Al Jazirah NewsPaper Saturday  13/06/2009 G Issue 13407
السبت 20 جمادىالآخرة 1430   العدد  13407
لماذا الوجل من يوم الأجل
د. عبد المحسن بن عبدالله التويجري

 

منذ أن وجد الإنسان مع بداية الوجود البشري وبدافع من السؤال والقلق تجلّت حاجته إلى الإيمان بشيء أقوى منه فدأب يبحث ويتأمل باستعراض الكون بما فيه، لكن رؤيته لم تأخذه نحو الصواب، ولأن من طبيعة الإنسان تكويناً مادياً فكان إصراره على شيء ملموس يؤمن به ويقدسه،

وينفعه أو يضره يمنع عنه أو يعطيه، ومنذ أن وجد وهو يتلمس شيئاً من مصادرة القوة وبدون بصر أو بصيرة ترشده إلى هذا المعبود فلم يوفق حيث لجأ إلى أصنام وأوثان وما شابه ذلك وهي بلا حركة أو فعل أو تفاعل، فلا تشعر بمن يؤمن بها حتى وإن قدّم كل قرابينه.

لكن رحمة العلي العظيم بالإنسان أرسلت رسلاً وأنزلت وحياً تهدي إلى الطريق المستقيم، ومع ذلك بقي الإنسان مصراً على الاستعانة بأوثانه وأصنامه، فبدأت قصة الرسالة الأولى مع ما صاحب هذا وتبعه حتى الرسالة الخاتمة الكاملة الشاملة، رسالة النور والعلم والحكمة التي كلف بها النبي الرسول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.

ومن خلال الوحي أمر الخالق عزّ جلاله رسوله والعاملين بإلزام متى أُخذ به اطمئن وعاش الحياة بأمن وسلام، ويستمر الإنسان في حالة الخوف من الأجل، وتتابع الرحلة من الحياة الدنيا إلى حياة الخلود حيث الجنة أو النار اللتين تسبقهما رحمة الله ومغفرته، ويستمر الإنسان فيما يخشاه على الرغم من أنه يعلم بحتمية الأجل منذ أن ولد.

ومع ذلك مازال الإنسان يخشى يوم الأجل، يوم ترحل بنا أقدار الله من هذه الحياة إلى حياة الخلود التي يبدأها الإنسان بعد حياة الدنيا بكل ما فيها من تباين وفروقات، إن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تره فهو يراك، وترانا معه رحمته ومغفرته.

إن مقدار ما يخشاه الإنسان من يوم مجهولة معالمه وتفاصيله هي في معظمها معلومة ومتوازنة في الأسباب والأقدار وفق ما أذن الله به.

واليوم الذي فيه تعرّفنا على الحياة الدنيا وما هو مهم في طبيعتها بسننها وقوانينها كنا ولا نزال نؤمن بيوم الأجل الذي جاء معه الوجل، وتلك من طبيعة الإنسان البشرية أن يخشى المجهول، والحمد لله أن القرآن الكريم احتوى على دلالات تبين الكثير من المجهول.

الكل منا يعاني كبد الحياة وتداخل الأقدار بتباين واضح، والإحساس بالخوف من اليوم المجهول كان هو ما نحس به، ولكن النسيان والغفلة والأمل ساروا بنا في طريق يمنح الاطمئنان والاستقرار حتى يوم الرحيل.

وبقراءة سورة (ق) تأخذنا الإشارة ليوم نعلم فيه بكل التفاصيل التي هي مجهولة الآن (فاليوم صار البصر من حديد)، كما أن منهاج الحياة وطرق العيش فيها لم يخل من الإرشاد الذي جاء به المنهاج القرآني الكريم، حيث استجابت له غرائزنا وما نحن عليه من طبع يدفع بنا لنعيش الحياة ونتعلق بها، ومع ذلك نستمر في حالة الخوف من المجهول.

والأسباب التي بها هبطنا إلى الأرض وما قدره الله علينا كثير منا يعلم عنها بإيمان ثابت أو بدونه، ومع ذلك نخشى من يوم الأجل الذي قد يكون يوماً من أعز الأيام وأجملها من بين تراكم العمر وما بعده.

ومن أقدار الله عز جلاله أن قدر علينا الجهاد مع النفس نطهرها ونتأمل في بنائها، وكيف صار أمرها استعداداً ليوم الحساب، ولقد فتحت طرقاً وطرقاً تدفع بنا إلى الخير ومعايشة الحياة بحس إنساني متميز، ومع ذلك لا يزال البعض وجلاً من يوم الأجل لأسباب في علم الغيب، ولكن مقدار المجهول في نفوسنا، وقدرة العقول لدينا لا تتحمل تفاصيله حتى وإن كان مرد هذا الخوف مقدار ما خرج به الإنسان من أخطاء ارتكبها على الطريق، فالإنسان لنفسه ظالم وبها جهول، والأمل عامر برحمة الله وغفرانه.

إن البعض منا لا يأخذ به تأمله إلى إدراك أنه عدل أن تعود الأشياء فينا إلى أصلها وإلى مادتها التي أدت إلى تكويننا المجسد في خلق كان ولا زال في أحسن تقويم، أما السمو الروحي فله مسير آخر وطريق ومستقر حتى يأذن الله بما يشاء.

إنّ قضيتنا في الأساس مع حقائق الظن (1) سواء ما تعلق بالحياة الدنيا أو بحياة الخلود، وفيما أظن أنها حقائق الظن حيث تأخذ بنا مع مجاهيل نخشاها فتضطرب فينا كل الحواس، فيتعمق الإحساس حيث نكابده ونهوله فنخشاه ونعيش الوجل من يوم الأجل.

فمن أحسن الظن بالله وصلح عمله بمقدار استطاعته عاش حياته في الدنيا بأمن وسلام، واستعد لرحلة الخلود باطمئنان أكثر، وحقائق الظن يجب أن تكون بحصيلتها محل مراجعة وتبصر، فهي حقائق ولكنها للظن، فلتكن تأملات الإنسان في خشوع يخشع معه أمام العرش العظيم عرش الحاكم العالم الرحمن الرحيم، ومن سار على هذا الدرب تضاءل الوجل لديه أو انحسر.

فلنفكر ونستنتج ما هو لصالح العطاء الفكري والإنساني ورصيده، ومن ثم تسجيله ليكون في مقدمة وعينا الثقافي حيث بالوعي يتضاءل العلم المتخصص أو المكتسب، فلا نحمل أنفسنا من الموروث أو ما نضعه في يومنا هذا حيث يُثقل على أجيال من بعدنا، ولنؤمن أننا لله وإليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وجهد القاصر حادث يحدث، والحادث في الأصل يأتي ومعه وسائل زواله، أما الباقي والأبقى فهو الإله الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) والله الموفق.

* * *

(1) يفترض أن ما هو ظن لا حقائق معه، ولكن حين يسيطر الظن على أحدنا يصبح كل شئ يتعلق به حقيقة لدى من يظن حتى وإن رأينا أنه يجانب الصواب، فالاعتقاد بما يوحي به الظن نراه وهماًً ويراه من يظن مدعماً بحقائق، وتلعب حقائق الظن دوراً مدمراً في أي قرار أو رؤية تتعلق بالحياة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد