Al Jazirah NewsPaper Saturday  10/10/2009 G Issue 13526
السبت 21 شوال 1430   العدد  13526
الرأي العام الغائب في مجتمع القضايا الحساسة
أ.د. علي بن شويل القرني

 

الرأي العام هو الترمومتر الذي يوجه الناس، ويخطط للمستقبل، ويعين المؤسسات الرسمية على بناء أجندة عامة.. الرأي العام هو مجموع آراء الناس تجاه موضوع أو قضية أو مشكلة مجتمعية.. وعندما يضع الرأي العام كلمته، نكون..

..على بينة أكثر عما يجيش في الصدور، وما يدور في العقول.. والرأي العام في المجتمع السعودي أو في غيره من المجتمعات هو تعبير عن عقل جماعي يشترك فيه المواطنون لقول كلمة، أو تلخيص قضية، أو التعبير عن رأي في مشكلة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية..

ونعلم أن المجتمعات المتقدمة تزخر بمؤسات قياس رأي عام، مبنية على أسس علمية وقواعد منهجية، وتضع حكومات تلك الدول ومؤسساتها أمام نتائج يومية عن اتجاهات الرأي العام في القضايا والموضوعات التي تهيمن على فكر المجتمع، وتستوقف انتباهه.. وتجدول مؤسسات الرأي العام مناسبات كثيرة تطلق فيها نتائج استطلاعات الرأي الجماهيري حول تلك الموضوعات أو الأحداث أو القضايا، سواء كانت محلية أو دولية..

المجتمع السعودي يزخر بقضايا رأي عام كثيرة في مختلف الموضوعات والقضايا.. ولكن لا يتم استطلاع الآراء نحو هذه القضايا والموضوعات.. فإما أن تقوم بعض الصحف ومحطات التلفزة باستطلاع رأي خمسة اوعشرة من المواطنين وتنشرها على أنها تعبير عن الرأي العام السعودي.. أو تفرد الصحيفة صفحة على موقعها الالكتروني وتطلب التصويت على موضوع أو سؤال أو قضية، ثم تنشرها على أنها تمثل الرأي العام السعودي تجاه ذلك الموضوع..

هناك لبس كبير في مفهوم الرأي العام وقد ينظر إليه الكثير أنه مجرد عدد من الأشخاص تستطلع آراؤهم تجاه موضوع أو قضية، وتقدم هذا الاستطلاع على شكل أرقام ونسب مئوية، ولكن هذا يشكل خطأ فادحا وكبيرا، حيث لا نستطيع أن نعلن أن الرأي العام - بهذه الطريقة والمنهجية - هو رأي عام حقيقي.. والاصح أن نقول: إنه رأي يمثل فقط العينة التي تم استطلاعها..

استطلاعات الرأي العام هي تخصص وحقل علمي كبير ومعقد، ومبني على إرث واسع وأدبيات عميقة من الدراسات والبحوث العلمية التي وصل اليها علماء وباحثون من مختلف دول العالم.. والرأي العام أصبح مقترنا بالإعلام بشكل كبير، حيث تتصيد مؤسسات الإعلام مثل هذه النتائج وتعلنها، وعادة ما تحتل مانشتتات رئيسة في الصحف، وتتصدر عناوين الأخبار في نشرات التلفزة ومحطات الإذاعة في كثير من المجتمعات.. لهذا باتت مواد الرأي العام من المواد الأساسية التي تقدمها وتحرص عليها كليات وأقسام ومعاهد الإعلام في كل دول العالم. وتدرس هذه المقررات بطرق علمية، ووفق أسس منهجية دقيقة..

كثير من الموضوعات التي تزخر بها وسائل الإعلام ومنتديات الإنترنت يراها الكثير على أنها استطلاعات رأي عام، وتعبر عن الرأي العام في بلادنا، فقد يراها بعضهم على أنها انعكاس للرأي العام حول تلك الموضوعات والقضايا التي عادة ما تتسم بالحساسية المجتمعية.. ولكن الحقيقة التي يجب أن نلتفت إليها أن مجتمعنا في المملكة يفتقد إلى استطلاعات رأي عام علمية، ووفق أفضل المنهجيات الدقيقة في مثل هذه الدراسات.. ولا توجد مؤسسة واحدة يمكن أن نعتمد عليها في عمل علمي يعبر عن آراء واتجاهات المجتمع السعودي بشكل دقيق..

وصحيح أننا نطالع بين الحين والآخر استطلاعات رأي إعلامية عن مدى مشاهدة برامج إعلامية أو مسلسلات أو قنوات فضائية أو استطلاعات عامة عن موضوعات اجتماعية أخرى، ولكن هذه النتائج تكون أسيرة أهواء مادية تهيمن عليها المؤسسات الراعية لتلك الاستطلاعات، ونعلم ان طريقة بناء العينة التي تعتمد عليها تلك الاستطلاعات ليست بطريقة علمية، بل بطريقة غير علمية لا تعطيها المصداقية، ولا فرصة التعميم على المجتمع ككل، حيث إن اختيار العينة الممثلة للمجتمع هي الأساس الذي تعتمد عليه الاستطلاعات العلمية، وهذا ما يفرقها عن الاستطلاعات غير العلمية.. وباختصار وبتبسيط شديد ان العينة العلمية يجب أن تكون ممثلة لمختلف شرائح المجتمع - أو مجتمع الدراسة - ويجب أن تتاح لكل عنصر او مفردة أن يكون مهيأ لاختياره ضمن أفراد تلك العينة.. وهنا يكون اختيار عينة علمية وتطبيق الاستطلاع عليها هو عمل مكلف جدا، وهذا ما تتحاشاه بعض المؤسسات والجهات التي تصدر مثل هذه الاستطلاعات.. واذا اضطرت جهة أو مؤسسة أن تقدم استطلاعا عاما عن اتجاه المجتمع نحو موضوع او قضية، تجدها تذهب للمراكز أو المؤسسات الرخيصة في تقديم استطلاع بطرق غير علمية، ولكنها ارخص في التكلفة المادية، وهذا هو المعيار الوحيد الذي يرشح مؤسسة ويسقط مؤسسة أخرى..

وللأسف فإن الجامعات تغيب عن القيام بهذا الدور على الوجه المطلوب، فهي مؤسسات تمتلك المصداقية في عمل مثل هذه الاستطلاعات، ولديها الخبرات والمعرفة العلمية والقدرة المهنية للقيام باستطلاعات علمية، تعبر فعلا عن اتجاهات الرأي العام الحقيقي.. وفي نفس الوقت ندرك ملابسات وجود هذه الاستطلاعات في المجتمعات النامية، حيث ينظر اليها بريبة احيانا، وبعدم مصداقية احيانا أخرى.. ولكننا في هذا العالم، وفي ظروف ومتغيرات ومستجدات الحياة الجديدة نحتاج فعلاً إلى وجود مراكز استطلاعات رأي عام تنير لنا الطريق، وتساعدنا على استجلاء العقول ومعرفة ما يدور في الأذهان، لنضع خططنا وبرامجنا في مسارها الصحيح، ونعرف ما لنا وما علينا.. نحتاج مثل هذه الاستطلاعات العلمية حتى يمكننا ان نوجه الرأي العام لما يمكن ان يحقق أهداف المجتمع العليا..

المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية، - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود


alkarni@ksu.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد