Al Jazirah NewsPaper Wednesday  25/06/2008 G Issue 13054
الاربعاء 21 جمادىالآخرة 1429   العدد  13054
خالد الفيصل.. إستراتيجية الفكر وفكر الإستراتيجية
د. عبدالإله ساعاتي

كان يوم الأحد الحادي عشر من جمادى الآخرة 1429هـ يوماً تاريخياً في تاريخ منطقة مكة المكرمة.. ففي هذا اليوم الأغر احتشد نحو (10.000) رجل وامرأة من أهالي المنطقة ليطلعوا على إستراتيجية تنموية متكاملة للمنطقة وضعت على أسس علمية..

.. قدمها سمو أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل في اللقاء الحاشد الذي اختار له سموه مكة المكرمة - عمرها الله - لتكون منبر إطلاق تلك الإستراتيجية الريادية.. ونقل اللقاء فضائياً إلى حشد آخر من المواطنين والمواطنات في جدة والطائف.

هذا اللقاء المهم جاء في ذكرى مرور عام على تولي سموه مهام الأمارة.

وهكذا هو (خالد الفيصل) من صناع التاريخ المتوج بالإنجاز اللافت.. على الرغم من أن عاماً واحداً يعد زمناً قصيراً في أدبيات الإدارة المحلية ومقاييس الإنجاز.. انطلقت إستراتيجية المنطقة والخطة العشرية لمشروعاتها من خلال رؤيته المضيئة: (ملننا البقاء في العالم الثالث ونريد اقتحام العالم الأول ولدينا مقومات تحقيق ذلك).

والانطلاق نحو العالم الأول يتم من خلال الاهتمام ببناء الإنسان وتنمية المكان..

وضع سموه هذه الإستراتيجية.. بعد جولات ميدانية مكثفة جاب خلالها القرى والهجر والمدن النائية بالمنطقة وقف خلالها على الواقع وفي الميدان.. لم يخيب سموه الكريم تطلعات أهالي المنطقة الذين يحيطونه بمشاعر الحب والتقدير.. وينظرون إليه كابن لهذه المنطقة التي ولد فيها وعاش في أحضانها زهرة شبابه..

خاطب سموه الحضور من القلب فوصل إلى القلوب المحبة.. واتسم حديثه بالصراحة والشفافية.. وكما أعاد للنفوس طمأنينتها واستقرارها عقب أمره بإزالة الحواجز الخرسانية بدءاً من تلك التي كانت تلف خصر مبنى الأمارة.. وإيقاف النقاط التفتيشية المرورية.. وهو القرار الذي لاقى استحسان الأهالي وتقديرهم..

أعاد سموه إلى الأهالي دواعي الأمل المشرق نحو مستقبل حافل بالمعطيات في ظل رؤية واضحة لمسيرة مدروسة..

رأيت وجوه الحضور تعلوها ملامح الاستبشار والتفاؤل سيما حين قال سموه: (لا نريد أن نبقى على هامش المسيرة التنموية والحضارية في هذا العالم، نستطيع أن نكون قوة ثقافية كبيرة.. قوة حضارية واقتصادية كبيرة.. ولدينا كل المقومات لتحقيق ذلك).

ولتأكيد ثوابتنا الدينية التي تنطلق عليها خططنا الإستراتيجية، قال سموه: (نتمسك بديننا وبقواعدنا الشرعية.. نتمسك بخضوع أنظمتنا لتعاليم إسلامنا الحنيف).

وأضاف قائلاً: (مكة المكرمة.. شرفنا الله بأن أسكنا جوار بيته العتيق وميزنا على باقي الأمم بأن ضمن لنا الرزق والأمن.. وأن نقطة الانطلاق في هذه الخطة هي (الكعبة المشرفة) فوجود الكعبة والحرم هو الأساس لكل تنمية).

وربط سموه هذا التميز بالعمل الجاد المخلص للارتقاء بمستوى جميع الخدمات والمرافق إلى أعلى مستوى.. وهي مسؤولية الجميع.. وذلك من خلال برنامج عمل جاد؛ فالإستراتيجية هي برنامج عمل يتضمن آليات تنفيذ في إطار جدولة زمنية.

وحيث إن القطاع الخاص شريك أساس في العمل التنموي فلقد كان صائباً شموله في هذه الخطة.. وهذا ما أكده سموه حين قال إن هذه الخطة لا يمكن أن تنفذ إلا بالتعاون المشترك بين القطاعين العام والأهلي.

إلى جانب الحرص الواضح في الإستراتيجية على التنمية المتوازنة التي لا تغفل المحافظات والقرى والمدن النائية. ولقد حرص الأمير على إرجاع الخطة الإستراتيجية للمنطقة إلى مرجعياتها النظامية: نظام المناطق، والخطط الخمسية للدولة والمخطط التنموي الإقليمي للمنطقة.

الخطة التي تم وضعها بناء على مخرجات ورش عمل شارك فيها وزراء ونواب وزراء ومديرو عموم وأكاديميون ومفكرون ومثقفون ورجال أعمال وطلاب جامعات ومديرو جامعات وخبراء تنمويون من الجنسين.. تضمنت الملامح التنموية التالية:

- رفع كفاءة التعليم والتدريب ومخرجاته.

- بناء مفاهيم واتجاهات إيجابية لدى إنسان المنطقة وتنميته اجتماعياً.

- رفع كفاءة الخدمات الصحية كماً وكيفاً.

- رفع مستوى أداء العاملين بالحج والعمرة.

- تمكين وتفعيل مجلس المنطقة والمجالس المحلية للقيام بدورها.

- وضع خريطة تكاملية تنسيقية للأدوار في الأنشطة الاقتصادية.

- تطوير منظومة متكاملة للبنية التحتية.

- توفير مصادر كافية لمياه الشرب ومعالجة تسربها وهدرها.

- تطوير مرافق النقل العام والمواصلات.

- معالجة الأحياء العشوائية وتحويلها إلى نموذجية.

- حماية وتوثيق وتطوير الأراضي العامة للدولة والاستفادة منها.

وتجسد هذه الملامح محوري الإنسان.. من خلال تعليمه وتدريبه ورعايته صحياً وتنميته اجتماعياً واقتصادياً والمكان من خلال تطوير البنية التحتية في شكل منظومة تكاملية ومعالجة الأحياء العشوائية وتطوير الأراضي العامة ومرافق النقل.

ولقد شد اهتمام حضور اللقاء التاريخي إشارة الأمير إلى أن الخطة تضمنت تطوير الأداء الحكومي في المنطقة والبدء سيكون أولاً ببيتنا (الأمارة).

كذلك مشاركة القطاع الخاص في مشاريع المنطقة التنموية بنسبة لا تقل عن 40% يمكن رفعها إلى 70%. والترويج لمكة المكرمة كعلامة تسويقية عالمية. وربط جميع الأطراف المعنية بالتوظيف من خلال شبكة معلومات إلكترونية متكاملة.

والبدء في دراسة قيام واجهتين سياحيتين في الطائف والساحل الجنوبي في المنطقة.

ومن المبادرات الثقافية التي تضمنتها الخطة، تفعيل نشاط سوق عكاظ وتأسيس مجلس مكة الثقافي وإنشاء جامعة أهلية للعلوم الصحية وتأسيس جائزة مكة للتميز في مجال خدمات الحج والعمرة.

الخطة الإستراتيجية العشرية لمنطقة مكة المكرمة تبلغ تكلفتها الإجمالية نحو (272) مليار ريال جاءت بشكل علمي ممنهج وممرحل.. مما يضيء الطريق نحو مستقبل زاهر يعالج مشاكل المنطقة ويقود إلى تنمية مستدامة متوازنة تحمل في تضامينها بإذن الله خيراً عميماً على سكانها البالغ عددهم (6) ملايين نسمة يمثلون 26% من إجمالي سكان المملكة.. أي أكثر من ربع عدد سكان المملكة.

فالمنطقة تعاني حالياً من قصور واضح في خدماتها الأساسية.. تجسده الاحتياجات المتزايدة وتؤكده المؤشرات والمعايير المعتمدة.

ولقد قيض الله لها خالد الفيصل - وبدعم من ولاة الأمر يحفظهم الله - بخبراته الثرية وفكره المستنير وبشخصيته المرتبطة بالإنجاز والعطاء والعمل الجاد.. ولعل قراره بمنع وإيقاف الاحتفالات والإعلانات الدعائية الترحيبية بسموه في زياراته وجولاته على مدن ومحافظات المنطقة ودعوته إلى توجيه ما خصص لها للصرف في أوجه الخير والبر.. وكذلك رفضه إطلاق اسمه على المشاريع التنموية التي دشنها ما يعكس مفاتيح شخصيته..

يقول الأمير الجليل: (لكم علي أن أكون خادماً لهذه المنطقة كما أوصاني خادم الحرمين الشريفين وعهد علي أن لا أشارككم في أموالكم ولا ممتلكاتكم وأن أكون حريصاً على حقوقكم وأن أعمل ما وسعني إلى ذلك جهدي الذي أعتمد فيه على توفيق الله ثم ثقة ولي الأمر).

وأخيراً.. وإذا كان التخطيط الإستراتيجي هو التخطيط الذي يركز على البيئة المحيطة واحتياجات وتطلعات المجتمع المحيط ويهتم بالتغيرات التي تحدث في القدرات والمهام الإستراتيجية ويحقق هدف تنمية القدرة على توقع التغييرات ذات البعد الإستراتيجي.. وتبعاً يمكن من الاستعداد المبكر لمواجهة التحديات - كما عبر أب التخطيط الإستراتيجي أنسوف Ansoff وكما ذكر (فرد دايفيد) في كتابه الشهير (الإدارة الإستراتيجية) - فإن قراءتي للخطة الإستراتيجية التنموية لمنطقة مكة المكرمة.. والإضاءات الشاملة التي أصخت استماعي لها من خلال اللقاء التاريخي لسمو الأمير خالد الفيصل.. تنبئ بمسيرة تنموية شاملة وفق أسس علمية مدروسة.. ندعو الله سبحانه وتعالى أن يكلل جهود سموه الكريم والعاملين على تنفيذ هذه الإستراتيجية التي تتعلق بأطهر بقاع الأرض بالتوفيق والنجاح.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد