Al Jazirah NewsPaper Tuesday  14/10/2008 G Issue 13165
الثلاثاء 15 شوال 1429   العدد  13165
ألم يحن الوقت لنخرج من جلباب النفط
د. عبدالله بن سعد العبيد

تحدثت كثيراً عن الإصلاح الإداري واقتراح إستراتيجيات للتنمية الإدارية ووضع أولويات تنطلق من تحليل ودراسة الواقع الحالي لمؤسسات الدولة، وضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب والقضاء على البطالة المقنعة وبجميع أشكالها الأخرى..

..والسعي الحثيث لضرورة تحقيق الإصلاح الإداري في جميع مؤسسات الدولة تمشياً مع التوجيهات السامية بذلك.

وقد اقترحت في أكثر من مقال ومناسبة عدداً من الآليات الكفيلة برفع مستوى الأداء العام عبر عدد من الآليات التي يتم من خلالها قياس الأداء المؤسسي الأمر الذي سيكفل رصداً للمعايير المطلوبة والتي من شأنها إن وضعت وأحسن تطبيقها أن يتم تحسين الأداء والإنتاج معاً.

يخطئ من يظن أن التنمية عملية سهله أو بسيطة بل هي معقدة في واقع الأمر ويقف في سبيل تحقيقها معوقات كثيرة. ولذلك فهي تحتاج إلى الخبراء والمخططين والقادة وإلى تشريعات مشجعة وتبني واحتضان الدولة لمشروعاتها وبرامجها على أن يكون ذلك بشكل مستمر ومستديم حيث إن التنمية عملية مستمرة ومتصلة ولا ينبغي أن تقف عند حد معين. وهذه إحدى أهم خصائصها الأساسية والتي يأتي من ضمنها إشباع حاجات أفراد المجتمع المختلفة، فبخلاف الحاجات الأساسية للمواطن كالحاجات النفسية والمادية والاجتماعية وما يتطلب ذلك من توفير وإشباع للغذاء والكساء والمسكن والماء والكهرباء والتعليم والصحة..إلخ، تأتي حاجاته المعنوية الأخرى كحفظ كرامة الإنسان واحترام حقوقه وما يلحقه من تحقيق المواطن لذاته وهو بذلك يحتاج من الناحية النفسية إلى الشعور بالعدل والإنصاف والمساواة والحق والانتماء والقبول والاحترام وتوافر المكانة الاجتماعية. الأمر الذي يتطلب دون شك رفع كفاءة الدور الذي تقوم به الدولة ورفع كفاءة الموارد المتاحة والعمل على تحسين سبل استغلالها وتخصيصها والتخطيط التنموي لها ورفع كفاءة النظم الإدارية.

تعتبر المملكة العربية السعودية وغيرها من دول قلائل لا تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة ممن يعتمد العالم عليهم في مدهم بالنفط أو ما يسمى الذهب الأسود، ولا يشك اثنان إنه إن حصل وتوقفت السعودية وهي من أكبر مصدري النفط في العالم عن إمداد الذهب الأسود لحدثت كارثة لا يمكن لأحد حتى الآن أن يتوقع ظروفها ولا حيثياتها نظراً لاعتماد العالم كما ذكرنا على مخزون المملكة الاحتياطي وما تمده بشكل يومي للعالم. وهذا أمر لا غبار أو نقاش عليه، لكن ماذا عن المملكة الدولة المصدرة للنفط، ماذا عن أكبر دولة من حيث احتياطي النفط لديها، ماذا لو حدث إن تم الاستغناء عن النفط خلال العقود القليلة القادمة أو لنقل ماذا لو نضب فعلاً هذا المخزون، ما النتيجة وما الذي سيحدث. لقد اختلف كثيرون حول إمكانية نضوب المخزون النفطي في العالم برغم عدد من المؤشرات التي بدأت تظهر لتؤكد حقيقة أن نضوب النفط ليس ضرباً من الخيال، كما حدث ويحدث حالياً في بحر الشمال. لكن ما لم يختلف عليه أحد، هو أن الدول المتقدمة ونتيجة ما تعانيه ويعانيه مواطنوها بدأت منذ عقود برصد مبالغ فلكية لدراسة إيجاد مواد بديلة مصنعه تقوم مقام النفط ليس توقعاً بنضوبه فهم لا يكترثون لتنبؤات وخيالات علماء الجيولوجيا بل لإيجاد حلول واقعيه لتوفير مواد تقوم مقام الذهب الأسود.

يقول أحد الإخوة الخليجيين (حين ارتفع سعر برميل النفط إلى مستويات قياسية كان ذلك مُؤشرا إلى بداية مرحلة جديدة وسريعة في بناء دولتنا والسير بخُطى حثيثة للنهوض بمستوى دخل المواطن الخليجي.

والمنطق يقول هذا، ولكن وللأسف الشديد في تلك الدولة لا وجود للمنطق ولا مجال للتفلسف، فالأمور محسومة حيث لا تغيير، تكسرت الأحلام، وضاعت الأماني، فالمواطن الفقير الذي رسم آمالاً كبيرة حين رأى ما يقارب المليون برميل من الذهب الأسود القابع في جوف أرضه يسجل طفرة غير مسبوقة حيث وصل سعره إلى 100 دولار بل تجاوزها وما زال في صعود، الكل بات يُمني النفس بأن الأمور أصبحت مُهيأة ومتاحة لتعديل الرواتب وانتشال ذوي الدخل المحدود من مستنقع الديون ولكن هيهات.) هذا كان جزءا من حديث أحد مواطني دولة خليجية شقيقة لأحد المنتديات. ولم أرغب الإسهاب فيما ذكر حتى لا يتم تحوير مقالي لمناقشة قضية دولة شقيقة أو هموم مواطن من دولة شقيقة.

لقد نشر سمير التنير في صحيفة السفير في التاسع من يوليو 2008 مقالاً بعنوان نهاية عصر النفط أوضح فيه توجها قويا ومؤيدا لاحتمالات نضوب البترول ويقول أما الآن فيقف العالم أمام أكبر تهديد لسيادة البترول. وذلك لوجود احتمالات كبرى لنضوب الذهب الأسود. وقد تنبأ عدد من الجيولوجيين بأن إنتاج النفط بدأ بالانحدار. كما إن البدائل المتوافرة لا يمكن لها أن تحل محل النفط.

وأن وصول إنتاج النفط إلى الذروة والانحدار بعد ذلك، سينتج عنه حصول كارثة للاقتصادات الصناعية المتقدمة. وقد اكتسبت تلك النظرية قبولاً واسعاً في دوائر (وول ستريت) وفي وسائل الإعلام. وألفت كتب متعددة حول الموضوع منها (نهاية البنزين out of gas) و(الخزان الفارغ The empty tank)، والانهيار الاقتصادي القادم، وكيف تستطيع التصرف عندما يبلغ سعر برميل النفط 200 دولار.

ولكن على الرغم من نفي شركات النفط العملاقة لتلك النظرية من قبل، إلا أنها عادت الآن للترويج لها. وقد استعملت شركة شيفرون الإعلان التالي: لقد استغرق منا الوقت 125 سنة لاستخراج التريليون الأول من براميل النفط. أما التريليون الثاني فسيستغرق 30 سنة فقط. أما مدير شركة شل جيفرون فإن درفيل فقال: لقد انتقل النقاش الآن من (هل سنستطيع شراء النفط إلى مقولة، هل يوجد النفط من بعد؟).

يطرح السؤال بقوة أكبر: (هل ينضب النفط في العالم قريباً؟) وهل ارتفاع الإنتاج إلى الذروة، ومن ثم إلى الانحدار السريع سيؤدي إلى حصول كارثة اقتصادية. ويقول الخبراء الغربيون إن هذين السؤالين يكتسبان الآن مصداقية خاصة. ويتركز الاهتمام على إبدال النفط بمصادر طاقة أخرى لتحريك العدد الهائل من السيارات والأتوبيسات والطائرات.

إن العالم اليوم هو على وشك التهيؤ لحصول انتقال من عمليات التنقيب عن النفط المكلفة إلى عمليات تكنولوجية - صناعية خاصة تنتج بديلا عن النفط هو أفضل منه، حسب رأي مدير شركة شل سالف الذكر، ويجري السباق الآن حول تصنيع بدائل للنفط تحل محلها مؤقتا وتؤدي إلى إطالة عمر احتياطات النفط في العالم. وهذا الانتقال من الاكتشاف إلى التصنيع يفتح الباب لشركات من خارج احتكارات النفط من أمثال شركة جنرال إلكتريك الأمريكية وفيرجن البريطانية وساسول الإفريقية الجنوبية. وكافة تلك الشركات تعمل على إنتاج بدائل النفط، وربما يؤدي ذلك إلى حدوث اختراق علمي Technological Break through.

ولكن السؤال يعود مجدداً: (هل ينضب النفط في العالم؟) يجيب على هذا السؤال كولين كامبل وهو جيولوجي إيرلندي بأن حصول ذروة الإنتاج ومن ثم الانحدار غير معقولة الآن. أما كينيث دافيز من جامعة برنستون فيقول بأن قمة إنتاج النفط حدثت في السنة الماضية.

وتشير التوقعات إلى أن إنتاج النفط سيتصاعد في السنوات القادمة. ويقول مركز كامبردج لأبحاث الطاقة (CERA) إن إنتاج النفط سيرتفع في العالم بمعدل 15 مليون برميل في اليوم، وذلك ما بين أعوام 2005- 2010 أي ما يعادل 18 بالمئة من الإنتاج الحالي. وذلك في أكبر زيادة حدثت في التاريخ. كما يشير المركز كذلك إلى أن تلك المشاريع ممولة وفي طور التطور ولا يعيق الإنتاج إلا أمران هما التطورات السياسية والحروب الأهلية.

تجد شركات النفط الغربية الكبرى صعوبة في إيجاد الاحتياط النفطي لما تنتجه. ويقول آرت سميث أحد خبراء النفط في الغرب إن الشركات تستعيد فقط برميلاً واحداً من كل ثلاثة براميل تنتجها. أما الخبير الآخر المدعو مايكل رودجرز فيقول إن الاكتشافات الكبرى حدثت منذ 30 عاماً. ولم يطرأ أي جديد بعد ذلك. ولا يعني ذلك أن النفط السهل الإنتاج والرخيص قد نفد من العالم، إذ لا تزال كميات كبرى منه موجودة في روسيا وفي بلدان (أوبك) وبوجود النفط الخام في ألاسكا وبحر الشمال، فإن إنتاج النفط خارج أوبك سيزداد زيادة كبرى، ومن المتوقع أن يصل إلى ذروته في عام 2015.

ومن المؤكد أن شركات النفط والبلدان المصدرة لن تستطيع بعد اليوم اكتشاف حقول كبرى للنفط، مثل حقل الغوار في السعودية الذي ينتج وحده خمسة ملايين برميل في اليوم. أما الاختراقات التكنولوجية في تحسين وسائل الاستخراج مثل (الضخ المتعدد الجوانب) Multilateral Drilling، والتي أعادت الكميات المستخرجة من بحر الشمال إلى ما كانت عليه من قبل.

كما أن وسائل الاستخراج المحسنة تستطيع أن تضيف إلى كميات الإنتاج أكثر مما تستطيعه الاكتشافات الجديدة، في بحر قزوين وفي بحر الشمال. كما تتابع الشركات الكبرى البحث عن النفط في المياه العميقة، وفي المناطق القطبية التي يذوب ثلجها الآن، بسبب ارتفاع حرارة الأرض. ويتوقع أيضا أن تتسع مساحات الأراضي المؤهلة للاكتشافات الجديدة في سيبيريا والسعودية والعراق. أما الخبراء المتشائمون فيقولون إن كميات الاحتياطي في العالم، مقدرة بأكثر مما عليه في الواقع.

نجد ذلك واضحا في كتاب ماثيو سيمنز المسمى (شفق في الصحراء) Twilight in the Desert الذي يقول إن وضع آبار النفط في العالم ليس على ما يرام. ولذلك يؤكد توم فالين ناشر Petroleum Intelligence Weekly أن الأرقام يجب مراجعتها والتأكد منها.

وعلى الرغم من اتساع مناطق احتياطيات النفط في العالم كله، والزيادة المذهلة في الإنتاج، يبقى مجال الانحدار الكارثي غير متوقع الآن، أو في المستقبل المنظور.

يحذر الخبراء الغربيون المتشائمون بأن الآبار العملاقة في العالم، قد ينحدر إنتاجها قبل وضع الاكتشافات الجديدة في عملية الإنتاج. ولذلك يدعو جيرفي ليكت مؤلف كتاب (الخزان الفارغ) إلى تقليص الاقتصادات الغربية قبل حلول الأزمة.

إن عدم وجود البدائل للنفط، وعدم الاستطاعة من الحصول عليها بأسعار تجارية، قد تدفع الإنتاج إلى ذروته ثم ينحدر بعد ذلك انحدارا مؤثراً، مما يجعل سعر البرميل يرتفع إلى سعر عال جدا وغير مسبوق، مما يسبب الفوضى في أسواق النفط، ويؤدي إلى تراجع الاقتصاد الغربي وانهياره.

يعتبر بعض الخبراء أن السيناريو - الكابوس المشار إليه أعلاه، يبقى غير مرجح لأن الآبار الكبرى مثل حقل الفوار في السعودية. لن ينحدر إنتاجها من 5 ملايين برميل في اليوم إلى الصفر بين ليلة وضحاها. إن الآبار الكبرى توجد ضمن شبكة من آبار قديمة وجديدة والانحدار في الإنتاج سيكون متدرجاً.

ولكن هل تؤدي ندرة النفط إلى حدوث كارثة اقتصادية؟ يجيب بعض الخبراء أمثال جيري تايلور وبيتر فإن دورن من معهد كاتو Cato institute بأن ذلك يمكن منع حدوثه بواسطة عدم التدخل في الأسعار ووضع القيود على الاقتصاد كما حدث في فترة السبعينيات.

أما كنيث روغوف، فيقول إن أسواق النفط متطورة جدا، وهي تغطي فترات من الزمن تمتد من خمسة إلى سبعة أعوام. وعندما ينحدر الإنتاج فإن الأسعار سترتفع. ويؤثر ذلك في التكنولوجيات الجديدة، وعلى الكميات المخزنة كاحتياطي إستراتيجي.

إن الحصول على برميل للنفط بسعر 60 دولاراً حالياً هو أمر مستحيل، أما سعر 120 دولاراً للبرميل فيؤمن النفط لعدة عقود قادمة، كما يتنبأ الأستاذ في هارفرد المشار إليه، تتركز دعاوى المتشائمين أيضا على أن بدائل النفط، كما أن أسواق البدائل لا تزال صغيرة نسبيا، وذروة الإنتاج النفطي في العالم قد تحدث بين أعوام 2020 -،2030 وبعدها الانحدار الرهيب في الإنتاج الذي تتوقعه وكالة الطاقة الدولية.

في تلك الأوقات يمكن إدخال البدائل إلى الأسواق (بعد استنفاد آخر نقطة من النفط على ما يبدو) كي يتم الانتقال من مصدر للطاقة إلى مصدر آخر بسهولة. تبدو تلك الفكرة مرجحة حاليا، بعد إعلان شركة شيفرون أن الشركات العملاقة تنتقل من مجال الاكتشاف إلى مجال التصنيع (وقد جربت شركة أودي للسيارات طرازاً من السيارات في فلوريدا هو 01-R يتزود محركه بمازوت مصنع من الغاز الطبيعي.)

لا يوجد لدي شك في أن القائمين على التخطيط في بلادنا لم تغب عنهم تلك المعلومات العادية ولا يوجد شك لدي بأنهم قاموا بوضع الخطط الإستراتيجية الكفيلة باستمرار حصول المملكة على الإيرادات المالية التي اعتادت الحصول عليها من خلال النفط، لكني وكمواطن عادي من حقي أن أعلم ماهية تلك الإستراتيجيات والخطط التي تتبناها المملكة في حال نضوب النفط أو تم الوصول لبدائل عنه. إن ناتج المملكة من غير النفط لا يكاد يمثل شيئاً مقارناً إطلاقاً بإيرادها من النفط، ويقيني أن بضعة المليارات القليلة تلك والتي تسمى إيرادات غير نفطية هي من الصناعات النفطية التحويلية، أي نقل النفط الخام وتحويله إلى مادة أخرى يتم بيعها على أنها من صنع المملكة وهي بالأصل نفط مستخرج.

أتساءل كثيراً، هل تم التفكير حقيقةً بالخروج من إطار الصناعات النفطية إلى الصناعات الأخرى التي تكفل حتى الحدود الدنيا من الحياة الكريمة التي تعيشها المملكة حالياً فيما لو قدر أن ينضب النفط أو أن يتم الاستغناء عنه. هل تم التفكير فعلاً بالقيام بصناعات حقيقية تخرج لنا سلعاً سعودية خالصة بدلاً عن تلك التي يكتفي بالكتابة عليها صنع بالسعودية وهي التي يتم جلبها من مصادرها ويتم تعبئتها وتغليفها داخلياً حتى نحظى بشرف السمعة بأننا مصنعون، ولكم في الزيوت والحبوب والأرز وغيرها من المواد الاستهلاكية التي يتم جلبها بكميات مهولة ومن ثم تقوم مصانع التعبئة بدورها بتغليفها والكتابة عليها (صنع بالسعودية).



dr.aobaid@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد