Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/01/2009 G Issue 13260
السبت 20 محرم 1430   العدد  13260
العرب يريدون - أولاً - تصالحاً فلسطينياً
د. علي بن شويل القرني

 

وأنا أكتب هذا المقال تكون منطقة الخليج قد عقدت اجتماعين، على مستوى دول الخليج العربي في قمة المجلس التي دعا لها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهي قمة تشاورية تنسيقية تمهد لقمة الكويت الاقتصادية .. كما قمّة الدوحة بمن حضر من الدول العربية ..

أما قمة الكويت الاقتصادية التي ستتحوّل بحكم ظروف المنطقة إلى قمة سياسية، فستكون هي القمة الرسمية التي جمعت كل العرب على مستوى القيادات، وسيتم فيه مناقشة الوضع في غزة..

وقد حرصت كثير من الدول العربية على أن تجتمع سواء في قمة عربية، أو على مستويات وزراء الخارجية، أو من خلال ممثلي ومندوبي الدول العربية في الجامعة العربية أو في غيرها من المحافل الدولية .. وعلى الرغم من الجهود التي تبذل في سبيل هذا التوجُّه التوحيدي بين صفوف الأمة العربية، إلاّ أنني أجد نفسي لمرة أخرى أسأل حماس وبلغة مباشرة .. أين التصالح بين المنظمات الفلسطينية؟ والوضع الفلسطيني يعيش حالة من التردِّي لم نسمع قط من حماس أي محاولة بأنها ستسعى إلى التصالح مع السلطة الفلسطينية .. بل ما سمعناه وباستمرار هو التمسك بمواقف حماس التي عبّرت عنها قبل شهور، وفيما يبدو أنّ الظروف والمستجدات التي تحدث على أرض الواقع لم تغير شيئاً من العلاقة بين الفصائل الفلسطينية ..

ولربما يسأل مثلي - أي مواطن عربي - حماس تريد تصالحاً ومواقفاً موحدة بين الدول العربية تجاه قضايا كثيرة تتفاوت بين ظرف وظرف، ودولة ودولة، وتريد أن يتم تبنِّي المواقف الحماسية من قِبل جامعة الدول العربية، ولكن ماذا عملت حماس من أجل وحدة الصف الفلسطيني؟ ماذا قدمت حماس من أجل أن تكون كلمة الفلسطينيين واحدة، ومواقفهم مشتركة؟ هذا سؤال محوري جداً .. ونتوقع أن تعمل حماس وبسرعة عالية على الاندماج مع السلطة الشرعية الفلسطينية، وتضع خلفها الاختلافات السابقة التي كانت تتعثر بها القضية الأساس للفلسطينيين .. ما نتوقعه - وكنا نتوقعه من أول يوم على بدء الهجوم الإسرائيلي - هو أن تبادر حماس وتنضوي تحت راية الشرعية الفلسطينية، بدون شروط مسبقة أو تسويفات مصالحة، أو سخط إعلامي..

معروف في أي مجتمع وفي أي زمن من الأزمان، أنّ الصراع الاجتماعي الخارجي دائماً ما يوحد بين صفوف الجبهات الداخلية، ويجعلها تعتلي فوق خلافاتها الحزبية أو السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، ويجعلها تقف صفاً واحداً أمام العدوان الخارجي .. أما ما شاهدناه في أحداث غزة، أنّ كل حزب أو فصيل يغرّد على ليلاه، وكأنّ شيئاً لم يحدث، وكأنّ المسألة لا تعني أحداً، بل إنّ كل فصيل إسلامي أو وطني له أجندته الخاصة، ولم تتأثر بأي فضاء آخر من فضاءات المنظمات والفصائل الأخرى .. وهكذا، فبينما اتحد العالم على رفض واستنكار العدوان الإسرائيلي على غزة، إلاّ أنّ هذه الفصائل رفضت أي اتحاد في الأهداف والبرامج والآليات .. وظللنا نطالع المتحدثين الرسميين لهذه الفصائل، وخاصة حماس، واضعين خلفهم أي جهود توفيقية مع السلطة الفلسطينية وباقي الفصائل الأخرى .. هنا يغيب المنطق، وتبدّد الحجج، وتنتفى العقلانية..

أما في الطرف الإسرائيلي، ففي ظني أنّ الترويكا الإسرائيلية المكوّنة من أولمرت، وباراك، وليفني يجب أن يحاكموا على جرائم الحرب التي ارتكبوها في غزة، والتي راح ضحيتها أكثر من ألف شهيد وخمسة آلاف جريح، ومعظمهم من الأطفال والنساء، ويجب أن يقف المجتمع الدولي وقفة حقيقة تفرز من يدافع عن حقوق الإنسان، ومن يقف مكتوف الأيدي يتفرّج على القتل والتدمير وجرائم الحرب الإسرائيلية على الأطفال والنساء والمدنيين العزل .. أحداث غزة يجب أن تفجّر قضايا حقوق الإنسان، ومبادئ العدل والمساواة بين الشعوب والمجتمعات الإنسانية .. ويجب أن يدفع الساسة من خارج إسرائيل من المعسكر الغربي الذين وقفوا تأييداً لإسرائيل أو صمتوا خوفاً منها ثمن هذه المواقف اللانسانية، والتي أقل ما يقال عنها أنها جرائم حرب، تشترك فيها مجالس الأمن، ومجالس السلام، ورئاسات القوى العظمي..

ولكن .. بنفس الطريقة، ربما يسأل مواطن عربي آخر، وهل تتحمّل حماس أي دور أو مسئولية سياسية أمام القتل والتدمير الذي حدث في غزة .. صحيح أنه بسبب الاجتياح العسكري للجيش الإسرائيلي، ولكن السؤال هل كانت حماس في مستوى مسئولية لتقدير الواقع المنتظر لمثل هذه الأحداث .. وتبعاتها على المدنيين من أطفال ونساء .. هذا سؤال محوري، ويجب أن تتصدّى القوى الفلسطينية له خلال الفترة القادمة .. فلو كان ما حدث في أي مكان في العالم، لكان السؤال مشروعاً أمام الرأي العام المحلي هناك .. وهو تحمل المسئولية السياسية التي قادت لمثل هذه الأوضاع .. فلو كنا في دول أخرى لسقطت حكومات، وتنحت شخصيات، وتوقفت أحزاب .. بل ربما تغيّر المشهد السياسي تماماً .. وفي نفس السياق، فإنّ تمسك حماس بعدم المصالحة مع السلطة قاد ويقود الفلسطينيين إلى فراغ في القرار السياسي، ولم تعد السلطة الفلسطينية - وهي الشرعية الأولى الممثلة للفلسطينيين في العالم - أن تتفاوض أو تناقش الأوضاع الحالية في غزة بمنطق السلطة، والقوة والنفوذ .. وهذا أضعف موقف التفاوض الفلسطيني .. والتفاوض العربي .. وأعطى لإسرائيل قوة ومبرراً على أن تسفك الدماء وتقتل الناس بحجة (حماس) ليس إلاّ..

* المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


alkarni@ksu.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد