Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/01/2009 G Issue 13260
السبت 20 محرم 1430   العدد  13260
بين الكلمات
قناة العربية
عبد العزيز السماري

 

دخلت القنوات العربية الإخبارية في مرحلة تتسم بالتنافس والجدية، والعمل على كسب ثقة المشاهد، وباحتراف متقن في صناعة الخبر، ومهارة غير معهودة في إنتاج البرامج الموثقة بالشواهد والأدلة، كذلك أثبتت قناة العربية أن رأس المال السعودي قادر على تحقيق الإبداع إذا تحرر من البيروقراطية التي يبدو أنها تشكل العائق الأهم أمام تطور القنوات السعودية التقني والمهني.

لكن الإعلام العربي الإخباري لم يخل من الصراع، ومن مواجهة الخبر بالخبر المضاد، فقد صار لكل قناة مفردات وأخبار تدل أحياناً على موقف القناة الأيدولوجي من القضايا المثارة إخبارياً، وخير مثال على ذلك ما أحدثته قناة العربية من جدل بسبب إطلاقها مصطلح قتلى على ضحايا غزة المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، بينما تستخدم أغلب القنوات الإخبارية الأخرى مصطلح شهداء للمدنيين ولأولئك الذين قضوا بسبب دفاعهم وصمودهم ضد العدوان الإسرائيلي..

فقد ظهرت القناة الإخبارية السعودية والصحافة السعودية أثناء العدوان بصورة منسجمة مع مواقف المملكة التاريخية، وتتحدث بمفردات تدين العداون الصهيويني، وترفع من قدر أولئك الذين قضوا إلى منزلة الشهداء، وأن ما يحدث في غزة هو جريمة ضد الإنسانية والعروبة و الإسلام..

كان إطلاق قناة العربية للقب شهيد على مراسلها الذي قُتل في بغداد في حرب العراق الأخيرة شيئاً إيجابياً، فقد استشهد في سبيل نقل الحقيقة المؤلمة من داخل بغدد، وإن شكك في مصداقية التبرير الذي

تقدمه على أن مفرداتها تمثل الإعلام الحر غير المنحاز لأي من الطرفين في الحرب الدائرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، ويأتي نقدنا لقناة العربية بصفتها قناة مستقلة نوعاً ما، ويشكل اسمها في حد ذاته رمزاً للتحيز والهوية العربية، وهو بكل تأكيد علامة إيجابية وإشارة صريحة على انحيازها للهوية العربية..

لكنهم يتحدثون في القناة عن الحياد في نقل أخبار جريمة غزة، وأنهم بذلك يقدمون نموذجاً عصرياً للإعلام المحايد، ويعملون من أجل الوصول إلى إنتاج نص البراءة الذي يتجاوز العاطفة والتاريخ، ويقترب قدر الإمكان من حد التجرد من الهوية، لكن هل يوجد نص بريء خال من الانحياز و الأيدولوجيا؟! وهل الإعلام الأمريكي إن صح التعبير أو الإسرائيلي غير منحازين في نصوصهم الإخبارية..؟

الانحياز فطرة إنسانية، والموقف المثالي هو أن تنحاز للحق وللجانب الإنساني فيه، وبعض قنوات الأخبار الأوروبية بدت منحازة للإنسانية ولغزة في الحرب الحالية، وضد تبريرات حكومة إسرائيل في حصارها وحروبها التاريخية ضد الفلسطينيين.. وحسب المفكر العربي إدوارد سعيد لا يوجد نص بريء، وهو الذي كشف ببراعة جوانب انحياز الحداثة الغربية في كتابه الشهير الاستشراق، والحياد في قضية فلسطين هو انحياز للجلاد، كما هو الحال في قضايا الإرهاب، فالحياد أيضاً فيه هو انحياز للجلاد، والقناة لم تلتزم الحياد في قضية الإرهاب، وكان موقفها سليماً عندما انحازت نصوص أخبارها ضد قتل الآمنين..

كذلك أثار الدكتور عبدالوهاب المسيري في أطروحاته العلمية إشكالية التحيز، (إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد عام 1993)، وبرهن أنه لا يمكن تفكيك الإنسان عن واقعه (العالم من منظور غربي) عام 2001، و(الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان) عام 2002، وعلى أن التحيز جزء أساسي من الظاهرة الإنسانية، وأن الإنسان لا يمكن أن يكون حيادياً، فالعبارة جسد وروح، ولا يمكن بأي حال نزع العاطفة والمشاعر من أي جملة أو مفردة إنسانية..

أخيراً لابد من الإشادة بالقدرات التقنية والمهنية في قناة العربية، وفي قدرتها المتناهية في متابعة الأحداث السياسية وغير السياسية في مختلف العالم، وإن كانت تغطيتها تبدو أكثر جودة وتفصيلاً عندما يكون موقع الحدث أكثر بعداً جغرافياً وشأناً من أحداث المناطق التي تبث بالقرب من إرسالها اللحظي..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد