يتابع باهتمام أبناء مجتمعنا الإسلامي ولاسيما العربي بداية دخول الوسم ويعتبرونه نقطة مهمة في استمرار استمتاعهم في هذه الحياة، بل إن حياتهم مرتبطة به كما قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ} وقد عاش أجدادنا وآباؤنا حياتهم كلها مرتبطة بعلم الفلك التقليدي الذي يمتهنه بعض من لديه خبرة وتجارب معه.. ويتذكر الكثير من أبناء مجتمعنا هؤلاء الذين يرصدون منازل القمر والنجوم والذين عادة يتخذون من قمم الجبال مكاناً لرصدهم لها والتي تؤدي إلى نتائج إيجابية يستفيد منها المزارعون والبدو الرحل الذين يبحثون عن أماكن سقوط الأمطار والتنبؤات الفلكية بنزولها.. وقد عاش الجميع فترة طويلة من الوقت بانتظام دخول الوسم وغزارة الأمطار فيه. وأتذكر بهذه المناسبة في قريتنا عندما يذهب والدي إلى الفلكي التقليدي في قريتنا ويسأله عن موعد دخول الوسم، ويخبره في موعد دخوله باليوم والساعة، والذي يؤكده نزول المطر في الأيام الأولى منه.. وكان كثير من المزارعين لا يغادرون مزارعهم حتى يشاهدون سقوط المطر الذي على ضوئه ينزلون إلى بيوتهم في القرى المجاورة لمزارعهم خوفاً على حياتهم، لأن البيوت في تلك المزارع من الطين وسعف النخيل التي لا توفر الأمن والسلامة لساكنيها، وهذه الفترة تعتبر من أجمل صور الحياة التي عاشها المزارعون والبدو الرحل، بل هواة الرحلات البرية والصيد والقنص، لأن البراري والصحاري تتحول إلى أراضٍ خضراء تنبت فيها جميع أنواع الأشجار والنباتات، وتستمر طول العام.. أما الوضع في وقتنا الحاضر فمختلف تماماً وهذا يرجع إلى ما ارتكبناه في حق البيئة، والذي سببه سلوك الإنسان على هذه الأرض كما قال الله سبحانه وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.. لا شك أن المتمعن في هذه الآية سوف يدرك أن هناك خللاً ارتكبه الإنسان في حق البيئة والتي عادة تفسر عند الجيولوجيين بتفسيرات علمية مثل تلوث البيئة وثقوب الأزون في الكرة الأرضية والانحباس الحراري وغيرها من التصنيفات العلمية الأخرى، هذه التفسيرات أصبحت هي السائدة وخلت من التأصيل الإسلامي بسبب قصور عند بعض علماء المسلمين الذين يفترض منهم التعامل مع هذه التظاهرات العلمية التي حصلت بالبيئة من خلال سلوك الفرد الروحي والمادي. فصلاة الاستسقاء تعدّ أهم مقومات التربية الروحية التي يجب تفعيلها في الأيام الأولى من دخول الوسم، وليس في نهايته كما يحصل الآن، لأن الوسم له خصوصية في مياهه ونباتاته.. أيضاً أن يواكب موعد دخول الوسم توعية شاملة في المدارس والمساجد تبين قيمة الجوانب الإيجابية عندما يكون الوسم في وقته وخيراته وأنه كلما قابله ترشيد في استخدام المياه كان سبباً في رضاء الله واستمراره، وأن يتخلل الاستشهاد ببعض الآبار والعيون التي كانت تنبع منها المياه والآن نضبت وأصبحت أماكن مهجورة كما هو الحاصل في عيون الأحساء والأفلاج بسبب سلوك الإنسان المادي والروحي.
- مكتب التربية العربي لدول الخليج