعناية صاحب المكتبة بي وبما أريد، رغم قلة ما أدفعه من مال!.

ولم أقف في إندفاعي نحو البحث عن الكلمة على المكتبة السلفية لصاحبها عبدالمحسن اليماني، لكنني كنت أذهب في أيام الإجازة إلى مكتبة (عارف حكمت) في مدخل حارة ذروان، وقريباً أيضاً من المسجد النبوي، ومدرسة العلوم الشرعية حيث أدرس، في تلك المكتبة شعرت بقيمة الكتاب، فالمدخل إلى المكتبة محفوف بالزهور ونافورة تطلق الماء باستمرار لترطيب الجو الحار، وعندما تزمع الدخول إلى قاعة القراءة، عليك خلع نعليك، فالقراءة تتم على أرض مفروشة بالسجاد العجمي أو الفارسي وهناك طنافس يتكئ عليها من يريد، وفي المكتبة كافة الأدوات التي تعينك على قراءة هادئة ومريحة مثل المجاهر والإضاءة الجيدة وتقديم الماء والشاي، وفي الركن يجلس ناظر المكتبة لمتابعة أحوال الرواد وهم قلة قليلة، بعضهم من زوار المدينة وبعضهم ممن يبحثون عن الظل، والبعض الآخر ممن يبحثون عن الشاي والمياه المبردة والمبخرة، وقلة هم الذين يستغرقون في قراءة الكتب والمخطوطات، أما أنا فقد كنت أذهب إلى هناك لكل تلك الأشياء.. لقد بنيت تلك المكتبة بالحجارة السوداء، المجلوبة من صحراء المدينة وتم نقشها وتطويعها لتتخلل مدخل المكتبة وجدرانها الداخلية أما وسط المكتبة فقد كانت هناك قبة عالية ورغم صغر المكتبة إلا أنها كانت تحتوي على العديد من أندر وأهم المخطوطات المتعلقة بكافة العلوم الدينية والأدبية والتاريخية لقد عني بها صاحبها أيما عناية فجلب لها الكتب والمخطوطات وأوقف عليها الأوقاف ليتم الصرف من ريعها على المكتبة، وقد أزيلت هذه المكتبة في التوسعة الأخيرة للمسجد النبوي وكان من الممكن أن تبقى فهي تحفة معمارية لا تقدر بثمن!.

والسؤال الذي يطرح الآن: وماذا بعد؟ والجواب أن القراءة هي الهواية الوحيدة، التي تبدو مثل مغارة علي بابا، وطالما لديك الفضول، سوف تدور من زاوية إلى زاوية ولن تصل أبداً إلى الوقت أو اللحظة التي تغلق فيها الباب بينك وبين القراءة... القراءة فقط.. حتى لو كنت كفيف البصر فسوف تبحث عمن يقرأ عليك!

فاكس: 012054137


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5137 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد