لك أجر الحج ولو لم تحج .. هكذا أفتى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله -.. تنظم جمعية تحفيظ القرآن الكريم، مركز (.........) حملة حج للحافظين والحافظات .. تكلفة الحاج (4000) ريال .. نرغب تحجيج (400) شخص .. حساب رقم (.........) مصرف (.......).. هاتف (....... أو........)..
.. وعند الإيداع يرجى إرسال رسالة جوال بالمبلغ، وتحديد نوع التبرع (حج - وقف - زكاة).
* حسناً .. هذا نص بتصرف، عن نص إعلان ترويجي، يمهد لحملة حج على أنها حملة خيرية، وقد نشر في صحيفة محلية - أو أكثر من صحيفة - طيلة الأيام الفارطة، وكان يحتل مساحة صغيرة في ذيل الصفحة، لكن هذه المساحة الصغيرة، لا تتناسب قطعاً مع المبلغ المستهدف من الحملة، والذي سوف يصل حسب منطوق الإعلان، إلى (1600000) ريال..؟!
* وشاهدت في صحف أخرى، إعلانات شبيهة بهذا الإعلان، وهي تنطلق من مؤسسات خيرية، مناطة بها خدمة المجتمع في جوانب إنسانية بحتة، ومن نص الإعلان أعلاه، تبدو حملة الحج هذه وكأنها (خيرية)، بينما هي تجارية - تتبنّاها جمعية لتحفيظ القرآن الكريم في واحدة من كبريات مدن المملكة، بدليل أنّها لا تحجج أحداً لله في الله، وإنما بمقابل.
* إنه ليس من حق أحد أياً كان، الاعتراض على عمل خيري، خاصة إذا كان مشروعاً، ويتم وفق تنظيمات وتوجيهات الدولة، ويستهدف شريحة من المواطنين، تنطبق عليهم مواصفات استحقاق الرعاية الاجتماعية والإنسانية والخيرية، فالدولة بكل جهدها - حرسها الله - والمجتمع بما فيه من خيرية فطرية، الكل يدعم كافة الجمعيات الخيرية التي تساعد الفقراء والمحتاجين، ويدعم كذلك جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، لأداء رسالتها وفق تخصصها في تحفيظ كتاب الله للراغبين من الطلاب والطالبات، ولم نكن نعلم حتى اليوم، أنّ من ضمن مهام جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في المملكة، أو غيرها من الجمعيات الخيرية الأخرى، انتهاز مناسبة دينية كهذه، ودغدغة الشعور الديني لدى المجتمع السعودي، والإعلان في الصحف اليومية، عن تنظيم حملات تجارية للحج من تبرعات المواطنين، التي توجّه إلى أرقام حسابات في البنوك، فإذا جاء مشروع كهذا ب (1600000) ريال، من أجل تحجيج (400) شخص، فهو يقوم على فكرة عدم استطاعة هؤلاء المستهدفين من الحملة على أداء الفريضة، وإلا .. لموّلوها هم من جيوبهم دون حاجة لطلب تبرعات من أموال المحسنين، وعدم الاستطاعة راجع لأسباب مانعة بطبيعة الحال، مالية كانت أو نفسية أو جسدية أو غيرها، وفي هذه الحالة، فإنّ مثل هؤلاء - سواء كانوا من حفاظ أو حافظات أو غيرهم - ما داموا غير مستطيعين لأداء فريضة الحج، التي هي لمن استطاع إليها سبيلاً - تسقط عنهم فريضة الحج شرعاً، فلا حاجة إذن لحملة حج بملايين الريالات لمن لا حج لهم أصلاً، وإذا حمل الإعلان إشارة توحي بفتوى لفضيلة الشيخ (محمد بن عثيمين) - رحمه الله -، فلا يُعرف بالضبط، ماذا قال فضيلته تحديداً في تمويل تحجيج من لا يلزمه حج، ولا السياق الذي وردت فيه فتوى كهذه، يأتي هذا، في الوقت الذي يوجد في المجتمع، من هم أولى بهذه الملايين التي سوف تدخل حساب هذه الحملة التجارية في المصرف، فمن هو المسؤول عن حيازة واستلام تبرعات تأتي على حسابات بنكية، لا يعرف قليلها من كثيرها..؟ وهل تخضع لجهة رقابية رسمية، أو محاسبية قانونية، مثلما يجري في بقية المؤسسات القانونية..؟ وهل هناك تصريح رسمي من جهات مختصة..؟ مثل وزارة الداخلية على سبيل المثال، التي سبق وأن منعت طلب وتحصيل التبرعات أو جمع الأموال بأي طريقة كانت، ومنها الإعلان في الصحف، من قبل جمعيات تحفيظ القرآن، والجمعيات الخيرية، وغيرها، بل .. وشددت في هذا الأمر، خشية تسرب أموال خيرية، إلى أوكار المكفرين والمفجرين والمخربين والمفسدين، كما حدث هذا من قبل..؟
* هناك في المجتمع، من تعصف بهم الديون، ومن يحتاجون إلى الدواء، وإلى العلاج في المستشفيات، ومن هم في ضنك معيشي وقلة، ومن دخل عليهم موسم الشتاء، وليس لديهم ما يكسون به أطفالهم، وآخرون لا سكن لهم، ولا مقدرة لديهم لدفع إيجارات السكن، ثم نجد هذه الحملة وسواها، تنطلق من جمعية لتحفيظ القرآن الكريم، وليس من حملات حج مرخص لها بتحجيج الحجاج وفق الضوابط التي سنّتها الدولة، والمعايير التي تتطلّبها خدمة الحجاج في المشاعر المقدسة.
* إلى جانب الإعلان السابق ذكره، نشر إعلان آخر هذا نصه: (أفضل استثمار على الإطلاق .. أخي المسلم: هل تريد أن يبارك الله لك في مالك؟ هل تريد الوقاية من الخسائر المالية؟ هل تبحث عن السعادة؟ تذكّر قول الله تعالى:
{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}صدق الله العظيم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، بل تزده، بل تزده). أخي الحبيب .. ابحث حولك عن المحتاجين من الأقارب والجيران، وإن استطعت أن تستقطع لهم من دخلك بشكل منتظم فافعل). التوقيع (فاعل خير).
* شكراً يا فاعل الخير هذا، وصدقوني، لو أنّ كلاً منا تلفّت حوله، فعم بنظرته الحنونة العطوفة، أقاربه وجيرانه، وسدّ مما زاد عن حاجته، حاجة قريب له أو جار، فلن يبقى سعودي أو مقيم واحد في بلدنا، جائعاً أو عارياً أو محتاجاً لما هو ضروري من متطلّبات الحياة.
* عيدكم سعيد مبارك يا أيها الطيبون .. ويا أيها المحسنون. سوف أسهم مع (فاعل خير) - أكثر الله من أمثاله وأمثالكم - فأدعوكم لكي تنتهزوا هذه الفرصة العظيمة، مع قدوم عيد الأضحى المبارك، فتتلفّتوا حولكم أولاً، وتتفقّدوا الأهل والأقارب والجيران أولاً، الأقرب فالأقرب. وجار الدار حتى سابع جار.
* عيد الطيبين جميعهم .. خير ورحمة، وبر وبركة .. كل عام وأنتم بخير.
assahm@maktoob.com