Al Jazirah NewsPaper Saturday  10/10/2009 G Issue 13526
السبت 21 شوال 1430   العدد  13526
ألقاب
علي أحمد المضواح

 

لست ممن يؤمنون بأن المقارنة بين الحضارات مجدية في كل حين، لسبب بسيط هو أن هذه المقارنات تلغي جوانب مهمة تسهم في صنع هذا الفارق وجعل المقارنة تبدو كمن يقارن لون شيء بوزن آخر، ولعل أهم هذه المتغيرات: الإرث..

..الثقافي أو الخلفية الثقافية التي نشأ فيها المجتمع وترعرع ويدخل في تكوينها كثير من الاعتبارات الدينية والعرفية وغيرها.. ولعلي في هذا المقال أدور حول هذا الاعتقاد الذي يسكنني في قضية معاشة في مجتمعنا؛ قضية انطلقت من قيمة جميلة لتصنع جرماً اجتماعياً وأخلاقياً (ككلمة الحق التي أريد بها الباطل)؛ إنها قضية الألقاب والمسميات.

***

جميل أن نتربى على احترام الآخر وجهده ومكانته، وننزله منزلته التي اكتسبها بفضل وعلم، وهذا ما نراه دارجاً في مدارسنا وجامعاتنا ? وحديثي هنا محصور في الاسم واللقب -؛ فلا أظن أحداً قد نادى أستاذه قبل أن يسبق اسمه بكلمة (أستاذ) أو (دكتور) حتى جرت عادة تقال بلا وعي في كثير من الأحيان، وهو أمر مستحب بل يرقى لدرجة اللزوم في ثقافتنا؛ لأن فيه إعطاء الفضل لأهله..

لكني سأناقش هذا الموضوع من الزاوية الأخرى والطرف الآخر؛ من الملقََّبِ ذاته؛ كيف هو وقع هذا اللقب عليه؟ وهل يرتضي اسمه منفصلاً عنه؟ وماذا تزيد الألقاب (المشتراة) أصحابها؟

***

حين تنادي الشخص باسمه مجرداً في ثقافة (الإنجليز) فهذا أحب الأسماء إليه دون أن تسبقه بلقب، أياً كان منصبه ومكانته! فلن يضيف اللقب بظنهم لأسمائهم شيئاً، ولن ينقصه نزعه شيئاً! وكغيري ممن عشنا ثقافة تكاد كلمة (أستاذ) فيها أكثر كلمة ننطقها قياساً على عدد سنوات دراستنا الابتدائية والمتوسطة والثانوية، والتي تطورت فيما بعد إلى كلمة (دكتور) بحكم انتقالنا للمرحلة الجامعية، حين أجد نفسي بين غمضة عين وانتباهاتها مطالباً من (أستاذي) الإنجليزي بذكر اسمه مجرداً من أي لقب! - رغم أني أعتقد أن له في العلم منزلة قد تفوق بعض من ألصقنا بهم هذه الألقاب سابقاً! - لأمر صعب!

ولا أخفيكم فقد كنت في بداية الأمر لا أستسيغ النطق باسمه مجرداً، وقد سألته ذات يوم: لمَ لا يحبذون في ثقافتهم أن تسبق الألقاب أسماءهم وتوقيعاتهم؟

فرد علي: أتريد أن أناديك في كل حين: يا طالب؟

قلت: لا.

قال: تريد اسمك فقط.. أليس كذلك؟

قلت: نعم (وإن كنت أقول في نفسي ولا ضير لو قلت: الأستاذ علي).

فقال لي: أنا أيضاً أريد اسمي فقط!

وهذا ما جعلني أتساءل: ما قيمة الاسم مقابل اللقب؟ ولمَ كل هذا التهافت في ثقافتنا في الحصول عليه ولو بطرق غير مشروعة؟

الإجابة بناء على ثقافتنا: أن استعمار الألقاب لأسمائنا يعطيها رونقاً وجلالاً، ويفسح لها كثيراً من الطرقات، ويزيح عنها كثيراً من العقبات، ويؤهلها لأن تكون معقلاً من معاقل الواسطة..

بينما في ثقافة الآخر الألقاب لا قيمة لها، بل هي محتل يهضم حق الاسم الذي لازم أنفاس المسمى مذ دخل للحياة وحتى يخرج.. ومن حق الاسم أن يكون هو الأبقى؛ فالأرض أرضه والملك ملكه..

وبما أني نتيجة حتمية لثقافة ربتني على أن ينزل أهل العلم والفضل مكانتهم بدءاً من اللقب وانتهاءً بالذكر؛ فثقافة غيري ربته على أن الاسم أولى من اللقب وأجل وأبقى، ولكل في هذا وجهة نظر.. لكن هذا ليس هو الإشكال بعينه ولا القضية! لأن الإشكال يكمن في حظ الشخص من الاسم وحظ الاسم من الشخص.. فلن يكون الاسم الذي (اشترى) له صاحبُه لقباً زائفاً إلا كقطعة حرير على جلد تمساح يبليها، ولن يضر الاسمَ الذي (اشتراه) اللقبُ أن يُنزع منه؛ فنور الشمس لا يحجبه غربال..

***

القيمة الحقة لا تكمن في اللقب ولا في الاسم، لكنها في الشخص ذاته، وكما قال الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله -: (إن اسمي ليس مني.. إنه مخلوق من حروف، ولكني إنسان مخلوق من لحم ودم).



almdwah@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد