يُعدُ محمد بن عبد الله بن عثيمين - رحمه الله - المولود في عام 1270هـ في قرية السلمية التابعة لمحافظة الخرج من رواد الشعر النجدي المعاصر، إلاّ أنه لم يحظ باهتمامات النقاد والباحثين والمهتمين بالشعر العربي، ولم يتصدَ لديوانه المحتوي على أشعار الحكم والمواعظ إلاّ القليل من الباحثين مثل أحمد أبو الفضل الذي وضع دراسته على ديوان ابن عثيمين تحت عنوان (ابن عثيمين: شاعر الملك عبد العزيز) وكذلك الأستاذ الفاضل عبد العزيز بن إبراهيم الفريح الذي جعل رسالة الدكتوراه له بعنوان (ابن عثيمين رائد الشعر الحديث في نجد).
|
وكان - رحمه الله - طالب علم قبل أن يصبح شاعراً، وقد وضح تأثره بالقرآن الكريم في شعره، ونجد أنّ كثيراً من الخطباء والوعّاظ وأئمة المساجد يستشهدون بشعره في الخطب والمواعظ، وحق لنا أن نفخر بشاعر مثله إذ إنه لم تظهر عليه سقطات الشعراء المنحرفين الذين قد يتعدى الواحد منهم على الخالق، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، أو يتعدّى الواحد منهم على الشريعة الغرّاء أو على جانب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
|
وقد أكثر من السفر والترحال خارج نجد مصاحباً لشيخه عبد الله بن محمد الخرجي - رحمه الله -، وقد استقر في بعض فتراته في بعض الدول المجاورة واستفاد من سفره معرفة وفهماً للحياة.
|
وقد أثنى على ابن عثيمين وشعره لفيف من الأدباء والشعراء، منهم على سبيل التمثيل لا الحصر، الشيخ محمد بن سرور الصبان، وكان يحفظ الكثير من شعر ابن عثيمين، ومن المعجبين به الدكتور محمد بن عبد المنعم خفاجي، حيث وصفه بأنه شاعر نجد الحديث.
|
ومن المعجبين به الأديب الأريب المربي الفاضل الأستاذ عبد الله بن إدريس، حيث يذكر واصفاً ابن عثيمين في كتابه القيم (شعراء نجد المعاصرون) بأنه (شاعر فحل لا يجاريه أي شاعر آخر في نجد فهو بحق شاعر نجد الكبير).
|
وأنّ الذي يقرأ في ديوان ابن عثيمين، يجد أنه قد تأثر بشعر أبي الطيب المتنبي وحبيب بن أوس الطائي المعروف بإبي تمام والبحتري. ومما يتميز به ابن عثيمين أنه أعاد منهج الشعراء الجاهليين والقدماء، حيث إنه في بعض قصائده يبدأ بذكر الأطلال والتغزل بالمحبوبة ووصف الراحلة، كما جاء في قصيدته المسمّاة (نعم هذه أطلال سلمى):
|
نعم هذه اطلال سلمى فسلم |
وارخ بها سيل الشؤون واسجم |
وكذلك في قوله في القصيدة المسمّاة (وقفت على دار لمية):
|
وقفت على دار لمية غيرت |
معالمها هوج الرياح النواسف |
وأنّ ما يميز شعره اقتباسه من القرآن الكريم وألفاظ السنّة النبوية الشريفة، كما جاء في قصديته المسمّاة (يا بارقاً بات):
|
لما أنجلت عنكم غماء جهلكم |
كنتم كناكثة الغزل الذي دكرا |
ويشير إلى الآية الكريمة في سورة الحج {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} عند ما ذكر ناكثة الغزل.
|
ومن اقتباسه من القرآن الكريم ما قال في إحدى قصائده:
|
صب الإله عليهم سوط منتقم |
من كف محتسب لله مرتقب |
وفي هذا البيت إشارة لقوله في سورة الفجر {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}.
|
وكان - رحمه الله - يضع على القصيدة الطابع الإسلامي، حيث نجد أنه يضع قبل القصيدة خطبة مختصرة فيها من الثناء على الله وتمجيده والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثم يبدأ قصيدته.
|
وإن من أغراض شعر ابن عثيمين - رحمه الله - المدح، فمدائحه جاءت لمناسبات عظيمة مثل فتوحات الملك عبد العزيز - رحمه الله - فكان أول ما قال الشاعر في مدح الملك عبد العزيز بمناسبة فتح الأحساء:
|
العز والمجد في الهندية القضب |
لا في الرسائل والتنميق للخطب |
تقضي المواضي فيمضي حكمها أمما |
إن خالج الشك رأي الحاذق الإرب |
|
ذاك الإمام الذي كادت عزائمه |
تسمو به فوق هام النسر والقطب |
عبد العزيز الذي ذلت لسطوته |
شوس الجبابر من عجم ومن عرب |
وقال في قصيدة أخرى في مدح الإمام عبد العزيز - رحمه الله -:
|
غر مكارمهم حمر صوارمهم |
خضر مراتعهم للفضل تيجان |
لكن أوراهم زنداً واسمحهم |
كفا وأشجعهم إن جال اقران |
عبد العزيز الذي نالت به شرفا |
بنو نزار وعزت منه قحطان |
ومما يميز ابن عثيمين خلو شعره من القول البذي والانحرافات الفكرية، بل كان شعره مسخراً للدعوة إلى مكارم الأخلاق والشيم والمواعظ، وإن أجمل ما قاله في الوعظ والنصيحة ما قاله في رثاء عبد الله بن أحمد العجيري - رحمه الله - في القصيدة المشهورة:
|
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب |
متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب |
نشاهد ذا عين اليقين حقيقة |
عليه مضى طفل وكهل واشيب |
ولكن على الران القلوب كأننا |
بما قد علمناه يقيناً نكذب |
نؤمل آمالاً ونرجو انتاجها |
وعل الردي مما نرجيه اقرب |
ونبني القصور المشمخرات في الهوا |
وفي علمنا انا نموت وتخرب |
وكان مجيداً في الرثاء ومن ذلك ما قاله في رثاء الشيخ سعد بن عتيق - رحمه الله -:
|
أهكذا البدر تخفي نوره الحفر |
ويفقد العلم لا عين ولا اثر |
خبت مصابيح كنا نستضئ بها |
وطوحت للمغيب الأنجم الزهر |
واستحكمت غربة الإسلام وانكسفت |
شمس العلوم التي يهدى بها البشر |
ومن الحكم التي ذكرها في شعره ما جاء في قصيدته المؤثرة والمسمّاة (لله في كل ما يجري به القدر):
|
لله في كل ما يجري به القدر |
لطف تحار به الأفهام والفكر |
ان الذي قد شكا عين الزمان له |
شكا له المسلمون البدو والحضر |
وكيف وهو لهم روح تقوم بهم |
وهم وإن كثروا فيما ترى الصور |
أقول للناس إذا راعت شكيته |
مهلاً فلله في أحوالنا نظر |
واستمر ابن عثيمين في قرض الشعر فترة طويلة إلى أن بلغ الخامسة والثمانين من عمره، فترك الشعر واشتغل في العبادة وقراءة القرآن وتوفي - رحمه الله - عام 1363هـ وعمره ما يقارب الـ 93 عاماً، رحمه الله رحمة واسعة.
|
د. سعد بن محمد الموينع |
|