Al Jazirah NewsPaper Friday  30/10/2009 G Issue 13546
الجمعة 11 ذو القعدة 1430   العدد  13546
حسبته الموت يطرق بوابة قلبي
فوزية ناصر النعيم

 

حسبته الموت يتسلّل من شراييني ويطرق بطين قلبي ويهم بإيقافه.. جمرة اتقدت في صدري.. هكذا فجأة.. ولأن الذين أحبهم رحلوا وهم يحملون هذه الأعراض دبَّ الخوف في نفسي.. ولأول مرة في حياتي أخاف الموت!!! ربما كنا نستبعده منذ زمن..

أما الآن بعد أن أصبح مثل الهشيم يقتات من قلوبنا وعلى أحبتنا فصرنا خائفين نترقب رغم أنه ملاقينا.. قرأت على قلبي كل التعاويذ التي كنت أقرأها على أحبتي.. ثم رحلوا.. (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى). يا قلبي الهرم لا تخف.. أليس يعمرك اليقين.. أوَ لست مملوءاً بالإيمان وحب الله.. إذاً هذا يكفي أن تكون قادراً على مواجهة تلك الجمرة التي تشتعل عادةً في القلب ثم تغلق صنابيره ويسمونها (الجلطة) يا قلب اسأل الله فقط ألا يقبضك على معصية أو وأنت تخوض مع الخائضين.. حينما ذهبت أودع (محمد) وهو في مغسلة الأموات.. مسجّى على لوح خشبي يتدلى رأسه إلى اليمين ووجهه يشرق إشراقاً وأسنانه تلمع كالنجوم.. ذهب وفارق الحياة... وضعت يدي على قلبه فوجدته ينبض... ومع كل نبضة كنت أعد حسناته التي أعرفها وأحصي العدة.. هكذا القلوب التي كانت تشتغل عليها في الحياة أجساد كثيرة تظل تنبض حتى في مثواها ويوم الفزع الأكبر!!!

لن استسلم لهذه الحمى.. حتى لو سلبتني حرية التنفس ومنعتني من أن أستمتع بلذة المذاق وأفقدتني شهية أي شيء.. وكل شيء.. لن أستسلم لها فهي من لفحات جهنم وقد تحوّلني إلى رماد يتطاير مع الريح ولا تبقي مني إلا رائحة المسك التي تفوح من جسدي أو سيلاً من ترحمات البشر الذين أساءوا إلي وأحسنت إليهم.. يا رب إن رحمتك وسعت كل شيء.. فلتسعني رحمتك... ولا تجعل قلبي يشتغل بالفوارق.. فقد أرهقني التجوال.. والتحوال ورأيت كيف كان رمضان مختلفاً هذا العام.. كان ينقصنا فيه شجرة مورقة كنا نتفيأ فيها من زمهرير الحياة.. ينقصنا فيه إطلالة وجه طالما ألفناه وأحببنا وجوده.. مختلف تماماً مثلما تختلف أضلعي من الحزن على فراقه ورحيله.. مختلف أنت يا رمضان بلا حدود فلا العطش عطشك ولا الجوع جوعك ولا الرطب رطبك سوى أن كبدي أصبحت ناشفة تتفطّر وأدمعي مدراراً لا تتبدل وروحي توّاقة إلى ضوء وجوههم ورائحة أنفاسهم.. حتى العيد مختلف.. لم يرتد فستانه الجديد.. ولم أسمع به صوتاً سعيداً وما رأيته إلا من ثقب نافذتي يجر أذيالاً متسخة وجراحاً تنزف صديدا.

سبحان ربي.. وكأن أحداث حياتنا المؤلمة تقطع صلتنا بالمناسبات الجميلة.. فماذا يعني أن يرحل محمد قبل رمضان.. ويرحل أبي قبل العيد وترحل مضاوي في الربيع وتنزف جراحنا عدد شعر رأسي كلما عصفت بي ذكرى الرحيل أو آلمتني عثرتهم.. يا رب لا أريد إلا أن أكون عبداً شكوراً؛ فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.

- عنيزة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد