يعلم الجميع أن الجريمة تطورت منذ فجر التاريخ بحسب تطور أساليبها داخل المجتمع الإنساني وما يصاحبه من تطور علمي وتكنولوجي وانعكس أثره على تطورها، وقد تزايدت في الفترة الأخيرة ظاهرة الغش والخداع في كافة التعاملات التجارية نتيجة التقدم المذهل في كافة المجالات التي يسرت إمداد مرتكبي الغش بإمكانيات واسعة لارتكاب هذه الجرائم وبمهارة عالية فائقة لإخفاء آثار جرائمهم ولخداع المستهلكين، الأمر الذي أدى إلى اهتمام دول العالم جميعاً لمقاومة هذه الظاهرة بكل الأساليب الممكنة.
ولقد سررت كغيري حينما حصلت الجمارك السعودية على جائزة منظمة الجمارك العالمية لعام 2009م عن جهودها في مكافحة الغش التجاري وحماية حقوق الملكية الفكرية لمساهماتها وجهودها التي بذلتها خلال عام 2008م لمكافحة الغش التجاري وحماية حقوق الملكية الفكرية.
وحيث إن ظاهرة الغش من الظواهر القديمة قدم الإنسان ذاته، إلا أنها أصبحت من أخطر الظواهر الإجرامية المعاصرة. وأحاول هنا أن ألقي الضوء على معضلة مؤرقة تواجه كثيراً من المؤسسات العامة والخاصة.
وعليه فلم يأت تكريم الجمارك السعودية من فراغ، ذلك لأن ظاهرة الغش التجاري أصبحت هاجساً يؤرق الجميع، حيث أشارت إحصائية دولية أن الرقابة الحكومية في السعودية قلصت حجم الغش التجاري إلى حد كبير في ظل تبني (حماية المستهلك) لدى الدوائر الحكومية.
لذا فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الحقائق التي تتمثل فيما يلي:
- إن ظاهرة الغش التجاري مزعجة للدول (ممثلة في كافة أجهزتها ذات العلاقة) لتأثيرها على حياة الإنسان، أو على البيئة والمجتمع بشكل عام من حيث الأضرار الحاصلة من جراء ذلك لعدم تقيد المصانع المنتجة بالمواصفات والمعايير والإضرار بالاقتصاد بالتهرب من دفع الرسوم الجمركية الفعلية وتكبد الدولة لمصاريف علاج الإصابات الناتجة عن استخدام هذه المنتجات المقلدة..، وما ينتج عن ذلك من تهديد للاقتصاد والأمن الوطني.
- كما أنها مضرة بالمستوردين والمصدرين على السواء نتيجة تعرضهم لمنافسة غير شريفة نتيجة زيادة في التكلفة لمنتجاتهم وانخفاض مستوى المبيعات على السلع الأصلية، يقابلها تدني في تكاليف المنتجات المقلدة.
- وهي أيضاً مؤثرة سلباً على المستهلكين نتيجة حصولهم على منتجات غير مأمونة سواء على الصحة أو عدم إيفائها بالغرض الذي اشتريت من أجله.
ومن الجدير بالذكر أن القطاع الحكومي وحده لا يستطيع مواجهة انتشار هذه الظاهرة، إذ إن للقطاع الخاص دوراً كبيراً في الجهود الهادفة إلى حماية المستهلك ومكافحة الغش التجاري باعتبار أن القطاع الخاص صاحب المصلحة الأولى في مكافحتها وأحد الأطراف المتضررين منها.
ولتحديد أسباب تفشي هذه الظاهرة أرى أنها تقع في المقام الأول على المصدرين والمستوردين بدرجة واحدة للأسباب التالية:
- الارتفاع المذهل والمضطرد في أسعار المنتجات الأصلية.
- عدم توفر بعض المنتجات الأصلية في الوقت الذي يحتاجه فيها المستهلك الأمر الذي يؤدي إلى الاستعانة بالمنتج المقلد أو المغشوش.
- عدم توفر خدمات الصيانة لبعض المنتجات الأصلية أو ارتفاع أسعارها وقلة الوعي لدى كثير من المستهلكين حول خطورة البضائع المقلدة.
ختاماً.. أرى أنه لا بد من تضافر الجهود لمكافحة هذه الآفة الخطيرة، والتعامل مع المتسببين في حدوثها بكل حزم، وذلك بحث الدول المستوردة على إبداء المزيد من التفاعل بمنع تصدير المنتجات المقلدة والمغشوشة بنفس درجة منع استيراده، إضافة إلى حث المصنعين إلى تلافي المسببات (التي سبق ذكرها مع توفير المعلومات المطلوبة للجهات الرسمية المختصة حال طلبها وتحديثها باستمرار)، مع تكثيف البرامج التدريبية للجهات الرسمية لتعريف منسوبيها بكل ما يستجد في هذا الموضوع.
هذا إضافة إلى تكثيف برامج التوعية للمستهلكين لتعريفهم بمخاطر هذه المنتجات، وتشديد العقوبات بحق مرتكبيها على مستوى الدول (عبر برنامج حازم ودقيق لتبادل المعلومات فيما بينها)، مع الأخذ في الاعتبار تشديد العقوبة على المتسببين لتكون رادعاً قوياً لمنع تفشي هذه الظاهرة.
Alayeed56@hotmail.com