Al Jazirah NewsPaper Friday  03/07/2009 G Issue 13427
الجمعة 10 رجب 1430   العدد  13427

شمَّاءُ أم للجميع
نوف بنت محمد بن سعود السند

 

إن هذه العقيدة المبنية على (ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك) إذا رسخت في النفس وقرت في الضمير صارت البلية عطية، والمحنة منحة، وكل الوقائع جوائز وأوسمة، ومن يرد الله به خيراً يصب منه؛ فإن الباري قد قدر، والقضاء قد حل، والخيرة لله؛ فهنيئاً لأهل المصائب صبرهم ورضاهم (وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).

إن أمّنا (شماء) يحسب كل من يزورها أنه الأعز الأقرب، والأنيس المحبب؛ فهي تغمر الجميع بالإكرام وتتحفهم بجميل الاحترام وتؤنسهم بطيب الكلام.

أحسن شيء في الإنسان طهارة الضمير، والاستعلاء على كل أمر حقير، واحترام الكبير والرحمة بالصغير والعطف على الفقير، وكذلك كانت أمنا.

لما جاء خبر وفاتها تعثرت به الأفواه، وتلعثمت به الشفاه، وقال القلب هذا خبر لا أقواه، وقالت النفس ما أشد هذا وما أقساه.

علمتنا أن العلم ليس شهادات تعلق، ولا دنيا تعشق، ولا بهارج تلفق، بل بسمة على المحيا، وصدق في المسعى، وثبات في الخطى، وإخلاص في العلن والنجوى.

علمتنا بسلوكها البعد عن التقاط السقطات أو الإمساك بالغلطات؛ فكانت تدفن المعائب، وتذكر المناقب؛ فملأ الله بمحبتها القلوب، وأصبحت الأنفس لرؤيتها تتوق.

ولو أن النساء كمن عرفنا

لفضلت النساء على الرجال

فما التأنيث لاسم الشمس عيب

ولا التذكير فخر للهلال

والدتنا لها من اسمها نصيب؛ فقد كانت شامخة شماء تتحامل على نفسها وإن أتعبها الألم، وشق عليها الوجع؛ فالجميع في ذهنها حاضر، والزائر بفيضها ظافر، فما كانت لأحد قاطعة، بل هي دوماً - بفضلها - بالوصل سابقة.

والدتنا لو فاح طيب ثنائها في الوجود لكان مسكاً، ولو نظمت مكارمها في عقد لانفصم من طوله سلكاً سلكاً، نعزي أنفسنا بأن جنازتها مشهودة، وقلوب مَن عرفها مكلومة؛ فقد اختلط الترحم بالدموع وماجت كالبحر الجموع.

علوّ في الحياة وفي الممات

لحق أنت إحدى المعجزات

عليك تحية الرحمن تترى

برحمات غواد رائحات

أمّاه لئن غاب جسدك فما غابت عّنا رؤيتك، ولئن غاب عنا حنانك فما غابت عنا فعالك، ولئن غاب عنا قمرك الوضاء، فما غابت عنا بصماتك البيضاء؛ فأنت الخالدة في الأذهان، القريبة إلينا في كل زمان وآن.

اللهم أنزلها رضوانك، وأسبغ عليها غفرانك، وبوّئها أكرم نزلك، وألبسها أجمل حللك، واجمعنا بها في دار السلام مع خير الأنام.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد