Al Jazirah NewsPaper Sunday  30/11/2008 G Issue 13212
الأحد 02 ذو الحجة 1429   العدد  13212

علي المطلق.. العلم والكرم
حمدين الشحات محمد

 

عَلَمنا اليوم هو فضيلة الشيخ علي بن محمد المطلق - يرحمه الله - المدير العام الأسبق لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1372- 1387هـ) بنجد والمنطقة الشرقية وخط الأنابيب، وذلك قبل اقتصارها على مسماها الحالي (الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

نسبه

هو الشيخ علي بن محمد بن صالح بن مطلق. ولد - يرحمه الله - عام 1332هـ في بريدة، تعلّم القراءة والكتابة فأجادهما، ثم بدأ بطلب العلم، فقرأ على بعض مشاهير علماء بريدة - يرحمهم الله - أمثال:

الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم وأخيه الشيخ عمر، الشيخ عبد العزيز العبادي، الشيخ محمد الصالح المطوع، الشيخ سليمان بن محمد الطويان.

ثم سافر إلى مكة المكرمة طلباً للاستزادة من علم علمائها، فقرأ على عدد منهم أمثال: الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ (رئيس القضاة آنذاك)، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (مفتي الديار السعودية آنذاك) أيضاً، وغيرهما.

ثم عاد إلى بريدة وواظب على حضور دروس الشيخ عبد الرحمن بن سعدي.

أعماله

1- بعد عودته إلى بريدة اشتغل بالزراعة ثم هجرها وهاجر إلى الرياض حيث تم تعيينه إماماً لأحد مساجدها، وذلك عام 1359هـ.

2- عام 1364هـ تم تعيينه مديراً للمدرسة العزيزية الثالثة بالرياض.

3- كان إلى جانب عمله الوظيفي يزاول بعض الأعمال الحرة، ولما اتسعت قدّم استقالته من إدارة المدرسة عام 1370هـ.

4- سنة 1372هـ ولاه رئيس الهيئات الدينية بنجد (الشيخ عمر بن حسن بن حسين آل الشيخ - يرحمهما الله) منصب المدير العام للهيئات.

5- ظل - يرحمه الله - يشغل هذا المنصب حتى عام 1387هـ حتى استقال للمرة الثانية؛ لانشغاله بأعماله الخاصة وكثرة تنقلاته بين الرياض - القصيم - مكة المكرمة لإدارة هذه الأعمال والممتلكات.

أخلاقه وخصاله

1- كان محباً للخير معيناً على نوائب الدهر، يقول ولده عبد المحسن (1): (كم أسدى من معروف، وكم وسّع على ضائق، وفرّج عن معسر، وأعان على زواج، وساعد الكثير في بناء بيوت لهم حتى كان يبيع لبعضهم قطعاً سكنية ويمهلهم في سدادها، حتى أن بعضهم لم يسدد إلا بعد وفاته للورثة).

2- كان باب بيته مفتوحاً ليلاً ونهاراً، بحضوره وغيابه، ومجلسه معدّ دائماً.

3- كان لماحاً (ذا مروءة)، يقول عنه الأخ عبد العزيز الجمعة (2) أحد معارفه:

(فطرتُ يوماً مع الشيخ علي، وكنا في رمضان، ولما قدمت الشوربة كان أحد الضيوف لا يحسن الشرب بالملعقة، فلاحظ الشيخ ذلك، فما كان منه إلا أن بادر بقوله: يا أحباب، نحن نشرب الشوربة هكذا.. ورفع الصحن بين يديه) فرفع الحرج عن الضيف دون حرج.

4- كان جم التواضع.. يستوي في مجلسه الكبير، الكبير والصغير، فلا يتكلف لهذا ولا يعبس في وجه هذا.

5- كان مقصداً لذوي الحاجات والكرب، يقول ولده (عبد المحسن) (3) - ولا أظن أن شهادته هنا تكون مجروحة؛ فربما كان سرّ أبيه، وربما كان يطلعه على بعض وجوه الخير ليزرع فيه مع صغره حب الخيرات -: (كان ينفق على بيوت لا يعلمها إلا الله في الرياض والقصيم، وإذا ذكر أمامه أناس مستحقون بادر بإعطائهم دون تكليفهم مشقة ذل السؤال).

6- كان نزّاعاً للخير نزّاعاً عن الشر، فكان يرى أن إصلاح ذات البَيْن من أوجب الواجبات الواجب حث الخطى إليها، وكأنه يتمثل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى، قال (إصلاح ذات البَيْن) يساعده في ذلك أنه:

- آتاه الله من قوة الإقناع والحكمة والموعظة الحسنة حظاً وافراً.

- كان له في قلوب مَن حوله مكان طيب ومكانة محترمة.

7- تقول أخته (نورة)(4): حدث أنه مرة أقرض شخصاً أربعين ألفاً، وتأخر عن السداد أكثر من عام، وجاءه آخر يطلبه بعشرين ألفاً، فأرسل لصاحب الأربعين فأعطاه عشرين فقط معتذراً عن التأخير وعن عدم وجود الأربعين فدفع بالعشرين إلى صاحب العشرين، ومن فرحه تنازل لصاحب الأربعين عن العشرين الأخرى.

8- كان يمتاز - غير ما تقدم - بخلّتين عظيمتين: بالرحمة والحلم، وخاصة:

1- بمن تحت يده من عمالة مستأجرة؛ فيعاملهم معاملة الإخوان لا الخدم، يؤاكلهم ويلاطفهم، يأنس بهم ويجالسهم، كأنه - يرحمه الله - كان يتمثل في معاملتهم قوله صلى الله عليه وسلم (إخوانكم خولكم، أطعموهم إذا طعمتم واكسوهم إذا اكتسيتم).

2- اليتامى.. كان لهم مكانة خاصة ومقام خاص عنده، يواسيهم ويحنّ عليهم تمثلاً بقوله صلى الله عليه وسلم لرجل (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح على رأسه).

9- كان حريصاً على أداء أهله الصلاة في جماعة؛ إذ كان عند النداء يطوف على أهل بيته بصوت جهوري (الصلاة.. الصلاة)، بصوت يسمعه الكبير والصغير، النائم واليقظان.

10- وفوق هذا وذاك كان عفيف اللسان، لا ينتقد أحداً، ولا يسمح لأحد بهذا في مجلسه، وكأنه بهذا كان يتمثل قول الشافعي - يرحمه الله -:

لسانك لا تذكر به عورة امرئ

فكلك عورات وللناس ألسُنُ

قالوا عنه:

1- قال عنه فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان (5): (أقطع أنني أمام حُرّ أبيّ كريم، حدثني عنه من حدثني أنه ذو أياد كريمة وبذل سخي، وعلم جيد، وصفاء وتوحيد، وحسن عمل، فذ من طراز فريد، والأمة اليوم بحاجة ماسة وكبيرة إلى فقه الحياة، ودراية الحياة، ووعي التوحيد، ووضوح اليقين، وصدق الولاء والبراء من خلال ترجمة مثل هذا الإنسان الرجل، والرجل الإنسان).

2- كتب عنه الدكتور عبد الله الحامد (6): (كان والله من أهل الخير والبر والإحسان، كانت الصفات الغالبة عليه: الكرم والجود وحسن الخلق ولين الجانب.. كان بيته مقصداً للمحتاجين، وكانت أسر كثيرة وأشخاص كثيرون يعتمدون - بعد الله - على إحسانه وأعطياته، وكان - رحمه الله -فوق كل ذلك كريم الأخلاق جمّ التواضع واسع الحلم على قدر كبير من لين الجانب والتحمل والصبر وسماحة النفس وحسن المعاشرة.

3- مدحه الشاعر محمد بن عبد الله بن عامر، المعروف بالحوطي، في قصيدة طويلة، أختار منها:

(علي بن مطلق) طيب الجدّ والخال

جعله إمجار من العنا والفشيله

زبن الركايب وإن حداها أشهب اللال

يشكون أهلها والركايب هزيله

يبدي لهم بتحية سامح البال

ما قال قولوا زاح يبغى عميله

يفرح بهم لي جو.. من البعد هشال

أفرح من الزابن إيلي جا دخيله

له مجلس كنه على القدّ نزال

في القيظ لا منّه تقاطر نزيله

للجار والضيفان مرمى وقد هال

أنا أشهد إنه مجلسه ينعني له

للدين قوّام.. وللطيب فعّال

يبذل حلاله.. ما يدقّ بديله

وما إن علم بوفاته حتى رثاه بقصيدة أخرى.. منها:

قالوا: توفّى الشيخ (علي بن مطلق)

الله يونس وحشته في لحودها

مرحوم يابو المقصرين اليتامى

والرمل والشيبان لغبّر عودها

مرحوم يا راعي التقى.. صاحب العلا

نفسه معلمها على طيب جودها

مرحوم يااللي يكرم الضيف لا لفى

بالبن والترحاب مع زين عودها

مرحوم يااللي فيه شارات الكرم

يحب (صلح البين) يطلق عقودها

مرحوم يااللي به خصل حميدة

ما يبغى النمة ولا اللي يقودها

مرحوم يااللي شاب عمره على التقى

والشاهد الله والعرب من شهودها

ورثاه صديقه عبد الله بن عبد الكريم المعجل في قصيدة له، منها:

اللي غدا بالشام راس الحلاحيل

الشيخ (ابن مطلق) فلا أنيب ناسيه

أنا أشهد إنه من خيار الرجاجيل

في كل خير طايلات أياديه

وإذا عطى ما هو منان وبخيل

يوسع على المعسر ولاهوب يشنيه

4- وإلى ذويه وأبنائه كتب صالح بن عبد الله بن راشد التويجري معزياً يقول:

(والدكم والدنا.. أسكنه الله فسيح جناته، كان من الرجال الذين ساعدوا دائماً كثيراً من المسلمين في قضاء حاجاتهم، كم يسّر على معسر رحمة به وطلباً للأجر والمثوبة، وهو من هو - رحمه الله - عالماً فاضلاً كريماً سخياً خلوقاً بشوشاً، لا أعلم والله خصلة من خصال الخير إلا وهي فيه).

5- وكثيرون آخرون كتبوا عنه لا يتسع المجال لذكرهم أو لذكر ما فاضت به مشاعرهم نحوه، ولكن.. أن يقدم عنه فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان فذا شرف قل أن يدانيه شرف.

وصيته

أوصى - يرحمه الله - بمكتبته أن توضع في مكان لائق، وفي إحدى دور العلم؛ لتكمل الفائدة منها ويعمّ نفعها.

وعليه، إنفاذاً لما أوصى به، فقد تم توزيعها كالآتي:

1- جزء منها لمكتبة الحرم المكي الشريف.

2- جزء منها لمكتبة الحرم المدني الشريف.

3- الباقي تم توزيعه على مكتبات بعض مساجد الرياض.

وفاته

كان - يرحمه الله - قد أصيب بمرض السكري، وازداد المرض عليه بعد جرح أصابه في قدمه، فسافر إلى لندن عام 1396هـ طلباً للعلاج، ثم عاد بعد أن تحسنت صحته، ثم سافر مرة أخرى إلى ألمانيا عام 1398هـ لذات السبب.

وبعد فترة أصابته انتكاسة بفعل المرض، فذكر له البعض طبيباً سورياً، فسافر إلى دمشق، لكن صحته لم تتحسن حتى فاضت روحه الطاهرة هناك في الثاني عشر من رجب عام 1403هـ. نسأل الله له الرحمة والمغفرة.

(1) كتاب: هذا أبي: الشيخ علي المطلق

(2، 3، 4، 5، 6) نفس المصدر مع التصرف


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد