Al Jazirah NewsPaper Tuesday  07/07/2009 G Issue 13431
الثلاثاء 14 رجب 1430   العدد  13431
إن لم يكن الآن فمتى؟
بان كي مون

 

إن كل السياسة محلية، هكذا يؤكد القول المأثور، ولكننا اليوم نستطيع أن نقول: إن كل المشاكل عالمية. حين يجتمع زعماء العالم في إطار قمة مجموعة الثماني في إيطاليا فسوف يكون لزاماً عليهم أن يُحَدِّثوا سياساتهم حتى يتمكنوا من معالجة المشاكل التي لا يستطيع أي منهم إيجاد الحلول لها بمفرده.

لقد شهد العامان الماضيان سلسلة من الأزمات المترابطة: الذعر المالي، وارتفاع أسعار الغذاء والنفط، والصدمات المناخية، ووباء الأنفلونزا، وغير ذلك الكثير، ولا شك أن التعاون الدولي في التصدي لهذه المشاكل ليس مجرد تصرف صائب، بل لقد بات يشكل ضرورة عالمية.

إن الترابط العالمي شديد إلى حد مذهل. ففي شهر إبريل-نيسان تم التعرف على فيروس الأنفلونزا H1N1 (أنفلونزا الخنازير) في إحدى القرى بالمكسيك. والآن انتشر الفيروس إلى أكثر من مائة دولة. كما انتقلت الآثار المترتبة على انهيار ليمان براذرز إلى مختلف أنحاء العالم في غضون أيام: فسرعان ما شعرت حتى القرى النائية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بالصدمة الناتجة عن تراجع الدخول من التحويلات المالية القادمة من الخارج، وإلغاء المشاريع الاستثمارية، وهبوط أسعار التصدير، وعلى نحو مماثل، ساهمت الصدمات المناخية في أجزاء من أوروبا وأستراليا وآسيا والأمريكيتين في الأعوام الأخيرة في ارتفاع أسعار الغذاء إلى عنان السماء، الأمر الذي أثر على الفقراء وخلق جواً من عدم الاستقرار والمصاعب في عشرات البلدان.

هذا هو السبب الذي يجعلني أوجه الدعوة إلى مجموعة الثماني للعمل على معالجة مجموعة من القضايا على مدار الأشهر الاثني عشر المقبلة. وتقع بعض هذه القضايا ضمن نطاق اختصاص بلدان مجموعة الثماني؛ ويتطلب بعضها الآخر توصل جميع البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة إلى اتفاقيات عالمية، وفي كل الأحوال فإن زعماء بلدان مجموعة الثماني يدفعهم التزام خاص بتولي زمام المبادرة في هذا السياق، وذلك نظراً لتعهداتهم السابقة، وحجم اقتصاد بلدانهم وحصصها غير المتناسبة في الانبعاثات الغازية العالمية المسببة للانحباس الحراري العالمي.

أولاً يتعين على بلدان مجموعة الثماني وغيرها من البلدان الكبرى المنتجة للغازات المسببة لظاهرة الانحباس الحراري العالمي أن تكثف جهودها للتوصل إلى اتفاق في إطار مؤتمر تغير المناخ الذي ستعقده الأمم المتحدة في كوبنهاجن في شهر ديسمبر-كانون الأول، ولابد وأن يكون هذا الاتفاق دقيقاً من الناحية العلمية، ومنصفاً، وطموحاً، ومتقناً. إن تحقيق هدف الحد من الزيادة الأساسية في درجات الحرارة العالمية بحيث لا تتجاوز درجتين مئويتين سوف يتطلب التزام بلدان العالم بخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 50% بحلول عام 2050م. ويتعين على بلدان مجموعة الثماني وغيرها من البلدان الصناعية أن تتولى زمام المبادرة من خلال الالتزام بخفض الانبعاثات بنسبة لا تقل عن 80% من مستويات الانبعاث في عام 1990م.

ثانياً يتعين على مجموعة الثماني أن تتخذ خطوات محددة للوفاء بتعهداتها القديمة غير المنجزة بدعم البلدان الفقيرة ومساعدتها في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. ففي عام 2005 تعهدت مجموعة الثماني بمضاعفة المساعدات لإفريقيا بحلول عام 2010م. وإلى اليوم ما زالت المساعدات أقل من الوفاء بهذا التعهد بما يتجاوز العشرين مليار دولار سنوياً، ولم يتبق سوى عام واحد. لقد أصبحت مصداقية مجموعة الثماني على المحك، بينما تعتصر الأزمة المالية وصدمات المناخ ووعود المساعدات غير المنجزة أفقر فقراء العالم.

ثالثاً- يتعين على مجموعة الثماني أن توجه انتباهها العاجل نحو أزمة الجوع العالمية المتفاقمة، فطبقاً لتقديرات الأمم المتحدة انضم إلى سكان العالم الذين يعانون من الجوع المزمن حوالي مائة وخمسين مليونا آخرين، فبلغ تعداد الجياع في العالم الآن حوالي المليار نسمة.

إن هذا التراجع المفجع عن التقدم الذي تم إحرازه على صعيد الأمن الغذائي العالمي كان راجعاً إلى العديد من العوامل: الصدمات المناخية، وتلف المحاصيل، وبطبيعة الحال الأزمة المالية العالمية. لقد بث العلماء إلى زعماء العالم رسالة قوية مفادها أن المناطق الفقيرة والمناطق التي تعاني من نقص الغذاء من الممكن أن تزرع المزيد من المحاصيل الغذائية إذا حصل صغار مزارعيها على البذور المحسنة، ومخصبات التربة، ووسائل الري المناسبة التي يحتاجون إليها لتحسين إنتاجية الأراضي التي يزرعونها. إن المعونات الغذائية تشكل أهمية حاسمة في خضم الكارثة الحالية؛ وزراعة المزيد من المحاصيل الغذائية في إفريقيا بصورة خاصة لا يقل أهمية في العام المقبل وما يليه.

والآن يتعين علينا أن نستغل قوة الشراكة العالمية لتحقيق أهدافنا في التعامل مع تغير المناخ، وتقليص الفقر، وزيادة الإنتاج الغذائي. ولنبدأ بانتعاش اقتصادي قوي وعادل وشامل ومستدام، لأننا إن لم نفعل ذلك الآن، في لحظة الأزمة، فلن نفعل أبداً.

بان كي مون الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة.

خاص «الجزيرة»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009م.
www.project-syndicate.org





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد