Al Jazirah NewsPaper Saturday  10/10/2009 G Issue 13526
السبت 21 شوال 1430   العدد  13526
تصدير لا مصادرة
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

نقرأ -المخضرمين فينا- الخارطة المجتمعية (الوجاهية تحديداً)؛ فندرك حجم التغير الذي طال تراتبيتها؛ فبينما تصدر ذو سطوة يوماً، وذو مال يوماً، فإن ذوي المعارف يتصدرون دوماً، وفيما يهمشهم مجتمع حيناً فالتأريخ ينصفهم أحياناً.

** هكذا خرج ويخرج من عمق الحكاية أبطال لم يسعوا إلى البطولة؛ فقد وجدوا أنفسهم، أو وضعهم بنو أبيهم، في أعلى (التتر)، وأشير إليهم بوصفهم رموزاً ذوي قامات سامقة لم يرثوها (كابراً عن كابر).

** هؤلاء لم يعتادوا (السجاد الأحمر)، ولا يريدون اعتياده، وهم أنفسهم لا تعنيهم الجماهير وإن التفت وشايعت وتبعت، ولم تثر فيهم الأصابع المتجهة (تعريفاً وانبهاراً) غرور الصغار؛ فلم يروا إلا ما كانوا يرون، غير عابئين بسباق المصالح والشهرة والانتشار، وهم -إن لم يمثلوا رقماً كبيراً- مركز التوازن والاتزان في المنظومة الثقافية الممتدة بين طرفي (السلطة) و(المعرفة)؛ ونتيقن بهم أن الصمت صوت، والانكفاء -في أحد معانيه- تبتل يربط الساكن بالمتحرك في نظرية تتجاوز الاستاتيكيات الفيزيائية.

** قضية السلطة والمعرفة هي شغل المفكرين -بمختلف ألسنتهم-، ومن يقرأ (فوكو) سيرى كيف تصبح النظرية المجردة منطلقاً لبناء الملموس والمحسوس، وربّما قرأنا الفكر الاستشراقي بمنظار (إدوارد سعيد) الذي ما يزال مثيراً لاستفهامات تنتهي لتبدأ.

** ليكن هذا أو بعضه متفّقاً أو مختلفاً حوله، لنعتنق مع (توفلر) مفهوماً مهماً حين وضع القوة أدنى درجات السلطة، يعلوها المال، وتعلوهما (المعرفة)، وهو ما يفسر تبادل الكراسي في مثل مجتمعنا المتجه نحو الإيمان العملي بهذا السلم الناشئ رغماً عن إفرازات أزمنة الوصاية التي ركزت السيادة في مربعات مدورة لم تستطع المحافظة على هلاميتها ووهميتها وانطفائها القادم مهما كان بطيئاً.

** وهنا لابد من إزالة الفهم الخاطئ للمعرفة المقصودة؛ فهي -بالتأكيد- ليست المحفوظات المعلبة التي قد تجعل من صاحبها واعظاً أو خطيباً أو حتى أكاديمياً وصاحب مجلس ومنبر وجمهور، بل هي المعرفة الخالقة للتغيير، وربّما جاءت صادمة؛ فالقطيعة المعرفية -بما تعنيه من إيجاد فكر جديد- هي الوصل؛ بما يعني إنقاذ الأمة من استنساخ نفسها بتكرار لا يأذن بشق مسار أو استلهام حوار.

** الموضوع متسع لا ريب، والدخول في تلافيفه -أسلوباً ومنهجاً- هو المشروع الملح اليوم بعد بدء انحسار الهوامش التي سيطرت زمناً دون أن تصل الأمة بها إلى التطوير المفقود، وإذا تحركنا في هذا الاتجاه فإن النواتج القادمة من المخرجات التعليمية تقنيون ومخترعون ومفكرون وباحثون، وستصبح جامعاتنا مراكز أبحاث وإشعاع ثقافي تلد ولا تئد، وتصدر ولا تصادر، ولا تعود جامعة واحدة مبعث الفرح والبقية مدار التكرار والدوار.

السلطة عقل.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد