يراد بالفكر المادي المنسوب إلى المادة وهي كل ما هو محسوس من هذا العالم كما يراد بهذا الفكر ما يقابل عالم الغيب. والمحسوس عند الماديين كل ما يمكن أن يُدرك مادياً سواء بالحواس العادية أو بالآلات المساعدة على ذلك أي على إدراك هذا المحسوس، فالإنسان والحيوان والنبات والجماد وكل عناصر ذلك جميعه يدخل الكل في نطاق ما يُسمى بالمادة ويُنسب إليه المذهب المادي. وعيب الماديين اقتصار فكرهم على المادة وما تتألف منها من عناصر وذرات ومواد، الأمر الذي يجعلهم يكفرون بالله والملائكة والكتب والرسل والأنبياء أي أنهم لا يؤمنون بعالم الغيب ولا بالبعث والنشور ولا بيوم القيامة. فهم ينكرون الأديان السماوية وتشريعاتها وكتبها المقدسة بما فيها قرآننا الكريم الذي أنزل على رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام. إن الفكر المادي خالٍ من الأخلاق مجرد من القيم والمبادئ وذلك واضح من طبيعة مساره المادي ولذلك فهو ينكر الروح والنفس والهدى والرشاد لأن الروح والنفس غائبة عن فكرهم المادي ومداركهم الحسية ولا يعترفون بها مطلقاً فهم يرون أن الإنسان مخلوق جسدياً فقط والعقل عندهم هو عبارة عن المخ المادي وغشائه.
وليس في الإنسان روح على وجه الإطلاق. وهم يقولون: (إن العقل والفكر عبارة عن تفاعلات عناصر المادة البيضاء الهلامية الساكنة في تجويف رأس الإنسان). كما يعودون بالحس والمشاعر إلى المادة وتفاعلاتها داخل الإنسان. وهي كل شيء عند الماديين، لا شيء في الوجود سوى المادة.. هكذا يرون وينظرون أن الوجود قديم وأزلي وأنه أبدي دائم بمعنى أنه لا يغني على الإطلاق لأن ثمة نظرية علمية تزعم أن المادة لا تفنى ولا تستحدث.
كما يرون أن المادة تحمل داخلها إمكانات ديموميتها وأبديتها ولذلك فإن هذه المادة لا تفنى وأن قانونها الطبيعي يعطيها خاصيتها الأزلية وجوداً وخاصيتها الأبدية بقاءً، الأمر الذي يبقيها ثابتة قوية.
مهما وجد فيها تحولات غير قابلة للانتهاء ولهذا السبب فالمادة باقية كما يزعمون غير فانية.. هكذا هم يقولون تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً لأنهم لا يؤمنون بالله خالقاً ومبدئاً ومصوراً لها.
بل يرون بحدوثها ذاتياً من ماديتها الكونية وهذا كفر بواح وإلحاد صريح كما يرون أن المادة نعم هي جامدة لكن الحياة سرت تحت ظروف خاصة ونتيجة تحولات كيميائية تخص هذه المادة ولم تنشأ الحياة في زعمهم نتيجة قوة خالقة وهي قوة الله عز وجل بل إن هذه القوة خرافة لا وجود لها ولا حاجة إليها.. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. إن الله تعالى هو الحق وهو خالق الكون والحياة والمادة وكل شيء مادي ومعنوي هو قبضته سبحانه وتعالى مهما ألحد الملحدون وكره المشركون وبطل المبطلون وكفر الكافرون. فالإلحاد معناه إنكار وجود الله والقول إن الكون وجد بلا خالق أو ان المادة أزلية أبدية وهي الخالق والمخلوق في ذات الوقت بدعة ضلالية لأنه قول بالطبيعة أي أن الطبيعة هي التي خلقت ذاتها بذاتها.
وهذا محض افتراء وقول باطل لأنه إنكار لوجود الله سبحانه وتعالى.
وهذه النزعة في التفكير تبتعد عن المفهوم الديني لتفسير العالم المادي وسواه ويقترب مع الضلال العقلي والتجربة الخاسرة في تفسير هذا العالم ككل بما يحويه من ماديات وغيرها من عناصر الحياة المعنوية التي تسري في بعض المواد والعناصر كالنبات والجماد من النافع والضار.
إن الفكر المادي فكر مضلل وهو فكر مضلل كذلك لأنه لا يهتدي إلى صواب. بل إنه يحمل فلسفةً عمياء في المصدر والمنهج والفكرة فمن حيث الفكرة فكرتهم عوجاء المفهوم علماً ووعياً ومن حيث المنهج منهجهم غير مستقيم فكراً وتصوراً ومن حيث المصدر مصدرهم مضلل تائه معرفةً وعقلاً بل جهلاً وتفكيراً إن تصورهم الضال قد أعمى بصائرهم ومعرفتهم المنكرة قد أضلتهم على علم وفكرهم الشاذ قد غشّى مفاهيمهم فأصبحوا خاسرين أحياءً وأمواتاً في الدنيا وفي الآخرة، الأمر الذي زينه لهم إبليس وهذا من تلبيس إبليس كما يقول العلامة ابن الجوزي في كتابه الشهير بهذا الاسم.