Al Jazirah NewsPaper Saturday  13/06/2009 G Issue 13407
السبت 20 جمادىالآخرة 1430   العدد  13407

رشيد محمد الرشيد رحمه الله كما عرفته
بقلم د. عبدالعزيز بن صالح الشاوي

 

الخميس الرابع من جمادى الآخرة: الشمس لا تستفيق، غيبتها يد المنية، كعادتها حين تقبض أرواح الكرام وتصطفي الطيبين، كئيبة مظلمة.. هكذا بدت لي الدنيا صبيحة تلقي الفجيعة..

حُقّ للقلب أن يفزع، وللعين أن تدمع، وللكون أن يحزن.. فالمصاب جلل.. والفقيد كان أمة، والفراغ الذي تركه شاسع.. من يا ترى يقدر أن يملأه من بعده..

رشيد بن محمد الرشيد.. يكفي أن تذكر هذا الاسم حتى تقفز في مخيلتك، وأمام ناظريك صور البذل والعطاء المشرقة.. يتيم كفكف الدمع من عينيه وعوضه فقد أبويه.. أرملة كان سندها بعد الله في ضعفها وحاجتها.. حافظ للقرآن يتلوه صباح مساء.. قارئة تصدح بآيات الله في دار تحفيظ.. مسجد يزهو بعماره من المصلين..

آثاره الخالدة شاهدة على كرمه وسخائه وحبه للبر والإحسان.

أبو محمد.. عرفته دمث الأخلاق، طيب المعشر، يحبه الصغير ويجله الكبير، مجلسه أنيس، ومعدنه نفيس.. لا يتكلم إلا بخير، لا يذكر أحداً بسوء في غيبته، ولسانه رطب أبداً بذكر الله..

أما كرمه..

هو البحرُ من أي النواحي أتيْتهُ

فلُجّتُه المعروف والجود ساحلُه

تَعوّدَ بسطَ الكفِّ حتى لو انّهُ

ثناها لقبضٍ لمْ تُطٍعْهُ أناملُه

جمعتني به هموم العمل الخيري.. كوني المشرف العام على المجمع الخيري ببريدة.. وكونه الداعم السخي للجمعيات والجهود الخيرية.. لا أذكر أني أتيته يوما أسأله تبرعا أو عطاء، قل أو كثر، فتلكأ أو تلعثم، كان سابقا بالخيرات بإذن الله، وأحسبه من السابقين المقربين.. والله حسيبه.. حين يعطي لم يكن يتبع صدقته بمن أو أذى.. بل كان لحوحاً كثير الاتصال.. ليطمئن على وصول عطائه.. فلا تهدأ نفسه ويرتاح باله إلا إذا تحقق من وصوله لمستحقيه.. كأنما هو السائل وليس الباذل.. وكان دائما ما يردد:

المال مال الله وما أنا إلا مؤتمن..

تَراهُ إذا ما جِئْتَهُ مُتَهَلّلا

كأنكَ تُعطيهِ الذي أنتَ سائلُه

ولوْ لمْ يَكُنْ في كفّهِ غيرُ نَفْسِهِ

لجادَ بها فَلْيَتّقِ اللهَ سائلُه

وحين جاد بنفسه رحمه الله أتيته وقد فُرغ من تغسيله وتكفينه.. فكشفت عن وجهه الطاهر، فإذا هو ذات الوجه المتهلل الوضيء، وأمارات القبول تعلو محياه، وعلامات حسن الختام بادية كالشمس بإذن الله.. فقبلته.. وكان الذهول سيد المكان.. لم أكن على يقين.. أمات أبو محمد حقا؟ أحقا رحل الكريم ابن الكريم أبو الكرام؟ لكني حين عدت لوعيي تيقنت أنه باق بيننا بآثاره الصالحة، وصدقاته الجارية التي كان حريصا على الإكثار منها والتزود من بركتها.. لم يمت من خلف رجالا وبنات يجري في دمائهم حب الخير.. وتمتعوا بصفات وخصال فاضلة جبلوا عليها.. وورثوها من أبيهم الكريم.. كرم ومكارم أخلاق، تشربوها عن طيب نفس من معين والدهم العظيم، فهم الامتداد المبارك لنهر العطاء الجاري إلى يوم الدين، وظني بهم أنهم سيسيرون على خطى الخير, وأنهم سيكملون مسيرة الفقيد.. رشيد بن محمد الرشيد..

وفي لحظة مواراة جثمانه الطاهر الثرى، احتدمت المشاعر وازدحمت العبرات.. فدعوت الله ومعي الآلاف ممن شهدوا جنازته واكتظت بهم المقبرة.. أن يشمله برحمته و يسكنه فسيح جناته، وأن يعظم حسناته ويرفع درجاته، وأن يرزقنا وأهله الصبر والسلوان.

وفيما يلي قصيدة لمشتاق حسين، وهو شاعر عايش العمل الخيري، واطلع على جانب من سخاء الفقيد ودعمه للخير، وحين حدثته بقطوف من سيرة الشيخ الراحل العطرة، جاشت مشاعره وأبدع هذه القصيدة التي عنونها باسم الفقيد رحمه الله:

رشيد:

تُرى أرثيك أم أرثي لحالي؟

وهل أبكيك يا أغلى الرجال؟

وهل باكٍ على خير تولى

كباكٍ من مخافة ذي الجلالِ؟!

وما ساعٍ إلى الرحمن شوقا

كغاوٍ هام في دنيا ومالِ

وما ماضٍ إلى جنات خلد

كثاوٍ همه جمع الريالِ

يُواري بعضُنا في الترب بعضا

ونرجع للغواية لا نباليِ

وكيف يطيبُ عيشُ أخي ارتحالٍ

وحِمْلُ ذنوبه مثل الجبالِ

فيا رحّالُ خيرُ الزادِ تقوى

تَصَدّقْ واسْتزِدْ قبلَ الزوالِ

فما هذي الحياةُ سوى ظلالٍ

وليسَ تدومُ ساعاتُ الظلالِ

وكُنْ كابن الرشيدِ مضى كريماً

ولمْ يبخلْ ببذلِ أو نوالِ

وغابتْ شمسُهُ منْ بعدِ عُمْرٍ

خصيبٍ عاشَهُ بين المعالي

قضى وحديثُهُ دُرٌّ نفيسٌ

كذاك الموتُ يسرِقُنا اللآلي

له في كل مكرمةٍ سهامٌ

تحِنُّ إليه تحلمُ بالوصالِ

تحِنُّ إليه قارئةٌ بدارٍ

لتحفيظٍ وَتنْدُبُهُ الغوالي

وأرملةٌ تكَفّلَها بِعَطْفٍ

وجودٍ لمْ يَكُنْ صَعْبَ المنالِ

يحِنُّ إلى نَداهُ فتىً يتيمٌ

وقد صارَ اللقاءُ من المُحالِ

وكمْ مِنْ مسجدٍ يبكيه حُبّا

ويبكي الصالحاتِ من الفِعالِ

فذاكَ (أبو مُحَمّدَ) لا يُجارى

ومثلُ (رشيدَ) مفقودُ المثالِ

صلاةُ اللهِ ربِّ الكونِ دوما

على المدفونِ ف ي أسمى الخِصالِ

سلامٌ دائمٌ ونسيمُ خُلْدٍ

على الشيخِ المُكَفّنِ بالجَمالِ

* المشرف العام على المجمع الخيري بمدينة بريدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد